مر عام كامل منذ اندلاع «طوفان الأقصى»، الهجوم الذي مثل نقطة تحول جديدة في الصراع بين المقاومة الفلسطينية في غزة والاحتلال «الإسرائيلي»، هذا العام كان حافلاً بالأحداث، ولكن يبقى العدوان «الإسرائيلي» على غزة أبرز هذه الأحداث وأشدها تأثيراً، القطاع الذي يعيش تحت حصار خانق منذ أكثر من 17 عامًا تعرض لحملة إبادة ممنهجة، إذ يسعى الاحتلال لشل قدرات المقاومة في غزة عبر ضربات جوية عنيفة، مستهدفًا المدنيين والمنازل والبنية التحتية، هذه الحرب تركت بصمة دامية في تاريخ النضال الفلسطيني، وأكدت أن الصراع المستمر في غزة والضفة الغربية ما زال في تصاعد، حيث يشعل فتيل البارود في غزة لتصل شرارته إلى الضفة، مشكلاً جبهة موحدة ضد الاحتلال.
منذ بداية العدوان الأخير، تعيش غزة تحت وطأة قصف «إسرائيلي» مدمر، لم يتوقف عن استهداف كل ما يمت للحياة بصلة، البيوت دُمّرت فوق رؤوس سكانها، المدارس والمستشفيات لم تسلم من القصف، والبنية التحتية الحيوية التي كانت تعاني من الهشاشة بسبب الحصار المستمر، تعرضت لضربات قاصمة، في كل يوم يمر على غزة، يُقتل مزيد من المدنيين، ويتم تدمير مزيد من المنازل، فيما يتعمق الحصار ويزداد الفقر والبطالة.
الضفة الغربية لم تكن بمنأى عن هذه الأحداث، صحيح أن العدوان العسكري المباشر يتركز على غزة، لكن الاحتلال يمارس في الضفة سياسات استيطانية توسعية تهدف إلى تهجير الفلسطينيين من أراضيهم لصالح المستوطنات، عمليات هدم المنازل، والاعتقالات التعسفية، والاقتحامات المستمرة للمدن والمخيمات الفلسطينية، كلها أصبحت مشاهد يومية في حياة الفلسطينيين في الضفة، ورغم هذه الممارسات، شهد العام الماضي تصاعدًا كبيرًا في المقاومة الشعبية والفدائية، حيث قامت مجموعات من الشباب الفلسطيني بشن هجمات على المستوطنين وقوات الاحتلال في مختلف مناطق الضفة.
ورغم اختلاف السياقين، فإن المقاومة في غزة والضفة تظهر وكأنها جبهة واحدة، في كل مرة تتصاعد فيها المواجهة في غزة، تشتعل الضفة الغربية بالعمليات الفدائية ضد قوات الاحتلال والمستوطنين، المقاومة المسلحة في غزة، التي تقودها فصائل مثل «حماس» و«الجهاد الإسلامي»، تجد صداها في الضفة من خلال عمليات الهجوم على الحواجز العسكرية «الإسرائيلية» والمستوطنات، هذا التنسيق غير المعلن بين الجبهتين يعكس تكاملاً في المقاومة الفلسطينية، التي باتت تعتمد على العمل الجماعي والرد بالمثل على أي عدوان «إسرائيلي».
حكومة الاحتلال «الإسرائيلي» تحاول بشتى الطرق القضاء على المقاومة في غزة عبر استخدام القوة العسكرية المفرطة، حيث شنت خلال العام الماضي عدة جولات من القصف المدمر على القطاع، هذه السياسات، التي تهدف إلى إضعاف البنية التحتية للمقاومة، لم تنجح في تحقيق أهدافها، فالفصائل الفلسطينية تواصل تطوير قدراتها العسكرية، واستهداف العمق «الإسرائيلي» بالصواريخ؛ مما يربك حسابات الاحتلال ويدفعه إلى تكثيف عدوانه، في الضفة، يتصاعد العمل الفدائي بشكل لا يمكن إخماده؛ ما يعكس تصاعد الوعي المقاوم لدى الأجيال الفلسطينية الشابة.
في ظل هذه الظروف، يبرز الدور الإقليمي والدولي كمحور حساس في الصراع، بينما تحافظ بعض الدول على موقفها الداعم والثابت للقضية الفلسطينية، تبقى مواقف العديد من الدول العربية متذبذبة، حيث تؤثر عليها موجات التطبيع مع «إسرائيل».
في المقابل، يستمر الدعم الغربي لـ«إسرائيل»، خاصة من الولايات المتحدة؛ مما يضاعف من قدرة الاحتلال على مواصلة عدوانه ضد الفلسطينيين دون أن يخشى أي عقوبات دولية.
أما المقاومة الشعبية في الضفة الغربية، فقد أثبتت قدرتها على الصمود رغم القمع «الإسرائيلي» المتزايد، خلال العام الماضي، خرجت مظاهرات شعبية حاشدة في مختلف مناطق الضفة احتجاجًا على الاستيطان وجدار الفصل العنصري، رافعةً شعار المقاومة والنضال من أجل التحرير، هذه التحركات الشعبية شكلت رافعة للعمل الفدائي المسلح الذي ازداد نشاطه بشكل ملحوظ، ليشكل مقاومة متكاملة ضد الاحتلال.
ورغم محاولات الاحتلال فرض تهدئة مؤقتة مع غزة عبر وساطات إقليمية ودولية، فإن الفصائل الفلسطينية تؤكد أن أي تهدئة لا تضمن حقوق الفلسطينيين هي مجرد محاولة لإسكات المقاومة مؤقتاً دون حل جذري للصراع، في غزة، يستمر الشعب في تحدي الحصار والقصف، بينما تواصل الفصائل توجيه ضرباتها العسكرية ضد «إسرائيل»، وفي الضفة، تستمر المقاومة الشعبية والفدائية في التصاعد، مما يجعل من الصعب على الاحتلال فرض تهدئة مستدامة.
في ختام هذا العام الحافل بالمواجهات والدمار، يبقى واضحاً أن المقاومة الفلسطينية، سواء في غزة أو الضفة، مستمرة في تصعيدها ضد الاحتلال «الإسرائيلي»، فتيل البارود الذي اشتعل منذ عام في غزة يمتد ليشمل كل الأراضي الفلسطينية، مما يؤكد أن الشعب الفلسطيني لن يتراجع عن نضاله حتى تحرير أرضه وتحقيق حقوقه المشروعة.