اطلب من طفلك طرح مشكلة ما وضع 3 حلول لها أو أكثر وشجِّعه على طرح التساؤلات
اطلب المشورة من طفلك في أمر ما وأخذ الرأي بالتصويت إعمالاً للشورى وقواعد الديمقراطية
على الوالدين الخروج من عباءة الآمر الناهي بل تشجيع الفضول لدى الطفل وتعزيز التفكير المنطقي
التفكير النقدي ضرورة تربوية يتحتم الأخذ بها للنجاة بأبنائنا من طوفان الحرام والسفه والتفاهة
في كثير من الأحيان، تسعى الأسرة إلى تخليق طفل يشبه والديه، بشكل نمطي، يصل إلى إبقاء الابن داخل جلباب أبيه أو أمه، سلوكاً وتفكيراً، بل وتوريث المهنة إليه إذا سنحت الظروف لذلك، دون منحه المساحة الكافية للاستقلال، واتخاذ القرارات بنفسه، مع تحمل مسؤولية اختياره، وتبعات قراره.
لكن جسامة التحديات، وتعاظم المتغيرات، في عالم أشبه بقرية صغيرة، تحكمه المادية، وتسيطر عليه الشهوات، ويموج بالفتن، يحتم على المربي انتهاج أسلوب آخر في التربية، يرتكز على تعزيز الفكر النقدي لدى الطفل، ومواجهة المشكلات، وطرح الحلول، والتفكير خارج الصندوق؛ ما يدفع بعقل الصغير إلى الخروج من شرنقة التقليد والمحاكاة إلى التطور والإبداع.
كأب أو أم، قد ينتابني الغضب، إذا انتقد ابني أو ابنتي أمراً ما داخل جدران الأسرة، أو قدم طرحاً مغايراً لتوجهاتنا، وقد يستاء المعلم من تلميذه إذا طرح سؤالاً ما، أو أثار قضية جدلية، دون محاولة للتفهم والاحتواء، والتعاطي مع أفكار الآخر، والسماع إلى رأيه ونصحه، واستكشاف الجوانب الإيجابية فيه، ربما يميط ذلك اللثام عن طرح جديد، أو أن يستقي المرء منه حكمة ما، لقوله صلى الله عليه وسلم: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ»، قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: «لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ» (رواه مسلم).
أذكر أنني عقدت جلسة ودية مع أبنائي، وذلك في جو من الحب والتفاهم؛ وطلبت منهم أن يدلوا بآرائهم في طريقة إدارتي للبيت، وأن يكشفوا لي ما يرونه سلبياً، وما يطمحون إليه داخل كنف الأسرة؛ لاستكشاف ذواتهم، ومكنونات أنفسهم، والإحاطة بما يدور في خلدهم.
كذلك طلبت من كل منهم أن يدون أحلامه وطموحاته وأولويات حياته، ومقترحاته لتحقيق ذلك، مع إبداء التقدير لأحلامهم الصغيرة، ووضع جدول زمني لتحقيقها، ومساعدتهم على ذلك، ليس بالمال فقط كما يظن البعض، لكن بالنصح والتوجيه، وإمدادهم بالطاقة الإيجابية التي تعينهم على مواجهة الصعاب، وهو ما يكفل لكل منهم أن يحلم، وأن يفكر في تحقيق حلمه، وأن يسعى لذلك من تلقاء نفسه.
طرق تربوية
وهناك من الطرق التربوية الحديثة الكثير الذي يكفل صناعة طفل ناقد، منها أن تطلب منه عند طرح مشكلة ما، وضع ثلاثة حلول لها أو أكثر، وتشجيعه على طرح التساؤلات دون نفور، ومنحه الفرصة تلو الأخرى لاتخاذ قرار ما، وليكن بشأن مصروفه الشهري، أو جائزته التي نالها لتفوقه، أو طلب رأيه في مشكلة ما تواجهها الأسرة، أو سماع استنتاجاته حول تطور ما، أو مطالبته بالبحث عن حل لمشكلة ما وقع فيها، أو وقع شقيقه أو شقيقته فيها.
ليكن لنا قدوة في رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، فنعقد مع أبنائنا وبناتنا مجلس شورى؛ لطلب المشورة منهم في أمر ما، وأخذ الرأي بالتصويت، إعمالاً لمبدأ الشورى، وقواعد الديمقراطية، بما لا يخالف شرع الله تعالى، أنت هنا تضع بذرة إيجابية في نفس الطفل، تغرس معها ممارسة حقيقية للتعلم والانفتاح على الآخرين، واحترام الرأي الآخر، وعدم التحيز، والقدرة على تحليل الأخطاء، وجمع المعلومات، والتدرب على آليات اتخاذ القرار، وهي مهارات تعزز التفكير النقدي لدى الصغار.
في ضوء ذلك، من الواجب على كلا الوالدين الخروج من عباءة الآمر الناهي، وحالة افعل كذا، ولا تفعل كذا، وهي طريقة سلبية في التربية، تطمس شخصيات أبنائنا، وتقمع ملكة التفكير والإبداع لديهم، بل يجب تشجيع الفضول والمعرفة بداخلهم، وتعزيز طريقة التفكير المنطقي، مثلاً يمكن أن تعقد له مشكلة ما، ولو نظرياً، حتى يفكر في أكثر من حل ومخرج لها، ومع تطور مهاراته، يمكن أن تضعه في اختبار حقيقي، أو أن تحمله مسؤولية ما ضمن ما يناسبه، مع التدرج في ذلك، حتى يفطن إلى قيمة الشعور بالمسؤولية، ويستشعر معها قيم الصدق والأمانة والإخلاص والتفاني والنجاح.
تحمُّل المسؤولية
على سبيل المثال لا الحصر، لنبدأ بأفكار بسيطة، تبادل الأدوار معه، واجعله يمثل دورك كأب لساعات أو ليوم، كلِّف طفلك بإعداد وجبة الفطار يوماً ما، اطلب منه التخطيط لرحلة في الخارج، اجعله إماماً في إحدى الصلوات، اترك له المجال لإلقاء كلمة على أشقائه، دعه يتولى ميزانية الأسرة ليوم أو يومين أو أسبوع، امنحه الفرصة لتصليح شيء معطوب في البيت، أشركه في مسابقة ثقافية، حثه على القراءة والتأمل والابتكار، اجعله يوظف أدوات التكنولوجيا في أمر نافع، دعه يخطئ ويتعلم.
ما سبق، يجب أن يجري في بيئة مناسبة من الحوار والنقاش والمراجعة والتقييم، اسأله: ما رأيك؟ ماذا ستفعل لو كنت مكاني؟ ما الذي جعلك تقول هذا؟ ما توقعاتك؟ فيما تفكر؟ ما تفسيرك؟ كيف سنحقق ما تريد؟ ما الذي سيترتب على ذلك؟ وغيرها من تساؤلات تنمي لديه التطور الذهني، والإدراك المعرفي، والتفكير المنطقي، كما تشبع لديه الإحساس بالاهتمام منك، والتقدير له، واحترام رأيه، والأخذ به إذا كان مناسباً.
التفكير النقدي، ضرورة تربوية يتحتم الأخذ بها؛ للنجاة بأبنائنا من طوفان الحرام والسفه والتفاهة الذي ضرب مجتمعات عدة، مع تعليم الطفل آداب النقد، وقواعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتقبل وجهات نظر الآخرين، وكيفية التعامل مع المشكلات بشكل إيجابي، وصناعة تحويل الفشل إلى نجاح، والتحول من العثرات إلى الإنجاز، والعبور من «القال والقيل» إلى النقد البناء، والتحول من السلبية إلى الإيجابية، حتى يصبح لدينا طفل واعٍ بهموم أسرته ووطنه وأمته، ونافع للغير، ومصلح بين الناس.