الثقة في نصر الله، واليقين التام في تأييد الله، وعونه، ومدده من سمات المؤمنين، وعلامات المتقين، واليقين أهم مزايا المجاهدين من المؤمنين في أوقات الأزمات، وحين نزول البلاء، وحين ينتفش الباطل.
ونحن المؤمنين لا نشك لحظه أننا في عين الله، وحمايته، وإن أطبقت علينا الأهوال، والنوازل، والمصائب، والبلايا، فيكفينا قول ربنا: (وَٱصۡبِرۡ لِحُكۡمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعۡيُنِنَاۖ) (الطور: 48).
فتخيل كيف تكون الثقة في النصر إذا صرحت أمريكا وأوروبا وروسيا والصين أنهم مجمعون على دعمنا، ومستمرون في مددنا، وأنهم خلفنا يبذلون النفس والنفيس من أجلنا، فهل يشك أحد في أننا الطائفة المنصورة والراية المرفوعة؟!
وهذا مجرد دعم من مخلوق ضعيف، فكيف لو قال لنا الخالق: أنتم في عين الله وحفظه، الله حاميكم، الله معكم، الله ناصركم؟! وقد قال جل جلاله لنا ذلك في أكثر من آية، ووعدنا بالنصر والعز والتمكين، فيجب على كل مؤمن أن يكون على يقين أن النصر حليفنا والفوز من نصيبنا؛ (وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هُوَۖ قُلۡ عَسَىٰٓ أَن يَكُونَ قَرِيبٗا) (الإسراء: 51)، ولا نشك لحظة في وعد ربنا (أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ) (البقرة: 214).
وفي اللحظات الحرجة، وحين ينتفش الباطل، وتعلو رايته يظل المؤمن على يقين أثبت من الجبال أن الله منجز وعده، وناصر عبده، حتى لو اجتمعت الدنيا كلها لاستئصال شأفة الإسلام، وفي المقابل يهرول المنافقون، وسريعاً ما يهتفون، (مَّا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥٓ إِلَّا غُرُورٗا) (الأحزاب: 12).
يقول د. يوسف القرضاوي، في كتابه «البابا والإسلام»: عقيدة التوحيد تحرر الإنسان من الخوف والذل، واليأس، والكآبة، والقلق، وتضع يد المسلم في يد الله، وتمده بقوة خارقة، حين يعلم أن الله معه وأنه قريب منه، وأنه يعلم سره ونجواه، وأنه حافظه وحاميه، فيشعر بالأمن والسكينة، التي لا يشعر بها الجاحدون ولا الشاكون، ولا المشركون».
الله مع المؤمنين
ومعية الله للعبد قسمان:
الأول: المعية العامة لجميع الخلق:
وهو أن الله تعالى هو المدبر لأمر الوجود كله، وهو الذي بيده كل شيء، وهو الحافظ للكون بكل ما فيه ومن فيه، قال تعالي: (اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ) (البقرة: 255)، وقال تعالى: (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (الحديد: 4).
الثاني: المعية الخاصة:
وهي معية الله سبحانه وتعالى لأنبيائه ورسله، والمجاهدين في سبيله، والصالحين من عباده بالنصر والتأييد، والمعونة والإعانة، والتوفيق والسداد، والحفظ والرعاية، يقول تعالى: (قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَى {45} قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى) (طه)، وقال وتعالى: (وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لَّا تَخَافُ دَرَكاً وَلَا تَخْشَى) (طه: 77).
فحين خرج موسى ومن معه من المؤمنين فارين بدينهم خوفاً من فرعون أن يفتنهم في دينهم، فاتبعهم فرعون وجنوده بغياً وعدواً، وحين تراءى الجمعان علت حناجر المنافقين: «إنا لمدركون»، قالوها على سبيل السخرية والاستهزاء بموسى، وهارون، قالوا: لقد أدركنا فرعون وجنوده وأصبح الهلاك محققاً، والنجاة اليوم درب من الخيال، ومحض أوهام، والسبب في كل هذه المصائب موسى، وهارون،
ولكن قال لهم موسى بيقين: (كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ) (الشعراء: 62)؛ فكانت النتيجة (فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ {63} وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ {64} وَأَنجَيْنَا مُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ {65} ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ) (الشعراء)، وكانت نجاة موسى ومن معه، وغرق فرعون وجنوده.
(فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ) (محمد: 35)؛ وتلكم هي سنة الله في الكون إهلاك الظالم وهو في أتم قوته، ونصر المظلوم وهو في أتم ضعفه، ولا يقدر على ذلك أحد إلا الله، ولا ينال ذلك النصر العظيم والمقام الرفيع إلا أصحاب اليقين في نصر الله للمؤمنين مهما كانت الأحوال؛ قال تعالى: (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ {5} وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ) (القصص)، وقال جل جلاله: (وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُواْ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ) (الأعراف: 137).