في غضون 24 ساعة، اجتاحت المعارضة السورية مواقع جيش الرئيس السوري بشار الأسد وحلفائه من الإيرانيين و«حزب الله»، في حلب، وتوشك أن تحرر أيضاً مدينة حماة، وحمص، وسط تساؤلات عن سر هذا الانهيار وتداعيات الحرب، التي أرعبت «إسرائيل»، رغم محاولات إظهار أنها مستفيدة من ذلك!
تساؤلات كثيرة أثيرت حول المعارضة السورية التي حررت مدينة حلب، وهل هم متمردون وإرهابيون كما يصفهم إعلام الغرب؟ ولماذا الإصرار على إلصاقهم بـ«جبهة النصرة» التابعة لتنظيم «القاعدة»، رغم أنه تم حلها ولم يعد لها وجود؟! ولماذا تحركوا الآن ضد قوات الأسد، بعد 24 ساعة فقط من وقف إطلاق النار بين «إسرائيل» و«حزب الله»، وهم يعلمون أن «حزب الله» يدافع عن الأسد، وشغله بحرب في سورية سيكون لصالح «إسرائيل»؟
وما سر انهيار قوات الأسد بهذه السرعة في حلب، وهروبها من مناطق مختلفة؟! وهل يتجه الثوار إلى دمشق؟ وهل اقترب سقوط الأسد؟ هل بسبب تداعيات حرب لبنان على قوة ومعنويات «حزب الله» والمحور الإيراني الداعم للأسد، وإدراك المعارضة السورية أن التطورات الإقليمية والدولية أعطت دفعة لتوقيت الهجوم واستغلال نافذة فرصة تقلص قدرة «حزب الله» على التحرك بحرية بين لبنان وسورية لنجدة الأسد؟ أم لأنهم استعدوا منذ شهور، وهذه المرة تحت قيادة موحدة، وتعمدوا الانطلاق عقب وقف حرب لبنان كي لا يقال: إنهم يخدمون الاحتلال بتحركهم؟
وما سر انهيار «قوات سورية الديمقراطية» الكردية (قسد) أيضاً في تل رفعت ومنبج وهروبهم أو خروجهم باتفاق مع المعارضة، وهم مرتزقة تدربهم وتسلحهم أمريكا ليكونوا مخلباً لها في سورية ويحاربون تركيا من هناك؟
والأهم، هل تسمح إيران وروسيا و«إسرائيل» وأمريكا بوصول قوات المعارضة السورية المدعومة من تركيا لدمشق بعد حلب وحماة وحمص، ورسم خرائط جديدة للمنطقة ستؤثر على مصالح الغرب والدولة الصهيونية؟!
السر في المعارضة
سر النجاح الأول والأهم هو في المعارضين السوريين أنفسهم، والتزامهم الإسلامي وانضباطهم ووقوفهم تحت قيادة موحدة هي «قيادة العمليات العسكرية»، ضمن تحالف يضم مجموعة واسعة من مقاتلي المعارضة بما في ذلك الفصائل الإسلامية السلفية والمعتدلة القريبة من فكر جماعة الإخوان المسلمين في سورية.
مع هذا، انطلقت أبواق وصحف وفضائيات ووكالات أنباء أجنبية وعربية، تتهمهم تارة بأنهم جهاديون و«دواعش»، وتارة بأنهم عملاء لأمريكا و«إسرائيل»، وتختلق قصصاً حول شكرهم لـ«إسرائيل» على دعمها لهم، أو رعاية أمريكا لهجومهم، برغم أن مواقفهم معلنة وواضحة ضد الاحتلال الصهيوني ورفض النفوذ الأمريكي في سورية (قرابة 22 قاعدة عسكرية أمريكية في سورية).
وكان أول ما فعله الثوار حين تم تحرير قلعة حلب هو رفع علمي سورية وفلسطين ليزيّنا القلعة بعد تحرير المدينة في إطار عملية «ردع العدوان»، ويبعثا برسائل واضحة حول توجهاتهم.
والحقيقة أن هذه الفصائل السورية المعارضة التي تقاتل النظام السوري وجيشه الذي ارتكب فظائع وجرائم ضد السوريين لا تقل عن جرائم الصهاينة في غزة، للبقاء في الحكم، مستقلة وليست تابعة لأي جهة، وإن كان بعضها يتلقى دعماً من تركيا خاصة الجيش الحر الذي يحارب الأكراد خصوصاً، وغالبيتهم من أبناء سورية الشهداء الأوائل والمعتقلين الذين هُجروا من أرضهم وتظهر الفيديوهات القادمة من سورية عودة الكثير منهم لمنازلهم القديمة ولقاءهم مع من تبقى من أهاليهم، وفتح السجون والمعتقلات لإخراج آخرين منهم في سجون الأسد.
وأربعة من أهم هذه الفصائل السبعة التي تحارب تحت قيادة موحدة هم فصائل إسلامية تم توحيدها، وعدد يقترب من 10 فصائل إسلامية غالبيتهم من السلفيين المعتدلين أو المنتسبين لفكر جماعة الإخوان المسلمين في سورية.
«هيئة تحرير الشام» هي أبرز هذه المجموعات المشاركة في الهجوم، ولأنها وريثة «جبهة النصرة» التابعة لـ«القاعدة»، يجري اتهام المعارضين بأنهم «إرهابيون»، لكن الحقيقة هي أن «هيئة تحرير الشام» جماعة إسلامية مسلحة تشكلت في يناير 2017م نتيجة اندماج فصائل جهادية عدة، وإن كانت تضم بعض المتحولين عن أفكار «جبهة النصرة» والمنشقين عنها، فقد تغيرت أفكارهم تماماً وأصبحت معتدلة بعدما تركوا «جبهة النصرة» التي لم تعد موجودة وانتهت، ويشكلون حكومة في إدلب وجبهة إدارية تسمى «حكومة الإنقاذ السورية»، ويقود الهيئة أبو محمد الجولاني الذي كان يقود «جبهة النصرة» قبلها، أما هدف الهيئة العام فهو تحرير سورية من القوات النظامية.
هناك أيضاً «حركة أحرار الشام» الإسلامية، التي نشأت إبان الثورة السورية باتحاد 4 فصائل إسلامية، هي: «كتائب أحرار الشام»، و«حركة الفجر الإسلامية»، و«وجماعة الطليعة الإسلامية»، و«كتائب الإيمان المقاتلة».
و«أحرار الشام» تيار سلفي معتدل ذو أصول من فكر جماعة الإخوان، مثل: محمد سرور، ومحمد العبدة، وعصام العطار، حسبما أوضح تقرير سابق في «المجتمع» للمفكر محمد سالم الراشد.
ومن المجموعات الإسلامية الأخرى المعتدلة «كتائب نور الدين الزنكي»، وهي حركة إسلامية ثورية شاركت في القتال ضد النظام السوري خلال السنوات الماضية، وهم من تلامذة «المدرسة الحلبية المشيخية» التي يرأسها الشيخ توفيق سابقاً.
وهناك أيضاً «الجبهة الوطنية للتحرير»، وهو تحالف للمعارضة السورية المسلحة في جنوب غرب سورية، تم تشكيله من قبل 11 فصيلًا في «الجيش السوري الحر»، في مايو 2018م بمحافظة إدلب شمال غربي البلاد ويضم 30 ألف مقاتل.
و«الجيش الوطني السوري»، وهو تحالف من فصائل المعارضة المدعومة من تركيا التي تعارض القوات الموالية للنظام السوري، وتأسس في ديسمبر 2017م، ويعمل كجيش للحكومة المؤقتة التابعة للمعارضة السورية ومقره تركيا.
قلق صهيوني أمريكي من «الإسلاميين»
يرجع القلق «الإسرائيلي» والأمريكي من تقدم فصائل المعارضة السورية المسلحة أمام قوات النظام السوري وحلفائه من الإيرانيين والروس، إلى انتماء أغلب هذه الفصائل لمجموعات سلفية معتدلة أو موالية فكرياً لجماعة الإخوان المسلمين في سورية.
لذا، قال اللواء تامير ياداي، قائد القوات البرية في الجيش «الإسرائيلي»، في 1 ديسمبر: إن الوضع في سورية يشغلنا جداً، وإذا انتصر الثوار على النظام السوري، ففي المستقبل سنراهم جميعاً على حدودنا، وهذا ليس في صالحنا.
وعقد رئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو اجتماعاً أمنياً عاجلاً عقب تقدم المعارضة السورية، في 29 نوفمبر الماضي، لمناقشة التطورات في سورية، بحسب صحيفة «يديعوت أحرونوت»، ناقش بقلق انتصارات قوات المعارضة، وتداعيات ذلك على «إسرائيل».
ونقلت صحيفة «هاآرتس» عن مسؤول سياسي «إسرائيلي» قوله: ينبغي أن نكون مستعدين لأي احتمال، وبضمن ذلك سقوط حكم الأسد وإمكانية أن تشكل منظمات إرهابية (يقصد جهادية سُنية) تهديداً جديداً على «إسرائيل».
صحيفة «تايمز أوف إسرائيل»، في 30 نوفمبر قالت: إن رؤساء أجهزة الاستخبارات قالوا لرئيس الوزراء «الإسرائيلي»: إن تقدم المتمردين في سورية قد يعني فوائد قصيرة الأجل، وصحيفة «معاريف»، بدورها، حذرت، في 29 نوفمبر، من سقوط حلب في أيدي المعارضة، بسبب الطبيعة العقيدية الإسلامية للمعارضة، وفرص تعاونها مع «حماس»، حال انهارَ حكم الأسد وتولَّى إسلاميون السلطة في دمشق، وفق ما قالت.
أيضاً قالت «يديعوت أحرونوت» تحت عنوان «يجب على إسرائيل أن تستعد لظهور تهديد جهادي سُني محتمل على حدودها»: إذا انهار نظام الأسد وتمكن المتمردون السُّنة من السيطرة على سورية، فقد تواجه «إسرائيل» تحدياً أمنياً أعظم وأخطر، وذكرت أنه، ورغم أن إضعاف الأسد يفيد «إسرائيل» في بعض النواحي، فإن المتمردين السُّنة يشكلون أيضاً تهديداً كبيراً، وتشكل «حماس» مثالاً واضحاً على الأخطار التي يفرضها الجهاديون السُّنة.
وقد نشرت صحيفة «معاريف» تحليلاً للخبير «الإسرائيلي»، والباحث والمحاضر في قسم الدراسات الشرق أوسطية والإسلامية بجامعة حيفا د. يارون فريدمان، أكد فيه أن إحدى القضايا التي تثير القلق لـ«إسرائيل»، هي الهوية الأيديولوجية الإسلامية للثوار الذين يقاتلون النظام السوري، خاصة «هيئة تحرير الشام»، وقال: إذا سقط الأسد، فإن المعارضة السورية التي تقودها جماعات سلفية قد تخلق تهديداً أكبر على الحدود «الإسرائيلية»، هي احتمال نشوء دولة دينية سُنية متطرفة (حسب قوله) تشكل تهديداً أكبر لـ«إسرائيل» من نظام الأسد الذي حافظ على الهدوء في مرتفعات الجولان لمدة 50 عاماً.