على شارع المغرب السريع، المتصل بطريق السفر السريع، وطريق الملك فهد بن عبدالعزيز – يرحمه الله تعالى – في الكويت، تقع أكبر جمعية نفع عام كويتية؛ تاريخاً وإنجازاً، هي جمعية الإصلاح الاجتماعي الكويتية.ويكاد نصف شباب الكويت وفتياتها مروا من هنا، أو بأحد محاضنها التربوية والاجتماعية؛ أي جمعية الإصلاح الاجتماعي، وقطاع واسع من مواطني الكويت ومقيميها وخارج الكويت انتفعوا من خدماتها وبرامجها وأنشطتها المميزة والمهمة.
منذ أن تأسست هذه الجمعية في عام 1963م، في طور التأسيس الدستوري للكويت الحديثة، في عهد المغفور له بإذن الله الشيخ عبدالله السالم الصباح، والجمعية تتدفق حيوية ونشاطاً وبريقاً، فلم تنطفئ جذوة عملها ولا إنجازاتها والقيام بدورها المنشود بالرغم من مرور عقود من المتغيرات والتحولات في المجتمع الكويتي أو الإقليمي أو العالم، كل الانعكاسات السياسية والاجتماعية والعولمية تأثرت بها جمعيات ونشاطات وكتل سياسية واجتماعية، في حين أن جمعية الإصلاح الاجتماعي استمرت وفية لأغراضها ومبادئها، حُلَّت جمعيات، وانتهت جماعات، وتحولت كتل اجتماعية وسياسية لغير ما تأسست له هذه التجمعات، إلا أن جمعية الإصلاح الاجتماعي ظلت صامدة، بل ومتكيفة عملياً، مع كل هذه الأوضاع.
لقد واجهت هذه الجمعية إبان مرحلة الستينيات والسبعينيات حرباً سياسية وإعلامية يسارية وقومية، وفي الثمانينيات والتسعينيات خصومة وغيرة وحسداً اجتماعياً من بعض الكتل السياسية والاجتماعية وحتى الإسلامية.
ومنذ أحداث 2001م إلى عام الثورات العربية، واجهت ضغوطاً إقليمية ودولية واستمرت في رسالتها الاجتماعية والتربوية والفكرية، وعاشت إلى اليوم حرباً إعلامية وتضييقاً ومحاصرة من جهات محسوبة سياسياً ولهم مواقعهم التنفيذية ظلماً وعدواناً، حتى تمادت هذه الجهات بالتخفي وراء مطالب قضائية بحل هذه الجمعية الرائدة لأنها صوت الحق والعمل الإسلامي والوطني الخالص.
المؤسسون من أواسط القوم وأشرفهم: تميزت جمعية الإصلاح الاجتماعي بأن من أسسها عام 1963م هم أواسط القوم نسباً وأشرفهم مقاماً وموقعاً بين بني قومهم في الكويت.
وهم أيضاً بناة الكويت الحديثة، وواضعو أساسها الدستوري الحديث، ورافعو شأنها الاجتماعي والتاريخي.
دور وطني مميز: استلهمت جمعية الإصلاح الاجتماعي فكراً عميقاً يحفز العمل الوطني المميز، لقد تجلى ذلك في المراحل التاريخية للكويت الحديثة، حيث كان لها دور في تثبيت الكويتيين أمام مطالبات دكتاتوري العراق ضد الكويت في سيادتها، ومواقفها التاريخية في تثبيت وصمود رجال الكويت لانتهاكات الدستور الكويتي الذي انتهكته السلطة السياسية عام 1976 و1986م، ودورها البطولي أثناء الاحتلال الصدامي للكويت في تأسيس لجان التكافل الاجتماعي والمرابطين والخدمات داخل الكويت وخارجها، وتأسيس الهيئة العالمية للتضامن مع الكويت.
دورها في الحفاظ على الشرعية الكويتية: وكان لرجال جمعية الإصلاح الاجتماعي دور بارز من خلال المواقف والأحداث المختلفة في تأطير السياج الإسلامي والحماية الاجتماعية لشرعية الحكم في دولة الكويت، ومعارضة التغيير بالعنف الذي انتهجه اليسار الكويتي وحلفاؤه إبان الستينيات، كما أنها حسمت مواقف عدة لتحدي سيادة الحكم في الكويت ضد الأصوات التي نادت بالتعامل الإيجابي مع اختراقات دكتاتوريات العراق ضد الكويت، وكان الموقف الأكثر عمقاً هو الموقف أثناء الاحتلال الصدامي للكويت برفض أي مساومات، والالتفاف حول الشرعية الكويتية دون تردد، والموقف الحاسم في المؤتمر الشعبي الذي عقد في منتصف أكتوبر 1990م في جدة كان وساماً وشرفاً لرجال هذه الجمعية، وبالرغم من أن رجال الجمعية وشبابها في أكثر من موقف عبروا أيضاً برفضهم لاختراق السلطة للحريات وحقوق المواطنين.
دور اجتماعي خيري داخلي وخارجي: لقد كان للدور الكبير والمميز عبر خمسة عقود من الزمن لهذه الجمعية المباركة في الإصلاح الاجتماعي والخدمة العامة وإرساء قواعد العمل الخيري التطوعي إثراء داخلياً وخارجياً.
لقد رعت هذه الجمعية آلافاً من الأسر والأيتام، وأنشأت الآلاف والمئات من المشاريع الخيرية التي تنتج مجتمعاً صالحاً وحياً وصحيحاً من الأمراض والجهل والفقر.
لقد ساهمت جمعية الإصلاح الاجتماعي بشكل كبير في حماية الشباب والمجتمع من أخطار الأفكار الهدامة والقوانين المنحرفة، إذ إنها خاضت حرباً ضد المخدرات والخمور والتدخين والجمعيات الإباحية وغيرها بما حفظ المجتمع الكويتي من خطر الانفتاح على هذه الأدوات الهدامة للمجتمع، وسيحفظ المجتمع الكويتي لجمعية الإصلاح الاجتماعي موقفها التاريخي في مسألة محاربة قوانين إباحة الخمور والمخدرات.
الرسالة الخالدة والشريعة الغراء: إن الدور البارز لهذه الجمعية المباركة المطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية الغراء في كل مناحي الحياة، والمطالبة بتعديل المادة الثانية من الدستور الكويتي، هذا التعديل الذي يصدر الشريعة الإسلامية كمصدر للتشريعات وحيداً لا شريك معه.. كما أن لرجالها دوراً في تأسيس وتطبيق النموذج الاقتصادي الإسلامي المتمثل في البنوك الإسلامية وشركات التأمين وغيرها.
الفكر الوسطي الرشيد: إن وراء هذه الأدوار الاجتماعية والعمل الخيري والعمل الإسلامي والوطني الرشيد فكراً إسلامياً وسطياً آمن به مؤسسو الجمعية ورجالها وشبابها وفتياتها، يقوم على الوسطية والاتزان والشمول والواقعية، يجمع ولا يفرق، يشحذ الهمم للعمل، يستقرأ التاريخ لمصلحة الحاضر، ويدفع إلى عمل الخير ونشره، ويقوم هذا الفكر على تأسيس صحة العقيدة وعمليتها الواقعية، ويستند إلى كتاب الله وسُنة رسوله، وينحى إلى حفظ الدين والبعد عن الخرافات والبدع، ويثبت الهوية الإسلامية، ولا تستفزه تطرف الأفكار المتشددة، عند كل المدارس العلمانية أو اليسارية أو حتى الإسلامية المتطرفة.
إن هذه الجمعية قامت تحدوها روح الأخوة الإسلامية، فألقت بظلالها على طبيعة حركتها في المجتمع الكويتي، وسطرت بعملها الإقليمي والعالمي مدرسة الأنصار لإخوانها المسلمين في العالم العربي والإسلامي نظرة ودعماً وألماً وأملاً.
لذا فإن جمعية الإصلاح الاجتماعي اليوم تمثل مدرسة تربوية اجتماعية رائدة في عالم الإيمان والعمل الإسلامي والوطني.