كانت الشعوب ومازالت تبصر بعين الحكمة مآلات الأمور، وتنظر بقلب متألم محزون، وتنير بصيرتها بوعي الصادق المؤتمن، من أن يعيد عزتها وكرامتها واستقلالها
تعصف بمنطقتنا العربية أحداث ومتغيرات في بداية العقد الأول من هذا القرن (الحادي والعشرين الميلادي)، وهو استمرار لعهود وعقود الاستبداد والتبعية والتقسيم والسيطرة التي زامنت القرن المنصرف (القرن العشرين)، تعاقبت فيها نظم، وتناوبت على حكم الشعوب فيها طبقات متفاوتة سياسية وعسكرية وعائلية إلا أنها ظلت في «إسار» التبعية والجمود والخضوع،
ومع كل هبة تغيير أو روح طامحة للنهوض يستدرك ساسة المنطقة وحكامها الأمور، ويستوثقون أزمَّتها، ويربطون أعناقها بقيد التبعية والانقياد والضغط على الشعوب لإدخالها في صندوق التحكم والسيطرة، اعتقاداً منهم بأن المصلحة الكبرى تقتضي ذلك.
وهكذا عقود مضت وأجيال توالت وأوضاع نشأت ودول اختفت ودول ولدت من رحم التفتت والانصياع للمستبد الداخلي والخارجي، كانت الشعوب ومازالت تبصر بعين الحكمة مآلات الأمور، وتنظر بقلب متألم محزون، وتنير بصيرتها بوعي الصادق المؤتمن، من أن يعيد عزتها وكرامتها واستقلالها.
مبادئ وأمور واضحة وبديهية لا تحتاج لكثير من التحليل والدراسات والجهود المنفقة للمال والطاقة، فهي تدرك بفطرتها البشرية وواقعيتها الطبيعية أن حالة الحكم والسلطان والعزة والمنعة والنهضة لا تستمر بصلابة ولا تتمكن في الواقع إلا باتخاذ خطوات واضحة وجلية.. الوحدة في الكيان.. والقوة في الأوطان.. والالتزام بالعروبة والإسلام.
أما الوحدة في الكيان فهي وحدة السلطة بالشعب، ووحدة كيانات الشعب في إطار الوطن، ووحدة الأمة وترابطها في بُعدها المكاني والجغرافي والإستراتيجي، والعجب كل العجب أن تدرس الوحدة في الكتب وتنسف في الواقع السياسي والاجتماعي بالمدافع الإعلامية والصواريخ السياسية، فكم من ساسة وسلاطين برروا الفتنة في مجتمعهم؛ اعتقاداً بأن ذلك استمرار سلطانهم ومكانتهم السياسية، ففرقوا المجتمع، وكم من دولة أضرمت حرباً أو أحدثت فتنة أو أعانت مستبداً فشرخت وحدة الأمة ودمرت تواصلها وفتتت وحدتها الإستراتيجية.
هكذا القوة في الأوطان.. فلا نهضة بدون قوة، ولا قوة بغير علم، ولا علم بدون مال وجهد، فأي أمة لا تعلو على غيرها من الأمم إلا بالعلم والقوة المتمكنة؛ لذا فإن التخلف ضارب أطنابه بحسب ما يمارسه السلطان والساسة من تقديم مقومات الجهل وصيانة أركانه وحماية أذرعه، فعلت الجهالة على العلم، وكان من نتيجة ذلك ضعفنا، وتمكّن «الخارجي» بمشروعه وسيادة أمره وتبعية الأوطان له، فلا قوة إلا به ولا حول إلا بسلاحه، فاستعذب الساسة والسلطان الخضوع والخشوع في محرابه.
وأما الالتزام بالعروبة والإسلام، فإن العروبة ما عادت عروبة وإنما ثقافة القوي المستبد بالقانون الدولي، والتزام بإسلامٍ لا بدين العولمة المتزين بقداسة المصالح الغربية المتصهينة، وكانت ومازالت تلك النتائج الكارثية على الأمة العربية والإسلامية وتشتتها وفقدان قوتهاوتفتت كيانها وعلو الاستبداد وتوحش التبعية، فأصبحت المنطقة مسرح الحروب ومخزن اللاجئين ومستقر الموت والجهل والفقر.
وفي ضوء المشروع الصهيوني الغربي وعلو المشروع الإيراني، على الساسة والحكام أن يلتزموا بساطة الوعي الشعبي والتي توصلت لها الشعوب منذ زمن على أن أساس نهضة هذه المنطقة يكون بوحدة وتنمية قوتها والتزامها بعروبتها وإسلامها.
إن ما يفرط به الساسة والحكام بسبب تقدير خاطئ وخاص للمصالح، أو تهرباً من المسؤولية أو انحيازاً للمصلحة الخاصة لتثبت ما يتوهمونه من سلطان أو مغانم سياسية مؤقتة ستكون نتائجه كارثية تحتاج الأجيال إلى قرن من الزمان لاستدراك آثاره.
كل ما عليهم أن يتحملوا آلام ومرارة الاستماع لنصيحة العجائز من الأمهات والآباء في أن قوتكم وثباتكم وسيادتكم وخروجكم من الضعف والتبعية والاستبداد هو بالوحدة والقوة والدين.