لا يُحزن “محمد” المقاتل في الجيش الحر بالأحياء الخارجة عن سيطرة النظام بمدينة دير الزور شرقي سوريا، أنه لن يقيم حفل زفاف في ليلة عرسه قريباً يضم أهله ومحبيه، بسبب الظروف الأمنية والمادية الصعبة التي تمر بها المدينة والحصار المفروض عليها منذ عامين من
لا يُحزن “محمد” المقاتل في الجيش الحر بالأحياء الخارجة عن سيطرة النظام بمدينة دير الزور شرقي سوريا، أنه لن يقيم حفل زفاف في ليلة عرسه قريباً يضم أهله ومحبيه، بسبب الظروف الأمنية والمادية الصعبة التي تمر بها المدينة والحصار المفروض عليها منذ عامين من قبل قوات النظام.
لكن محمد حزين لأنه لن يتسنى له اتباع عادة المرور مع عروسه في تلك الليلة على الجسور السبعة المقامة على نهر الفرات الذي يمر بالمدينة ويشطرها إلى نصفين، بعد تدمير معظم تلك الجسور وتضرر بعضها الآخر بشكل كبير.
وفي تصريحه لوكالة “الأناضول”، قال محمد (26 عاماً) إن الوضع المادي والنفسي لديه ولدى أهالي المدينة عموماً لا يسمح بأن يقيم حفل زفاف أو حتى أن يتزوج خاصة مع “استشهاد” عدداً من أقربائه في قصف شنّه الطيران الحربي التابع للنظام على منزلهم بأحد أحياء المدينة قبل أيام، إلا أنه سيتزوج كون الزواج “سنّة الحياة وإكمال لنصف الدين”، حسب قوله.
وأشار إلى أنه كان سابقاً يحلم بأن تكون ليلة زفافه “استثنائية” يجتمع فيها أهله وأقاربه وجيرانه ليشاركوه الفرح، إلا أن معظم هؤلاء نزحوا وبعضهم قتلوا بسبب المعارك والقصف المستمرين من قبل قوات النظام على المدينة منذ عامين، كما أنه كان يحلم أيضاً بأن يمر موكب الزفّة على جميع جسور المدينة وهو التقليد الذي يقوم به سكان المدينة في ليلة الزفاف إلا أن أياً من أحلامه لن يتحقق.
وأضاف بالقول “لم يعد هنالك جسور كي نمر عليها، فجميعها دمرت أو أصبحت غير صالحة”.
ويوجد في مدينة دير الزور 5 جسور رئيسية مقامة على نهر الفرات بعضها تاريخي مثل “الجسر المعلق” الذي أنشأه الفرنسيون في عشرينيات القرن الماضي، واثنان صغيران أقل شهرة وحجماً من الأولى، وجميع تلك الجسور دمرت أو أصيبت بأضرار كبيرة نتيجة قصف قوات النظام.
ويعد تقليد المرور على الجسور أحد أهم طقوس الزفاف في عدد من المدن العربية ومنها دير الزور، حيث يقوم العريسان والمشاركين في ليلة الزفاف بالعبور بموكب من السيارات فوقها أو مشياً، وذلك كنوع من العادات والتقاليد، اعتقادا منهم أن هذه العادة تطرد الحسد عن العريسين وتقيم علاقة حب بينهما طول العمر بمباركة نهر الفرات.
أبو سراج أحد المقاتلين الذين حملوا السلاح منذ بداية المظاهرات السلمية التي خرجت ضد النظام السوري في دير الزور لحمايتها من هجمات قوات الأمن، وتابع بهذا المجال عقب “عسكرة” الثورة بعد اندلاعها بعدة أشهر ليصبح قائداً لأحد الألوية العسكرية المقاتلة لقوات النظام في المدينة، جلس يتأمل بحزن صورة له تجمعه بعدد من أصدقائه التقطت لهم قبل عدة سنوات أي قبل اندلاع الثورة في البلاد مارس/آذار 2011، على “الجسر المعلق” أشهر معالم المدينة والذي دمره بشكل كامل قصف متكرر من قبل قوات النظام قبل نحو عام ونصف العام.
وفي تصريحه لوكالة “الأناضول”، قال أبو سراج (34 عاماً) إنه حزين لفقدان عدد من زملائه الذين كانوا معه في الصورة بين “شهيد” ونازح ولاجئ، وهو شعوره أيضاً تجاه نحو 5 آلاف شخص قتلوا في المدينة منذ بداية الثورة، بالتوازي مع حزنه على المدينة التي دمر أكثر من نصفها بالقصف خلال سنوات الصراع، إلا أن حزنه على دمار المدينة “لا يوازي حزنه على الجسر المعلق”، على حد قوله.
وأوضح بالقول “كل ما دمر من مبان وبنى تحتية يمكن تعويضه وبناؤه من جديد، ولكن خسارة الجسر المعلق التاريخي أحد رموز المدينة هو الذي لا يمكن أن يعوض، حيث أدى دماره إلى أثر عميق في نفوس جميع سكان المدينة ومحبّيها ومن قام بزيارتها أو المرور على هذا الجسر ولو لمرة واحدة”.
وأشار إلى أن سكان المدينة عندما سقط الجسر المعلق أطلقوا وقتها حملات على مواقع التواصل الاجتماعي عبروا فيها عن حزنهم وسخطهم من هذا الفعل، لافتاً إلى أن هذه الحملات مفادها أنه “ليس على الأكبال المعدنية كان الجسر التاريخي معلقاً منذ نحو 100 عام وإنما هو معلق بنياط قلوبهم أيضاً”.
ويرجع بناء الجسر المعلق بدير الزور إلى عشرينيات القرن الماضي، حيث أنشأه الفرنسيون في فترة احتلالهم لسوريا، ويبلغ طوله 450 متراً وعرضه ثلاثة أمتار، ويستند على ركائز وقواعد حجرية ترتفع فوقها أربعة أبراج، ويقوم على الكابلات المعدنية التي تربط أجزاءه وتعلقها بالأبراج، ويعتبر ثاني جسر في العالم مبني بهذا الطراز بعد جسر مماثل في جنوب فرنسا وطبعاً هذا كله قبل أن تطاله قذائف قوات النظام وتهدمه.
من جهته قال الباحث التاريخي، محمد الفراتي، إن نهر الفرات يمر لمسافة تتجاوز 130 كلم في محافظة دير الزور اعتباراً من ناحية التبني غربها، مروراً بمعظم المدن والبلدات القائمة على جانبيه في المحافظة وصولاً إلى مدينة البوكمال شرقي المحافظة التي يودع بها الأراضي السورية ليدخل العراق، مشيراً إلى أن عدداً من الجسور أقيمت على طول هذا النهر في عدد من المناطق للربط بين ضفتيه، أشهرها يقع في مدينة دير الزور مركز المحافظة.
وأوضح أن أشهر الجسور في المحافظة هو الجسر المعلق ومعظم أهالي محافظة دير الزور وحتى السوريين أو الأجانب ممن زاروا المحافظة يحملون ذكريات جميلة بمشاهدته أو المرور عليه أو التصور فوقه، كونه الجسر المعلق الوحيد في سوريا ومبني على الطراز الأوروبي، وتحيط به بيئة طبيعية فريدة تضم نهر الفرات والأشجار والجزر النهرية.
ولفت إلى أنه يوجد في دير الزور عدا الجسر المعلق 6 جسور أخرى، أكبرها جسر “السياسية” الذي سمي بهذا الاسم كون فرع الأمن السياسي بدير الزور كان مطلاً عليه، وتم تغيير اسمه إلى جسر الشهيد “اسماعيل علوش” بعد سيطرة الجيش الحر وكتائب إسلامية على المنطقة الواقع فيها قبل أشهر.