محمد الطائي
قد يرى البعض مثل هذا السؤال ساذجاً، وربما يرى آخرون في الإجابة عنه حشواً لكتابة موضوع، ولكن خروج إيران في حربها الأخيرة في العراق عن كذبها (المعتاد) في عدم تدخلها بالشأن العراقي، وإعلان تواجدها في العراق بشكل صريح ومُعلن – بل ومقصود! – من خلال السماح لوسائل الإعلام بتغطية تواجد “قاسم سليماني”، قائد فيلق القدس، ومستشاريه الذين يقودون مليشيات الحشد الشعبي في جبهات القتال، ونشر هذه الصور عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي بشكل واسع.
وما تلاه من تصريحات أمراء الحرب من قادة المليشيات الشيعية – بل وسائر السياسيين الشيعة من رئيس الوزراء حتى سيل الخفراء – بأن الفضل في دحر “داعش” في العراق يعود لإيران، ومن أنه لولا إيران لدخلت “داعش” بغداد والمحافظات الجنوبية وعبثت بالمراقد الدينية فيها، وهذا ما يجعلنا نعيد التفكير في سبب هروب الجيش العراقي بعدته وعتاده أمام “داعش” وهي تدخل الموصل بالعشرات من المقاتلين، فهروب الجيش وانكساره كان هدفاً إيرانياً بحتاً نفذه لهم المالكي، متوجاً به ما قدمه لإيران طوال فترة حكمه.
وكان غايته دخول إيران بعد عبث “داعش” بالمحافظات السُّنية وتهديدها للمحافظات الشيعية؛ ليكون لها الفضل في القضاء على “داعش” ووقوفها إلى جانبه، بوجود جيش مكسور وغياب عربي مشهود، ومثل هذا الفضل يجب أن ترده لهم حكومة العبادي لاحقاً وبأضعاف مضاعفة، فتلك أوامر المرشد الذي يصارع الموت اليوم، وغاية ما يتمنى أن يرى تحقق حلمه – الذي عجز عنه “الخميني” – بضم العراق لإمبراطورية إيران الجديدة قبل أن يوارى الثرى.
هذا من جهة، ثم ما تبعه من تصريحات “علي يونسي”، مستشار الرئيس الإيراني “حسن روحاني”، والتي جعل فيها من بغداد عاصمة للإمبراطورية الإيرانية بدل طهران، من جهة أخرى، هذان الأمران جعلا من الحديد العراقي ساخناً، بل منصهراً، مُهيئاً للضربة الإيرانية الفارسية القاضية، التي من أجلها قاتلت إيران “داعش” في العراق، وقدمت الخسائر البشرية نوعاً وكماً، وما عهدنا طهران تتباهى بتوابيت قتلاها، بل كانت ومنذ احتلال العراق تقاتل بعصابات مليشياتها العراقية.
ثم جاءت الضربة القاضية التي – ومع الأسف – ما زال الكثير عنها غافلين لا يُقدرون خطرها، والتي جاءت عبر نصيحة روسية خبيثة إلى طهران بأن تحذو حذوها وتكرر صنيعتها، وتضم العراق لها سريعاً ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً، ومن خلال استفتاء مزور ومرتب، كما فعلت هي مع شبه جزيرة القرم، وكانت أول بوادر هذا التوجه الذي يفضح سبب تنازل إيران للقتال برجالها هذه المرة، وإشرافها وتنفيذها لصفحة التغيير الديمجرافي للمحافظات السُّنية، هو ما كتبه رئيس تحرير وكالة “مهر” “حسن هاني زادة” بعنوان “الوحدة بين إيران والعراق لا بد منها”، حين أعلن وبصراحة مسمومة أنه لا خيارات أمام العراق لكي يستقر إلا من خلال التوحد والاندماج مع إيران!
هذا هو سبب قتال إيران في العراق هذه المرة بقياداتها العليا وبشكل ميداني وبخسائر ليست قليلة، فمع مصلحية الدور الأمريكي – الذي لا يخدع السُّنة العرب في العراق فحسب، بل وسائر السُّنة في الخليج والعالم العربي لو كانوا يعلمون! – ومع غياب الدور العربي الذي ما عهدنا جنرالاته يلبسون الملابس العسكرية وينتصرون لوجودهم – ولا أقول: لعقيدتهم أو عروبتهم – في معركة مصير الأمة وسلامة عقيدتها وحفظ وجودها، كما فعل “قاسم سليماني” عندما ظهر ولمرات عدة بملابسه التي تعانق التراب وهو يحتضن أفراد مليشيات “الحشد الشعبي” ليشد من أزرهم وليرفع من عزائمهم.
من هنا، كان جس النبض الحقيقي للخطوة الإيرانية القادمة بضم العراق إلى إيران، وهذا ما أكدته وكالة “مهر” الإيرانية ورئيسها “زادة”، الذي كان رأس الرمح في هذه المهمة الشيطانية، عندما طلب من العراقيين الخروج من العروبة الزائفة، والاتجاه إلى الدين الحقيقي حيث إيران! فهل من فارس يعيد للحديد صلابته، ويطفئ نار صهره، وما ذلك على الله بعزيز.