مشكلات الأقليات المسلمة في أوروبا تكاد تكون متشابهة، لكن الفارق بينها يكمن في تعاون المنظمات والمؤسسات الإسلامية والعربية مع بعضها وإهمال البعض الآخر، وتوجه نشاطاتها في دول دون أخرى، نظراً لحجم الأقلية وكبر الدولة..
وهذا ما يحدث في فنلندا حيث تعاني الأقلية المسلمة فيها من غياب الدور الفاعل للمؤسسات الإسلامية العالمية، ودعمها للعمل الإسلامي ومن ثم لا نجد مراكز إسلامية بالصورة المرجوة، أو محاضن توعوية تحتضن الشباب وتوجه المهتدين الجدد للإسلام الصحيح، وتحافظ على الهوية المسلمة.
وحول التعرف على مشكلات الأقلية المسلمة بفنلندا وطبيعة العمل الإسلامي بها، كان لنا هذا الحوار مع بلال الساهلي المتحدث الرسمي باسم «منتدى الشباب المسلم» بفنلندا لدى زيارته لمقر الندوة العالمية للشباب الإسلامي بجدة.
* بداية حدثنا عن منتدى الشباب المسلم؛ الفكرة والأهداف والتأسيس؟
– «منتدى الشباب المسلم» هو عبارة عن منظمة متخصصة في العمل الشبابي الموجه للشباب المسلم في فنلندا، وتأسس منذ أكثر من 9 سنوات بفنلندا، ويهدف إلى تسليط الضوء على العمل الشبابي، وإدراج الشباب في العمل الدعوي المتمثل في المخيمات والمؤتمرات وغيرها، لكن تحت إشراف جيل شبابي متأصل بهذا البلد، ومشارك في الحياة العامة.
* تعزمون على إنشاء مجلة تحت مسمى «أنا مسلم» فما موضوعها؟ وما الهدف منها؟
– مجلة «أنا مسلم» هي مولود إعلامي طال انتظاره بسبب التكلفة المادية، وهي مجلة متخصصة تسلط الضوء على المتميزين من المسلمين في فنلندا، وتعرض نمط حياتهم كمسلمين جدد، وتبرز الرموز الشبابية التي تنتهج الفكر الوسطي، خاصةً وأن هناك كثيراً من الفنلنديين المشهورين الذين اعتنقوا الإسلام، وأصبح لهم صوت في الأوساط الشبابية في التعريف بالإسلام، وهو نوع من المشاريع الدعوية المؤثرة.
* ألاحظ تركيزكم على المجال الإعلامي، فما السبب في ذلك؟ وما النتيجة التي تعود عليكم من خلاله؟
– الإعلام الإسلامي منعدم على مستوى أوروبا بسبب نقص الكفاءات والتكلفة الباهظة، ومن ثم نوليه اهتماماً كبيراً ونحاول التركيز عليه، ولدينا خبرة جيدة تؤهلنا لاقتحام هذا المجال، كي نستطيع من خلاله إيصال الصورة الحقيقية للإسلام من منبعها وأصلها، دون اللجوء إلى الإعلام الغربي الذي لا يُعبر بدقة عن حقيقة الإسلام إن لم يكن يشوه حقيقته، وهذا الميدان لا شك خطوة جديدة في تطوير أدوات الدعوة في أوروبا، حتى تتماشى مع الوضع العالمي الذي يحتل الإعلام فيه المراتب الأولى.
* أشرت أن فنلندا تشهد نقلة نوعية في مجال التعريف بالإسلام كيف ذلك؟
– أصبح الإسلام في فنلندا يُعرف بشكل أكبر خلال السنوات الأخيرة، برغم قلة عدد المسلمين الذين يبلغون60 ألفاً فقط، وهناك إقبال لافت من الفنلنديين على الإسلام، خاصةً في أوساط الشباب، وتقدر الإحصاءات أن حوالي 2000 شخص يدخلون الإسلام كل 4 أو 5 سنوات، ويرجع هذا إلى العامل الثقافي بفنلندا، التي تعتبر الأولى عالمياً في تعزيز دور الحوار الثقافي خاصةً الديني، حيث تطرح مسألة الإسلام كظاهرة تثير الكثيرين ممن لديهم شغف بالبحث عن خلفيات الأشياء، وماهيتها.. ومؤخراً تم إثارة جدل حول قانون إدراج اسم «محمد» في «الروزنامة» السنوية الفنلندية، لأنه انتشر وصار ظاهرة لدى الفنلنديين المسلمين، وهو ما أثار ردود أفعال إيجابية وسلبية في آنٍ واحد.. كما ازدادت أعداد الجمعيات الإسلامية في السنتين الأخيرتين، وكثر عقد المؤتمرات الإسلامية، وزيارة بعض الهيئات الإسلامية العالمية المهتمة بالعمل الإسلامي، واعتماد المواد الإسلامية في المدارس والجامعات الفنلندية كمواد أساسية للمسلمين خصوصاً وللفنلنديين عموماً.. وهناك تجارب فنلندية في مجال البرامج التلفزيونية من أشهرها برنامج لمدة 30 حلقة، يوضح فيه نمط حياة المسلمين وكيف يتقبلها المجتمع الفنلندي، وهذا ساهم بشكل كبير في تسليط الضوء على ظاهرة الإسلام والدعوة إليه.
وموخراً قام رئيس الدولة، بزيارة عدد من المراكز الإسلامية، والذي وفر هذا الانفتاح، أن فنلندا تدعم العمل الثقافي بشكل كبير، والإسلام يندرج تحت هذا الجانب، وهو ما ساهم في ظهور العمل الإسلامي الثقافي.
* حدثني عن الإسلاموفوبيا في فنلندا؟
– ظاهرة الإسلاموفوبيا في فنلندا تختلف كثيراً عن غيرها من دول أوروبا من ناحية أنها ترتكز على استفهامات تطرح من خلال مقالات أو حوارات تلفزيونية هدفها تحريك الرأي العام الفنلندي، وهو ما يتطلب تحرك أي جهة إسلامية لكي تقوم بالرد أو بالدفاع، ومن خلال رد الفعل والجواب يكون الحكم على الإسلام.. ولكن وضع البلاد ديمقراطي، ولا تتوغل الإسلاموفوبيا بها كما هو الحال في مختلف دول أوروبا، فاليوم يتم إدراج الجهات الإسلامية بمختلف طوائفها وتعدد مناهجها، وإشراكها في مستقبل فنلندا، والشعب الفنلندي عموماً شعب مثقف لا يحكم على الأشياء من خلال الشائعات والحملات الإعلامية، وإنما ينظر إليك مباشرة ويأخذ منك، ويحاول التعرف عليك واقعياً، وهناك قطاعات يستهويها البحث فتتعرف عليك بطريق القراءة والمطالعة، ولدينا عدد من الكتاب الفنلنديين الذين تعمقوا في فهم الإسلام ودراسته والكتابة عنه، وبعضهم يكتب بسطحية، إلا أنه لا يشوه صورة الإسلام بالكيفية التي توجد في دول أوروبا.. والجدير بالذكر أن ظاهرة الإسلاموفوبيا في فنلندا، تُثير الجمعيات والجهات الإسلامية لتطوير أدواتها الدعوية والتعاون المشترك على خلق صورة إيجابية للمسلمين، فهي عملية سلبية لكنها تخلق صورة إيجابية.
* حدثني عن طبيعة وسمات الشعب الفنلندي وأهم ما يميزه؟
– فنلندا بلد تكثر فيه الموارد المائية والطبيعية، وفي الآونة الأخيرة أصبحت عاصمة التكنولوجيا والاتصالات، وتحصلت على جائزة العالم في التصميم والصناعات الكبرى، كصناعة السفن العملاقة، وهم يعشقون القراءة والعمل، وتولي فنلندا أهمية كبيرة لمستوى التعليم، فهي في المرتبة الأولى بلا منازع حيث تبلغ ميزانية التعليم 17 مليار دولار تقريباً.. وفي المقابل نجد أن شعب فنلندا ليس بالاجتماعي قدر المستطاع، بحكم طبيعة طقسه الجليدي، الذي يعكس برودة المشاعر في بعض الأحيان، ولا يولي اهتماماًً جدياًًً للجوانب الاجتماعية.
* ما أبرز المشكلات التي تُواجه الأقلية المسلمة في فنلندا؟
– أهم المشكلات التي تواجهنا في فنلندا هي صعوبة وجود مراجع وكتب إسلامية باللغة الفنلندية، فهي تكاد تكون معدومة، بحيث تكون متوافرة للباحثين والراغبين في معرفة الإسلام، كما لا توجد جهة تُعنى بدعم الأقلية المسلمة، وتوفر لها المادة الثقافية التي تعرف بالإسلام وقيمه باللغة الفنلندية، كما تُعاني الأقلية من قلة الحراك الدعوي الدولي في فنلندا، حيث نجد الجهات الدعوية العالمية العربية والإسلامية، تركز على دول كبيرة، كفرنسا وأمريكا وإنجلترا وغيرها، ولا يُولون أهمية لهذا البلد بحكم عدم درايتهم به، ولا معرفتهم باحتياجات الأقلية المسلمة فيه وما يواجهونه من نقص شديد.. والإسلام له قبول في فنلندا، ويكاد يكون ديناً رسمياً معترفاً به.. لكن هناك شوطاً كبيراً، إذ لابد من تكثيف الجهود، ودعم العمل الدعوي من قبل المؤسسات الإسلامية.
* ما أبرز مشكلات الشباب المسلم في فنلندا؟
– من أبرز مشكلات الشباب المسلم في فنلندا، عدم وجود محاضن وجهات تُعنى باستيعابه وتأهيله، وهو ما يجعله عُرضة لتأثر هويته الإسلامية، كما نجد مشكلة أخرى يُعاني منها الشباب وهي الزواج من غير المسلمات، وهذا الأمر يسبب لهم بعض المشكلات نظراً لاختلاف بعض القيم، وقد يكون له انعكاس إيجابي في بعض الحالات، فأغلب من يتزوجن من المسلمين يدخلن الإسلام، وتكون ثمرة الزواج جيدة.
* هل يحرص الشباب المسلم على التعليم أم يهملونه؟
– أشرت إلى أن التعليم يحتل المرتبة الأولى في فنلندا، والبطالة تكاد تكون منعدمة بسبب اعتماد نظام تعليمي يتلاءم مع حاجيات البلد، وعلى قدر مستواك التعليمي وشهادتك، يتم تحديد مستواك في الحياة والاقتصاد، وهو ما جعل الشباب يتنافس في تحصيل العلم، حتى يحقق مستوىً اقتصادياًً جيداً، وهناك العديد من الشباب العرب المتميزين في العديد من المجالات، الأمر الذي يعكس حرصهم على التعلم والتفوق.