يبحث الفلسطينيون في قطاع غزة عن منفذ يخفف عنهم الحصار الخانق، الذي يعيشونه منذ عشر سنوات.
هذا الحصار يعني إغلاق جميع المعابر التي تصل مع فلسطين المحتلة، وتسيطر عليها سلطات الاحتلال “الإسرائيلي”، ما عدا معبر “كرم أبو سالم” المخصص للبضائع، ويعني إغلاق معبر رفح الشريان الحيوي مع مصر، بعدما دمّر مطار غزة، وجرى تجميد بناء ميناء بحري.
بعد العدوان “الإسرائيلي” الأخير على قطاع غزة عام 2014م، وضع الفلسطينيون قضية بناء ميناء على جدول أعمال المفاوضات غير المباشرة مع الاحتلال، لكن الطرف المصري رفض التعامل مع هذا المطلب الحيوي المهم جداً في تخفيف الحصار الاقتصادي والإنساني على القطاع.
في الأشهر الأخيرة، عادت قصة الميناء البحري لتحتل الصدارة، بعد استئناف الحوارات التركية “الإسرائيلية”، وبعد صدور مواقف دولية مشجعة لكسر الحصار، وبعد بروز قبول أطراف “إسرائيلية” بها.
في هذا السيناريو، طرحت فكرة إنشاء ميناء بحري مقابل قطاع غزة، تشرف عليه جهات دولية و”إسرائيلية”، تقوم بتفتيش البضائع ومن ثم نقلها بحراً لميناء غزة الموجود حالياً.
ثم طرحت فكرة إنشاء ميناء خاص في قبرص بإشراف دولي و”إسرائيلي” يعمل بنفس أسلوب الفكرة السابقة، وقطعت هذه الأفكار شوطاً جيداً في الحوارات الأولية.
لكن هذه الفكرة عادت للتراجع للأسباب التالية:
1- بروز دور مصري معطّل لفكرة إنشاء ميناء بحري، عبر تفاهم تركي “إسرائيلي”، أو عبر تفاهم فلسطيني “إسرائيلي”؛ لأن هذا لو حصل سيفقد معبر رفح دوره، وسيخفف الحصار عن قطاع غزة، وسيعطي “حماس” قدرة أوسع على الحركة، ويخفف عنها الضغوط الشعبية والاقتصادية، وسيحرج سلطة محمود عباس، وسيفقدها أوراقاً سياسية وشعبية مهمة، وسيمنح تركيا دوراً أكبر في المنطقة، وسيحرج نظام السيسي ويفقد مصر دوراً أساسياً في التعامل مع الوضع الفلسطيني.
2- هناك أصوات “إسرائيلية” رافضة لفكرة إنشاء ميناء بحري، لأن هذا الميناء سيخفف الضغط على قطاع غزة، ويمنح “حماس” قدرات أفضل، ويضعف مكانة سلطة محمود عباس ويسبب إزعاجاً للسلطات المصرية.
لذلك كان منسّق شؤون قوات الاحتلال الصهيوني في الضفة الغربية الجنرال يوآف مردخاي واضحاً حين قال: إنه ليس هنا أي مفاوضات مع أي جهة حول إنشاء ميناء في قطاع غزة.
وعارض هذه الفكرة أيضاً وزير الدفاع الصهيوني موشيه يعلون ورئيس جهاز “الشاباك” آفي دختر، على رغم وجود أصوات داخل الكيان الصهيوني تؤيد الفكرة؛ لأنها تخفف من التوتر مع غزة، ويمكن أن تكون نقطة دفع لاتفاق هدنة طويل الأمد.
لكن الموقف المصري المعارض بشدة لهذه الفكرة هو أكبر وأهم عنصر يساهم في عدم طرحها جدياً، حتى من باب المفاوضات والاحتمالات، لأن السيسي يربط كل شيء في قطاع غزة بسيطرة كاملة للأجهزة الأمنية التابعة لمحمود عباس.