الموهوبون فئة خاصة تستحق منا الرعاية الكبيرة، وحرمان هذه الفئة من المجتمع حقوقها يعد ظلماً ليس للموهوبين فحسب وإنما لحاضر الأمة ومستقبلها، ورعاية المواهب واجب الأمة، فقد زود الله تعالى الإنسان بقدرات ومواهب فطرية متنوعة في المجالات المتعددة سواء كانت هذه المواهب عقلية أو حركية أو وجدانية التي تظهر في مجملها عفوية، فتتدخل العوامل التربوية والإصلاحية لتطويرها لتشكل فيما بعد إسهاماً إيجابياً يعود نفعه على الفرد والمجتمع على سواء.
وإني أحببت – في مقالي – أن أسلط الضوء كيف وظف الرسول صلى الله عليه وسلم هذه المواهب في إدارة المواهب في تكوين الدعوة الفعالة.
ضرورة استثمار الموهبة
إن حاجة الأمة لاكتشاف أصحاب المواهب تعد ضرورة غاية في الأهمية، وإن الأمم تتقدم بأمثال هؤلاء حين يتم توظيفهم في المجال الذي تعد الحاجة إليه أكثر؛ لأن الموهوب ثروة لا تشترى بالمال، وخصوصاً نحن نعيش في زمن لا مكان فيه للضعفاء؛ لأن الضعيف مكانه مزبلة التاريخ، وإذا كانت مراصد الأبحاث والمؤسسات توظف هذه الفئة في التطوير، فإن حاجة الدعوة لها أكثر وأنفع؛ لذا وجب على مراكز التدريب والإشراف التربوي إعطاء هذه الشريحة مكانها من الرعاية والاهتمام، وأحسب أن أصحاب هذه المواهب هم فئة الطفولة والشباب بالتخصيص.
الرسول القائد يوظف المواهب
إننا حين نمعن في الوقوف في السيرة العطرة سيرة أفضل الخلق محمد صلى الله عليه وسلم، نلحظ كيف أولى العناية البالغة في اكتشاف المواهب وتوظيفها في المجال الذي تميز فيه صاحب الموهبة، فكان بذلك أروع من استثمر الموارد البشرية أحسن توظيف، فالرسول صلى الله عليه وسلم يسن لنا أن نقتدي بفعله، فنستثمر الطاقات المعطلة للأمة، وهي كثيرة، تنتظر من يكتشفها في المخزون الهائل للموارد البشرية للأمة، وندلل على ذلك بأمثلة؛ فأبو بكر وعمر رضي الله عنهما من أخلص الناس فكانا مستشارين للنبي، وكان مصعب سفيراً لتبليغ الدعوة، وجعفر بن أبي طالب مفاوضاً، وخصَّ خالد بن الوليد لقيادة الجيوش، وأم عمارة للتمريض، وحسان بن ثابت للرد على الأعداء باللسان، ويوظف في المهمات الحرجة والدقيقة نعيم بن مسعود وهو حديث عهد بالإسلام، والأمثلة كثيرة لا يوسعنا ذكرها في هذا السياق فيكون على أيديهم النجاحات المبهرة.
حاجة الدعوة لاستثمار المواهب
واليوم تعد الحاجة ملحة لأن يُولِي الدعاة الأهمية لرعاية المواهب واستغلالها استغلالاً أمثل، وإن متطلبات المرحلة في هذا الزمن حيث يتعرض الإسلام لأشرس حملة مبرمجة لتشويه القيم العليا السامية، فإن ذلك يحتم على الجميع تضافر الجهود لإيصال الإسلام للإنسانية في الصورة النظيفة، كما جاء به صاحب الرسالة الخاتمة إسلاماً وسطياً معتدلاً لا غلو فيه، إسلاماً يحفظ الثوابت ويصون العرض، إسلاماً يقدر الحرية بمعناها الواسع، إسلاماً يحفظ كرامة النفس المصانة بالنصوص القطعية، إسلاماً يغرس الفضيلة ويدعو للطهارة، إسلاماً يثمن العمل ويصنع النهضة، وأن أولى من يبلع ويرعى هذه الواجبات الموهوبون والمتميزون، فهم العملة النادرة.