الدعوة إلى الله عز وجل ضرورة شرعية، وحاجة بشرية، لتخلص الناس من الفساد الذى ظهر فى البر والبحر وفى كل مكان، ولقد أمرنا الله سبحانه وتعالى بذلك فقال: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون} [آل عمران: 104]، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان” (رواه مسلم).
الحاجة إلى الدعوة الجماعية فى سبيل الله
وفى الوقت المعاصر أصبح لأعداء الإسلام هيئات ومنظمات وجماعات تبشيرية ولا يمكن التصدى لها والذود عن الإسلام فرادى، ولكن لا بد أن يكون ذلك فى جماعات وهذا يرقى إلى مستوى الواجب، فما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فنقل دعوة الله إلى الناس جميعاً وإزالة العقبات فى هذا السبيل واجب فى صورة جماعية، ومن هنا نشأت العديد من الجماعات ليكون ذلك غرضها الأول ومنها على سبيل المثال: جماعة الإخوان المسلمين، الجمعية الشرعية للعاملين بالكتاب والسنة، وجمعية أنصار سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، والجمعية السلفية، وجمعية الدعوة والتبليغ، وجمعية الإصلاح، وجمعية كبار علماء الأزهر، والهيئة الإسلامية العالمية للإغاثة والدعوة وغيرها. ومن مقاصد هذه الجمعيات الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة وإن اختلفت الطرق والسبل ولكن يجب أن تكون مشروعة، ويجب أن يتعاونوا فيما اتفقوا عليه، ويعذر بعضهم بعضاً فيما اختلفوا فيه.
حكم إعطاء الزكاة للجماعات العاملة فى سبيل الله
ولقد أثيرت العديد من التساؤلات المعاصرة: هل يمكن توجيه أموال الزكاة إلى مثل هذه الجماعات؛ لتعينها على رسالتها المشروعة، وهي الدعوة إلى الله، وتطبيق أحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية؟
لقد ناقش علماء وفقهاء الزكاة هذه المسألة بشيء من التفصيل، فى مؤتمر عالمي عُقِد فى السنغال 1415هـ/1995م، وكان من بين الموضوعات المطروحة للمناقشة: دور الزكاة فى الدعوة الإسلامية، ولقد قرر وجوب ذلك، ومن الأدلة التى اعتمد عليها فى هذه المسألة ما يلي:
1- وجوب الدعوة إلى الله -عز وجل- كما ورد بالكتاب والسنة وإجماع الفقهاء.
2- أن مصرف: فى سبيل الله يتسع ليشمل نصرة دين الله وطرقه وشريعته الغراء، ورعاية مصالح المسلمين العامة التى بها قَوَام أمر الدين والدولة.
3- مواجهة الحملات التبشيرية التى يقوم بها الكفار فى ديار المسلمين أو بين الأقليات الإسلامية، كما هو الحادث فى دول أفريقيا وجنوب السودان وماليزيا، حيث تستخدم الإعانات الغذائية ونحوها والمقدمة لفقراء المسلمين ليتركوا دينهم ويعتنقوا النصرانية.
4- مواجهة قتل وتقييد وأسر المسلمين والاعتداء على أعراض نسائهم، وكذلك طردهم من ديارهم ونهب أموالهم كما يحدث الآن في كثير من البلدان في أفريقيا.
وهذه المقاصد السابقة تدخل فى نطاق الجهاد الإسلامي الذي ليس مقصوراً على الجهاد بالنفس فقط، بل يشمل كذلك الجهاد بالمال وبالكلمة الطيبة ونحو ذلك من أجل جعل كلمة الله هي العليا وكلمة الكافرين والملحدين والذين يصدون عن سبيل الله السفلي.
مجالات إنفاق الزكاة فى سبيل الله
يدخل فى نطاق إنفاق الزكاة فى سبيل الله على سبيل المثال ما يلي:
– إنشاء مراكز إعداد الدعاة إلى الله سبحانه وتعالى.
– طباعة ونشر الكتب الإسلامية وكذلك المجلات والجرائد التي تهتم بقضايا المسلمين.
– إنشاء مراكز الرعاية الاجتماعية والمدارس والمستشفيات للأقليات الإسلامية التي تعيش فى بلاد غير إسلامية.
– الإنفاق على البعثات التعليمية التى تَرِد إلى البلاد الإسلامية لتعليمهم العلوم الدينية.
– دعم الدعاة ورجال الإصلاح الاجتماعي والاقتصادي والسياسي الذين يعملون لجعل كلمة الله هى العليا.
– دعم كل الجهود التى يبذلها الدعاة من أجل تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية.
فتاوى العلماء بجواز إنفاق الزكاة فى مجالات الدعوة الإسلامية
ومن أقوال العلماء والفقهاء الذين يرون إنفاق الزكاة فى الدعوة الإسلامية سواء قام بها أفراد أو جماعات باعتبارها من صور الجهاد الإسلامي ما يلي:
– يقول شيخ المفسرين الطبري في تفسيره: في سبيل الله “فإنه يعني بذلك النفقة في نصرة دين الله وطريقته وشريعته التي شرعها لعباده بقتال أعدائه، وذلك هو غزو الكفار”.
– ويقول الشيخ شلتوت في تفسيره فى سبيل الله: “بأنها المصالح العامة، وأولها التكوين الحربي والإعداد القوي الناضج للدعوة الإسلامية والدعاة الذين يُظهرون جمال الإسلام وسماحته، ويفسرون حكمته ويبلغون أحكامه، ويتعقبون مهاجمة الخصوم بما يَرُد كيدهم إلى نحورهم” (الإسلام عقيدة وشريعة: صفحة 97).
– ويقول صاحب تفسير المنار: “إن مدلول في سبيل الله: يشمل كل أمر مشروع أريد به مرضاة الله بإعلاء كلمته وإقامة دينه وحسن عبادته ومنفعة عباده”.
– ويقول القرضاوي: ” … مما ينطبق عليه معنى الجهاد فى عصرنا هو العمل لتحرير الأرض الإسلامية من حكم الكفار الذين استولوا عليها.. وأي حرب لنصرة دين الله وإعلاء كلمته والدفاع عن دار الإسلام وكرامة المسلمين.. تدخل في مصرف في سبيل الله”.
خلاصة حكم إنفاق الزكاة فى الدعوة الإسلامية ولتطبيق شرع الله
وخلاصة القول: يجوز إنفاق الزكاة إلى الجماعات التي تعمل في سبيل الدعوة الإسلامية إلى الله سبحانه وتعالى بالحكمة والموعظة الحسنة، والجهاد من أجل تطبيق شرعه، وصد المعتدين على دينه؛ لأنها تدخل فى نطاق سهمى: المؤلفة قلوبهم وفى سبيل الله. مصداقاً لقول الله {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (التوبة: 60).
______
* الأستاذ بجامعة الأزهر، وعضو الهيئة الشرعية العالمية للزكاة.