في الوقت الذي تعاظمت فيه قوة تنظيم “داعش” في العراق وسورية، وبدأ يصبح لاعباً قادراً على حسم المعارك عن طريق احتلال الأراضي، والسيطرة على الموارد، وزعزعة أمن المنطقة العربية والأوروبية كذلك، تحدث عدة باحثين عن أن التنظيم ظاهرة مؤقتة ستقتل نفسها بنفسها.
تفكك ذاتي
ففي مقال استراتيجي للباحث جيرمي وود، نشر في صحيفة “أتلانتيك” في مارس عام 2015، تحت عنوان: “ماذا يريد داعش”؟ قال الكاتب إن تنظيم “داعش” في الغالب سوف يتفكك ذاتياً، وذلك لعدة أسباب؛ أولاً لعدم وجود دول حليفة للتنظيم، وهو ما لن يتغير مستقبلاً بسبب تصلب الأيدولوجيا التي يحملها.
من ناحية أخرى تعتبر المناطق التي يسيطر عليها التنظيم بغالبيتها غير مأهولة بالسكان، أو فقيرة، وإن كانت مساحتها كبيرة، وعليه فإنها ستنكمش وتضعف مع الوقت، فوفقاً للكاتب ستقل وتيرة توافد المقاتلين الأجانب والمؤمنين الجدد بالتنظيم مع الوقت، جازماً بأنه من غير الممكن نشر الشريعة عن طريق العنف لوقت طويل.
بالرغم من ذلك رأى أن هذه العملية لن تكون سريعة، وأكد أن أي اجتياح برّي كبير قد يزيد الوضع سوءاً.
خسائر التنظيم
اليوم، مع التطورات الأخيرة في سورية، تحديداً بعد السيطرة على منبج، وطرد تنظيم “داعش” منها، وكذلك بعد العملية العسكرية التركية في جرابلس في سورية، خسر تنظيم “داعش” جزءاً هاماً واستراتيجياً من مناطق سيطرته، وقد شهدت قوته تراجعاً واضحاً في الشهور الأخيرة، إذ لم يعد له قوة اللاعب المحرّك للأحداث، بل هو الآن في مكان رد الفعل وليس الفعل.
في هذا السياق يذكر التحليل “الإسرائيلي” الذي ورد في أبريل الماضي، ناقلاً تصريحاً من مسؤول أمني “إسرائيلي”، يقول فيه: إن القضاء على تنظيم “داعش” مسألة وقت، وإن التنظيم لن يستطيع الإبقاء على مناطق سيطرته وسد احتياجات الناس فيها فترة طويلة، إذ وجد نفسه في حرب أمام عدة جهات دولية.
وفي سياق متصل يذكر أن البدء في خسارة التنظيم لنقاط سيطرته والمساحات التي احتلها جعلته يميل مجدداً إلى تبنّي استراتيجية تنظيم “القاعدة”، أي تنفيذ عمليات إرهابية في أماكن مختلفة، وعدم التمركز في منطقة جغرافية معينة، والتخلي عن فكرة بناء نظام حاكم.
وهنا يؤكد المحلل العسكري لصحيفة “هآرتس”، تسبي بارئيل، أن الهجمات والعمليات المستمرة ضد التنظيم، إضافة إلى الإجراءات الأمنية التي اتبعتها دول أوروبا ضد تدفق المقاتلين وانضمامهم للتنظيم، وهو ما يعيد التنظيم إلى وضعه الأول، أي ما قبل إعلانه “الدولة”، أي إنه يعود ليصبح قوة مسلحة إضافية في المنطقة السورية والعراقية، يقف جنباً إلى جنب مع تنظيمات مسلحة قادرة على التخريب والهدم والقتل، لكن غير قادرة على حسم المعارك.
وفي هذا السياق رأى بارئيل أن البيان الذي نشر للإعلان عن مقتل العدناني، قائد التنظيم في سورية، كان في لهجته شيء من خيبة الأمل والإحباط، فمن خلال الرسالة يظهر أن التنظيم لا يريد فقط رفع المعنويات القتالية لمقاتليه، لكنه أيضاً يريد الاستعداد نفسياً للخسائر القادمة والمتوقعة، كما أنها تعكس استعداد التنظيم لتغيير استراتيجيته الأصلية، التي تمثلت باحتلال الأراضي، وفرض نظام حكم مدني فيها، يتضمن إدارة الشؤون اليومية للناس، وفرض الضرائب، وتطبيق القوانين عليهم.