حمامة المسجد الملا صالح أعطى مثالاً صامتاً للزهد في متع الدنيا رغم كونها مباحة وتواضع رغم إمكاناته المادية الجيدة، وأسرّ صدقاته وزكواته دون أن يعلن بها أحد، الله يعلمها.
حمامة المسجد يختم القرآن الكريم بشكل متواصل، يشهد له بتواصل الذكر حتى إنك تجد نسخته التي التزم بها ختمته مهترئة لا يحفظها من الاستهلاك والتمزق إلا حفظها على كرسي المصحف.
حمامة المسجد لم يقعده المرض في أواخر سني حياته عن الالتزام بالصف الأول خلف الإمام، وكأنه بالفعل إمام حاضراً في صلاة الجماعة، وكأن شيئاً لم يتغير، وكلمة شكر بهذه المناسبة لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية التي احترمت ماضيه العريق في الإمامة رغم مرضه.
إن استعارة مصطلح الحمامة ينطبق تماماً مع شخصية الملا صالح من حيث وداعة الحمامة وحميميتها المستدامة حول عشها وألفتها لمسكنها مهما ابتعدت، وهي حال الملا صالح في مسجده.
حمامة المسجد كان له من اسمه رحمه الله أفضل الحظ والنصيب فهو “صالح عبدالله الصالح”؛ الصالح في ذاته وتعامله المتمثل للعبودية لله سبحانه في أقواله وأعماله.
ولقد انعكس هذا الصلاح يقيناً في الآخرة، وزهداً في الدنيا بكل مباحاتها، وقلة اكتراث بعوارضها.
لا يزال لسانه رطباً من ذكر الله تعالى، حتى في أشد حالات المرض والانشغال فيه حتى أشغله عن الشعور بالألم عن كثير من العوارض الصحية التي يتعرض لها، ولم يصدق الأطباء ما رأوه من تقبل جسمه للعمليات وقد تجاوز الثمانين عاماً من عمره، كان يعاني خلالها من أعراض متعددة، منها ضعف عضلة القلب التي تجعل العملية خطرة جداً، لكنه كان يدخل العملية بهدوء وذكر الله تعالى كما هو شأنه دائماً، وكان يردد دائماً عندما يسأل عن صحته: “اللي الله كاتبه بيصير”.
وبعد، لا تزال تلاوتك يا ملا صالح تتردد في مسمعي وكأنك حاضر تتلوها، أستحضرها الآن بمدودها وحركاتها وسكناتها جميلة شجية ندية عذبة جئت بها من مسجد الإسماعيل، ومسجد علي العبدالوهاب في المرقاب لتعكس النمط الكويتي القديم في التلاوة.
رحمك الله يا حمامة المسجد، وقد خلفت في أهل الشامية والكويت عموماً أحباباً يدعون لك.
كما خلفت ذرية طيبة صالحة من الأبناء والأحفاد يعكسون حسن الاقتداء بك، أعزيهم جميعاً وليسمحوا لي – مع احترامي الشديد لهم جميعاً وكلهم بارون بوالديهم – أن أخص من بينهم ابنك المثابر المبادر الحاضر الساهر عبدالله.
www.ajkharafi.com