نادى أهل سورية بالحرية وبكل أريحية وعلنية وسلمية؛ ملوا من الاستبداد والقهر والاستعباد والاستهتار بحريتهم وآدميتهم وكرامتهم، فخرجوا مطالبين ومنددين، فقُمعوا، وبالضرب صُعقوا وعوقبوا، سُجن أطفالهم لكتابة على جدار، معلنين رفضهم لنظام الجزار، وما دروا أنهم سيسكنون خلف القضبان بلا رحمة ولا إنسانية ولا اعتبار، وسمّعهم جنود بشار عبارات مكشوفة بلا خلق ولا حياء ولا شرف لإنسان!
واستمر الطغيان؛ فازداد الشعب السوري إيماناً بالله خالق الكون والإنسان «ما لنا غيرك يا الله»!
واستغاث الشعب السوري بالمسلمين فكانت الإجابة مرة، ومرة كانوا في طي النسيان!
اشتد الحصار وعظم الدمار واستخدمت أسلحة الخراب والدمار، استبيحت الحرمات وانتهكت الأعراض وضجت الأرض وبكت السماء وزلزلت الجبال من هول شلالات الدماء وارتفع صراخ الأطفال فوق الأرض وتحت الركام، ودكت المنازل بالبراميل المتفجرة التي كان الظالم الطاغية ينفي استخدامها، وانتشرت الغازات السامة ودكت المشافي والملاجئ، وقُتل الأطباء والمسعفون، واحتار الناس مسلمهم وكافرهم من مسعف أو طبيب أو عضو في منظمة إنسانية، وخرجت المليشيات المتحجرة الطائفية كالضباع المتعطشة للدماء، والتقت مع إخوانها الروس يدكون المنازل ويقتلون ويعربدون ويعيثون في الأرض فساداً، وكأنهم يأحوج ومأجوج من كل حدب ينسلون.
كل ذلك تحت سمع وبصر المنظمات الحقوقية الإنسانية المحلية والعالمية.
واتسع الخرق على الراقع بعد الإهمال المتعمد والضعف المتراكم والتفرق المشؤوم في الفكر والميدان، وضاع البشر وانحطت كرامة الإنسان، وسيطر الطغيان، وهام على وجهه في سورية كالقطعان من الذئاب العاوية في بيداء قفر أو غابة موحشة موغلة في الظلام الدامس البهيم!
وعثرت بل شنقت شاة المسلمين.. ولا من عمر ولا من مغيث!
لكنّما أهلي بوادٍ أنيسُه
ذئابٌ تَبَغّى الناسَ مَثْنى ومَوْحدُ
(ابن يعيش: شرح المفصل).
هذا؛ وعلينا أن نعلم تمام العلم أن المسؤولية فيما يصيبُ الأمّة لا يمكن اختزالها أو صَبّها على قومٍ دون قوم، بل يبوء بها من وَلِيَ أمْرَهُم ورضي بِحَمْلِ أمانةِ أعناقهم في المقام الأول؛ (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ {24}) (الصافات)، الآية التي يرتجف منها المخلصون، ثم تنحدر المسؤولية بعد ذلك تِباعاً على أفراد الأمة؛ كُلّ بحسب الموقع الذي يَحُل والواجب الذي يتَحمّل، لا توانيَ ولا تدارُؤ، لأن سُنة الله في نصر الأمة لا تنْفُذُ إلا عندما يرى الله من عباده عَملاً ونُصرةً.
ختاماً؛ إن قتل السفير الروسي من حيث إنه مؤتمنٌ شرعاً، لا ينْبغي أن يُعمي الأبصار ويُضلل الأفهام عن المجازر التي ارتكبتها روسيا مما تَكَلّ العبارة عن وصفه، قال تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ) (البقرة:217).
والحمد على كل حال.