الخطاب الإسلامي المعاصر يُبلي بلاء حسنا في الدعوة إلى الله، وإخراج الناس من ظلمات الجهالة والمعصية إلى نور الإسلام والمعرفة، غير أنه -كشأن كثير من أوجه العمل الإسلامي- تعتريه بعض السلبيات التي تقلل من فاعليته وتحد من أثره -في بعض الأحيان-، من هذه السلبيات:
أ. د. عصام البشير
– التقوقع والانغلاق: ويتمثل هذا الاتجاه، في النظر إلى الواقع المعاصر بعين السابقين، واجترار مناقشة أفكارٍ انقرضت، والاعتقاد أن الكتب القديمة قد حوت حلا لكل مستجدات عصرنا، بل وما يليه من عصور إلى يوم الدين، والتعامي عن هموم عصرنا، وما استجدت فيه من مشاكل، وما برزت فيه من تحديات، وما سادت فيه من مذاهب فكرية هدامة.
– التعميم والإطلاق: ويتمثل هذا الاتجاه دعاة الإجمال وإطلاق المبالغات والتي -في كثير من الأحيان- يجرها الإكثار من استعمال (أفعل) التفضيل، وعبارات التعميم، فكثيرا ما نسمع عبارات معممة ليس لها من سند شرعي مثل:
الكفر ملة واحدة: هذه العبارة صحيحة في مآل الكفر فهو ملة واحدة من حيث العاقبة، لكن ذلك لا يعني أن كفر أهل الكتاب مثل كفر الوثنيين.
خذوا الإسلام جملة أو دعوة جملة: هذه العبارة صحيحة في مجال الاعتقاد والتصور فلا يجوز أخذ العقيدة تفاريق، لكن في جانب تطبيق الأحكام وتنـزيلها إلى أرض الواقع لابد من المرحلية والتدرج.
العولمة شر محض: هذه العبارة لا تصح لأن العولمة -على كثرة ما بها من شرور- لا تخلو من جوانب عظيمة الفائدة للدعوة الإسلامية.
هذه نماذج لبعض الألفاظ المعممة تكفي لإيضاح أن الإطلاق والتعميم داء عضال يعرض مصداقيتنا للزوال لذا يجب تداركه.
– التبعية والانسياق: ويتمثل هذا الاتجاه في الدعاة إلى النظام العالمي الجديد.. لا في وسائله وتقنياته بل في أصوله ومحكماته، في الذين لم يبقوا من الإسلام إلا اسمه ومن الشرع إلا رسمه، فرطوا في الأصول وضيعوا القطعيات، وأصبح معيار الصواب عندهم ما يمليه عليهم الغرب لا شرع الإسلام، يبيعون دينهم بدنياهم، تفرقوا أيدي سبأ بين يمين ليبرالي ويسار ماركسي واتفقوا في رفض أصول الإسلام، يقدمون الإسلام ضعيفا منهزما، خال من دعوة للجهاد، وقتال للمحاربين وإعداد.
– الافتخار بالمناقب والأعراق: ويتمثل هذا الاتجاه في المتحدثين عن تاريخ الإسلام وحاضره حديث المدل المختال.. يسردون المحامد ويعددون المناقب، ويغفلون عن النقائص والمثالب، لا يحاسبون ذواتهم ولا يقيمون تاريخهم بل يرددون “كنتم خير أمة أخرجت للناس” ويفهمونها على هواهم، ولا يربطون الخيرية بـ”تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله”، يخلطون الأوراق ولا يعترفون بخطأ أو قصور.
– التبرير والإلحاق: ويتمثل هذا الاتجاه في محاولة نقل الحضارة الغربية بخيرها وشرها إلى عالمنا الإسلامي والتماس المسوغات المنطقية و تمحك المبررات الشرعية لإلحاق مقومات الحضارة الغربية بأصول الإسلام، ومن ذلك تحليل الربا وتحريم القصاص وتعطيل الحدود ونزع الحجاب وشرب الخمر ونحو ذلك.
– الاختصار والاجتزاء: ويتمثل هذا الاتجاه في الذين يريدون للإسلام أن يردد مقوله النصارى “دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله”، ودعاة التجزئة والاختصار، الذين يأخذون من الإسلام الأشكال والرسوم، ويستبعدون الجوهر والمضمون .يريدون الإسلام دعوة بلا دولة، عقيدة بلا شريعة، سلام بلا قتال، حق بلا قوة.
– الرفض والعنف: ويتمثل هذا الاتجاه في محاولة بعضهم إظهار الإسلام مشتجراً مع الجميع، محارباً للمسالمين، مروعاً للآمنين، طالباً للدم، ساعياً للهدم، باحثاً عن الزلات لنشرها، طالباً للثغرات لهتكها، لا يعرف “المؤلفة قلوبهم” ولا “أهل الذمة” ولا “الكفار غير المحاربين” ونحو ذلك مما حفل به تراث الإسلام في تصنيف غير المسلمين ، بل ولا يعرف المسلم العاصي أو غير الملتزم المذنب فالكل في نظره كفار، بل وربما لا يعرف المسلم الملتزم المخالف له في الرأي ،إنه الاتجاه الذي لا يعرف تعدد الآراء، ولا اختلاف الفقهاء ، لا يؤمن بالحوار ولا يسلم بالتعددية .
إن الخطاب الإسلامي إذا أحسن استغلاله يستطيع أن يفتح آفاقا وأقطارا، فتحا سلميا، لا تراق فيه قطرة دم، فلا نشهر سيفا، ولا نطلق مدفعا، ولا نعلن حربا.
إنه (الفتح السلمي) الذي أصّله الإسلام، في (صلح الحديبية) المعروف، والذي عقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين مشركي قريش، لإقامة هدنة بين الطرفين، يكف كل منهما يده عن الآخر، فسمّى القرآن ذلك (فتحا مبينا) ونزلت في شأنه (سورة الفتح).. وسأل بعض الصحابة الرسول الكريم: أو فتح هو يا رسول الله؟ قال: (إي والذي نفس محمد بيده إنه لفتح).
وانتشر الإسلام في هذه الفترة كما لم ينتشر في أي فترة مضت.
المصدر: موقع “الأمة”.