لو استشعر المكونان السُّنيان الكردي والعربي اللذان يشكلان أكثر من نصف سكان العراق (بحسب دراسة صادرة عن وزارة التخطيط والتعاون الإنمائي العراقية ظلت حبيسة الأدراج ومغيبة منذ عام 2004م، حيث كشفت أن عدد العراقيين السُّنة يزيد على عدد الشيعة بنسبة 9%، وبواقع 53% مقابل 43% للشيعة، و4% للأقليات الأخرى) خطر هيمنة الأحزاب الشيعية المطلقة على مفاصل الدولة وتفردها بالحكم، واتفقا على صيغة سياسية مشتركة وإستراتيجية واحدة؛ لتغيرت المعادلة السياسية في العراق، ولما وصلت حالهما إلى ما هي عليه الآن من انقسام وتشرذم وتناحر.
الطرف الكردي يعيش في أزمة سياسية خانقة مع بغداد التي فرضت عليه حصاراً اقتصادياً محكماً منذ أكثر من 3 سنوات، وبسبب أزمته السياسية الداخلية حول الولاية الثالثة لرئيس الإقليم مسعود بارزاني، والطرف السُّني العربي ليس بأحسن حال من الكرد بل أسوأ وأضل سبيلاً، تفككت أواصره وانقسم إلى أحزاب وشيع متصارعة كل واحدة منها تدعي أنها تمثل المكون السُّني.
من يمثّل السُّنة العرب؟
فإذا كان لدى الكرد مرجعهم السياسي في التعامل مع القوى السياسية العراقية وغير العراقية متمثل في الحكومة ورئاسة الإقليم، فإن السُّنة العرب يفتقدون إلى مرجع سياسي وديني يتكلم باسمهم ويمثلهم، لا يوجد تكتل سياسي أو ديني يجمع القوى والأحزاب السُّنية في طياته، كل حزب أو ائتلاف سياسي محسوب على المكون السُّني يدعي أنه يمثل السُّنة والآخرون أدعياء مزيفون يستغلون اسم السُّنة لمصالحهم الشخصية والحزبية، وهم على استعداد للتآمر على البلاد وتنفيذ أجندة خارجية للوصول إلى أهدافهم الخاصة الضيقة.
هناك عشرات الائتلافات والأحزاب السُّنية في الساحة العراقية يتصدون للمشهد السياسي بهذه الروحية السلبية، وما عدا الأحزاب والحركات السياسية يوجد في العراق الآن أكثر من 20 فصيلاً سُنياً مسلحاً يقاتلون من أجل الدفاع عن السُّنة والوقوف في وجه التشيع والمد “الصفوي”، وعلى رأسها تنظيم “داعش” الإرهابي، ولا يتوانى هؤلاء من قتل بعضهم بعضاً تحت نفس الذرائع (الدفاع عن السُّنة).
ففي الوقت الذي يدعي تحالف القوى العراقية السُّنية الذي يحوز على 53 مقعداً برلمانياً من أصل 328 مقعداً أنه يمثل المحافظات الست السُّنية في وسط وغرب البلاد، وأنه يحاول توحيد الصف السُّني، فإن كتلة الكرامة السُّنية تتهم أعضاء هذا التحالف بأنهم من “سُنة المالكي”، واقعون تحت ضغط رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، ويأتمرون بأمره، ويحاولون تجديد الولاية الثالثة له مقابل الحصول على المناصب، أو أنه يمتلك ضدهم مذكرات إلقاء القبض أو ملفات فساد، وعلى رأس هؤلاء رئيس البرلمان سليم الجبوري الذي اتهم بالإرهاب عام 2014م وحكم عليه بالسجن، ولكن أسقطت عنه التهمة وبُرّئت ساحته، وكذلك اتهمه وزير الدفاع المقال خالد العبيدي بالفساد عام 2016م وكاد يطيح بمنصبه، ولكنه أيضاً خرج من دون أي تهمة.
وبدوره، شن رئيس “مجلس ثوار الأنبار السُّنية” الشيخ علي حاتم سليمان هجوماً شديداً على نواب التحالف السُّني الذين فازوا في الانتخابات بـ”التزوير” لتأييد الولاية الثالثة للمالكي، بحسب كلام الشيخ.
تشرذم وانشقاق.. والثقة المفقودة
ولم ينحصر صراع السُّنة بين الأحزاب والكتل المختلفة، بل امتد إلى داخل حزب واحد وكتلة واحدة، فقد شن رئيس ائتلاف المتحدون للإصلاح المنضوي داخل تحالف القوى العراقية أسامة النجيفي هجوماً شديداً على رئيس تحالف القوى وأعضائه بسبب تقديمهم لورقة التسوية السُّنية لأمين عام الأمم المتحدة أنطونيو حوتيريس الذي زار العراق في 31 مارس الماضي، واعتبر في بيان له أن الوقت غير مناسب لمثل هذه الأوراق في ظل احتدام المعارك القائمة ضد تنظيم “داعش”، وفي ظل عدم استقرار الوضع السياسي وغياب رؤية سياسية ناضجة ينبغي أن ترافق الانتصارات المتحققة ضد التنظيم الإرهابي، مؤكداً أن هذه الورقة تعبر عن رؤية من قدمها ولا تمثل المجموع؛ “فنحن رافضون لها جملة وتفصيلاً”.
وبدورهم، أدان الفريق الآخر داخل التحالف النجيفي وآخرين من قادة التحالف الذين شاركوا في مؤتمري “جنيف”، و”إسطنبول”، لبحث مرحلة ما بعد تحرير مدينة الموصل والقضاء على تنظيم “داعش” ومستقبل السُّنة والاتفاق على إقامة الإقليم السُّني.
ومن جانب آخر، أعلن نواب معظمهم من الشيوخ والعشائر انشقاقهم عن التحالف وشكلوا ائتلافاً مستقلاً أسموه “ائتلاف الجماهير الوطنية”؛ من أجل إنقاذ العرب السُّنة والتصدي للمد الصفوي.
مجمل القول: إن السياسيين السُّنة تفرقوا إلى جماعات مختلفة، كل جماعة تدعي أنها تمثِّل المكون السُّني، وبحسب بعض المحللين فإنهم انقسموا إلى ثلاث جماعات؛ الأولى التحقت بـ”القاعدة”، وأخيراً بـ”داعش” من أجل الوقوف في وجه التشيع، أو حسب مصطلحهم المعروف “المد الشيعي الصفوي الفارسي”، وأكثر من انضم إلى هذه الجبهة هم قيادات حزب البعث المنحل، ومتطرفو الإسلام السياسي السُّني من جميع دول العالم، والجماعة الثانية هي التي تعيش خارج العراق وأكثرهم في الأردن، وهم لا يؤيدون مشروع الإسلام السياسي، بل هم من مؤيدي العراق العربي القومي، ولهذا يعارضون مشروع إيران، ويعدونه مشروعاً فارسياً صفوياً لتمزيق الوطن العربي، أما الجماعة الأخيرة فهي “سنة المالكي”.