اشتدت لهجة المسؤولين الأوروبيين في انتقاد تركيا ورئيسها رجب طيب أردوغان قبيل الاستفتاء الشعبي، إلا أنها بعد موافقة الشعب التركي على التعديلات الدستورية عبر صناديق الاقتراع في السادس عشر من الشهر الماضي وإعلان النتائج الرسمية من قبل اللجنة العليا للانتخابات، بدأت تفقد حدتها، وأصبحت تصريحات المسؤولين الأوروبيين تتجه نحو العقلانية والبراغماتية والاستسلام للواقع.
الأوروبيون الذين انحازوا إلى الجبهة الرافضة لانتقال تركيا من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي ودعموا الحملات الداعية إلى التصويت بــ”لا” في الاستفتاء الشعبي، خسروا الرهان، وما عليهم إلا الاعتراف بالهزيمة والتراجع عن الخطأ، لأن المكابرة قد يكون ثمنها غاليا على الاتحاد الأوروبي.
هناك زعماء في القارة العجوز يدركون حجم ذاك الثمن وخطورته، ويحذرون المسؤولين الأوروبيين الذين تمادوا في انتقاد تركيا قبل الاستفتاء الشعبي. ومن هؤلاء الزعماء رئيس وزراء المجر، فيكتور أوربان، الذي قال بالحرف الواحد: “هناك ضرورة للاتفاق مع الأتراك، إذ نسلم أمننا لأيدي الأتراك، وفي نفس الوقت نوجه لهم انتقادات في مسائل لا داعي لها، ونهاجمهم، وندينهم، فهذه ليست سياسة ذكية”، مشددا على أن استقرار دول القارة الأوروبية مرتبط تماما باستقرار تركيا وأمنها.
أوربان ليس وحده من يذكر الأوروبيين بمدى أهمية أمن تركيا واستقرارها لأمن أوروبا، بل هناك آخرون يشاركونه في التحذير ودق أجراس الخطر، مثل الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، ينس ستولتنبرغ، الذي أكد في تصريح لصحيفة “فيلت أم سونتاغ” الألمانية، أن “الحلف سيكون بلا شك ضعيفا بدون تركيا التي تعد مفتاح أمن أوروبا”، مضيفا أن تركيا من حقها معاقبة المتورطين في محاولة الانقلاب الفاشلة، والدفاع عن نفسها.
الاتحاد الأوروبي منذ إعلان النتائج الرسمية للاستفتاء الشعبي في تركيا يبعث رسائل تشير إلى التخلي عن اللهجة الحادة المستفزة التي كان يستخدمها في انتقاد تركيا. وقال وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، تعليقا على اجتماع وزراء خارجية الدول الأوروبية الذي عُقد في مالطا، إنه بدا له وكأنهم، أي القادة الأوروبيين، تعلموا من أخطائهم السابقة، موضحا أنهم تحدثوا بإيجابية.
المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ذكرت قبل أيام في ختام اجتماع قادة دول الاتحاد الأوروبي في بروكسل، إن رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك ورئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر سيلتقيان رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان للتباحث من أجل ترميم العلاقات الأوروبية التركية، على هامش قمة حلف شمال الأطلسي المزمع إجراؤها في 25 من مايو الجاري في بروكسل. ومن المحتمل أن تؤدي هذه اللقاءات التي ستجمع أردوغان وقادة أوروبيين في العاصمة البلجيكية إلى انفراج الأزمة بين تركيا والاتحاد الأوروبي.
تشاووش أوغلو، لفت أمس الأول الثلاثاء في مقابلة تلفزيونية إلى أن قمة حلف شمال الأطلسي سيعقبها عقد قمة موسَّعة بين تركيا والاتحاد الأوروبي، موضحا أن تاريخ هذه القمة لم يتم تحديدها بعد. وذكر أن بعض وزراء الخارجية الأوروبيين في اجتماع مالطا اعترفوا بأنهم كانوا مخطئين في التصعيد ضد تركيا، وسألوه ماذا يمكن فعله لتصحيح هذا الخطأ.
كل هذه التصريحات والمؤشرات تشير إلى أن اللقاءات التي ستجمع أردوغان في بروكسل مع قادة أوروبيين في 24 و25 من الشهر الجاري، بالإضافة إلى القمة الموسَّعة التي تحدث عنها تشاووش أوغلو، ستكون مفصلية، وسترسم خارطة طريق لمستقبل العلاقات التركية الأوروبية.
أردوغان سيذهب إلى بروكسل في الأسبوع الأخير من الشهر الجاري بعد زيارات الهند وروسيا والصين والولايات المتحدة، ليؤكد أن الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي ليس الخيار الوحيد أمام تركيا، ويخبر القادة الأوروبيين أنهم إن كانوا جادِّين في ترميم العلاقات التركية الأوروبية فعليهم احترام تركيا وإرادة شعبها، والتخلي عن سياسة المماطلة واللف والدوران.
____
* المصدر: عربي 21.