– رمضان هذا العام شهد حدثاً فارقاً وهو عقد لقاء تنسيقي بين المؤسسات الإسلامية بإيطاليا
– بمجيء رمضان يتداعى مسلمو أوروبا إلى عمارة المساجد والمراكز الإسلامية رغم ظروفهم الصعبة
– أغلب المراكز الإسلامية تقيم إفطاراً يصل عدده أحياناً إلى 300 صائم
– على مستوى الأسر المسلمة هناك برنامج بالمسجد يشمل كل أفراد الأسرة
قال الشيخ وجيه سعد حسن، إمام مسجد الأمة بمدينة بريجو إميليا الإيطالية، والمسؤول الدعوي بالجمعية الإسلامية الإيطالية للأئمة والمرشدين: إن رمضان هذا العام شهد قبل بدايته حدثاً مهماً في تاريخ مسلمي إيطاليا، يتمثل في عقد لقاء تشاوري تنسيقي هو الأبرز من نوعه في 21 مايو 2017م، بمدينة بولونيا، بين كافة المؤسسات الإسلامية العاملة على الساحة الإيطالية، مشيراً إلى أن اللقاء أثمر عن الاتفاق على إنشاء لجنة تواصل بين المؤسسات الإسلامية العاملة في إيطاليا، وأوضح أن هدف اللقاء كان للحديث عن أهم قضيتين تشغلان المسلمين في هذا التوقيت؛ إحداهما متعلقة بمسألة معيار دخول شهر رمضان وخروجه، والأخرى خاصة بموضوع أوقات الصلاة.
جاء ذلك خلال حواره مع «المجتمع» حول أبرز القضايا التي تشغل اهتمام المجتمع الإيطالي المسلم بكافة شرائحه.
- ·كيف تتعاملون مع الاختلافات بين مسلمي إيطاليا في تحديد بداية شهر رمضان؟
– المؤسسات الإسلامية سواء في إيطاليا أو أوروبا كلها مؤسسات أهلية، قائمة على سلطة أدبية، أكثر منها سلطة رسمية، خصوصاً ما يتعلق بدخول شهر رمضان وخروجه.
ومع وجود اختلافات في الرأي؛ فإننا نتعامل معها من خلال إقامة الندوات والمؤتمرات وتقديم البحوث، وعمل زيارات ميدانية، ولا يمر يوم إلا ولدينا لقاء مع بعض التجمعات الإسلامية في مناطق إيطاليا نقوم بزيارتها، ونستمع إلى أسئلة الناس والآراء الموجودة، ونحاول أن نخلص في النهاية إلى بيان تنسيقي بين الناس لتوحيد بداية الشهر بين مسلمي إيطاليا قدر الإمكان.
- ·هل من مبادرات في هذا الاتجاه؟
– حقيقة عقدنا لقاء غاية في الأهمية يعد الحدث الأبرز بين يدي رمضان هذا العام، في 21 مايو الماضي، بمدينة بولونيا، وكان لقاء تشاورياً تنسيقياً بين كافة المؤسسات الإسلامية العاملة على الساحة الإيطالية للحديث عن أهم قضيتين تشغلان المسلمين في هذا التوقيت؛ إحداهما متعلقة بمسألة معيار دخول شهر رمضان وخروجه، والأخرى خاصة بموضوع أوقات الصلاة؛ نظراً لأن هذا الوقت يتأخر فيه كثيراً وقت صلاة العشاء، ويتقدم فيه كثيراً وقت صلاة الفجر.
وهذا اللقاء يعد حدثاً بارزاً وفارقاً في تاريخ مسلمي إيطاليا، لكن نظراً لتغيب مؤسسات مهمة عنه بسب أعذار أو لأسباب أخرى؛ تم الاتفاق على إنشاء لجنة تواصل بين المؤسسات العاملة على الساحة الوطنية للتراب الإيطالي؛ هدفها الحوار بشأن فكرة إنشاء لجنة تنسيقية بين كافة المؤسسات الإسلامية في إيطاليا، تكون مهمتها التنسيق في هاتين المسألتين.
- ·كيف يكون إقبال المسلمين في إيطاليا على المساجد خلال شهر رمضان؟
– كما تعلمون، مهما قلنا للناس عن الأمة وعن ضعفها، ومهما قلنا عن الناس وبُعدهم عن دينهم، ومهما قلنا عن الأقليات المسلمة واندماجها في مجتمعها الجديد في تأثر سلبي في الإجمال؛ إلا أنه إذا جاء شهر رمضان تداعى الناس جميعاً إلى عمارة المساجد، وتمتلئ بهم المراكز الإسلامية، رغم تأخر صلاتي العشاء والفجر، فإن الناس موجودون فيها وبكثافة كبيرة جداً، وهذا يلقي بظلاله في الحقيقة على المؤسسات الإسلامية الموجودة، وقياداتها أن تنشغل هذه الفترة انشغالاً كبيراً جداً، في تهيئة المراكز الإسلامية لاستقبال زوارها.
- ·ما استعدادات المراكز الإسلامية لاستقبال شهر الصوم؟
– المراكز الإسلامية تُعنى في هذا التوقيت باستعدادات كبيرة وإعلان عن حالة طوارئ في المراكز الإسلامية؛ تهيئة وتجهيزاً وترتيباً داخلياً وخارجياً سواء على مستوى الجانب الإنشائي كالمسجد وخدماته وصالاته المستقبلة، والأثاث الذي يتم استقبال الناس عليه، والخيام الخارجية، وخصوصاً أن الوقت وقت صيف، حيث يتم عمل خيام خارجية، حتى تكون أكثر تهوية وأقل سخونة، وكذلك الخدمات التي يتم تقديمها لرياضة الأطفال، وتجهيز المكان، كل هذا تسعى إليه المراكز الإسلامية، بعمل إصلاحات وترتيبات لتوافق هذا التجمع القادم عليها خلال هذه الفترة، والناس نفسها – الأسر والأفراد – يعتبرون هذا موسماً كبيراً للتلاقي وتجديد العهد مع الهوية التي تذوب أجزاء كبيرة منها خلال العام، ومثل هذه التجمعات تكون بمثابة استعادة لهذه الهوية، ومحاولة مرة أخرى للتأكيد على إسلامية الإنسان، وانتمائه لدينه وإن كان في بلاد ذات أغلبية غير مسلمة، فهذا هو الأمر الثاني.
وهنا تقع مسؤولية عظيمة على القيادات الإسلامية، وتتمثل فيما يتعلق بحسن إدارة الجانب الدعوي، ومن حيث الأسر والأفراد، الحالة الرمضانية التي تكون في بيوتهم وفي أسرهم، لأن هذا هو المضمون، فالناس قد أتوا إليك ووفدوا إلى المركز وملؤوا المكان، فماذا ستقدم لهم أنت؟ الناس يطلبون الحفاظ على هويتهم، لذلك جاؤوا لكي يحيوا شهر رمضان بالمتاح من الإمكانات والقدرات، على ما هم عليه من انغماس في هذا المجتمع الجديد؛ لذا تكون الإدارات والمؤسسات معنية بمسألة تهيئة الجانب الدعوي على نحو مميز، واستقدام الأئمة الأجمل صوتاً، والأتقن حفظاً، وفي الوقت نفسه تتنوع البرامج الدعوية داخل المراكز الإسلامية.
- ·نود لو تطلعنا على برنامج دعوي ليوم كامل بمسجدكم؟
– في مسجدنا «الأمة» في مدينة رجيو إميليا التي أقطن بها، نقوم بأعمال دعوية تتزامن مع كل صلاة من الصلوات الخمس، فصلاة الفجر تؤدى في وقتها جماعة، ثم بعد ذلك يجلس الناس للأذكار، ثم بعد ذلك تأتي صلاة الظهر، وبعد صلاة الظهر مباشرة يجلس الناس حلقات لقراءة جزء من القرآن الكريم كل يوم حتى يستطيعوا أن يختموا القرآن تلاوة في شهر القرآن، ثم بعد ذلك تأتي صلاة العصر، فيصلي الناس العصر، ثم يجلسون لخاطرة بعد العصر، قرابة نصف ساعة تقريباً، وقد تكون الخاطرة عبارة عن قصة من قصص الأنبياء أو الصحابة أو التابعين، أو لشخصيات عظيمة، أو تكون تفسيراً للقرآن كل يوم، كالوقوف مع آية أو مع سورة قصيرة، أو تكون الخاطرة وقوفاً مع سلوك أو أدب، أو خلق معين.
ثم تأتي صلاة المغرب، وقبل حلول المغرب بنصف ساعة، يتداعى الناس إلى أذكار المساء، ثم بعد ذلك يرفع الأذان ويفطر الناس في المسجد، وعندي في مسجد الأمة يفطر حوالي 120 شخصاً يومياً، وهناك أناس يفطرون فقط على التمر ثم ينصرفون إلى بيوتهم ويكملون مع أسرهم، ثم يعودون بعد ذلك مع حلول صلاة العشاء.
ثم تأتي صلاة العشاء؛ وهي الصلاة الخامسة، وهذه لها برنامجها المتكامل المعروف الذي يبدأ بصلاة العشاء ثم السُّنة، ثم بعد ذلك التراويح 8 ركعات، يتوسطها درس أو خاطرة، ثم بعد ذلك الوتر والدعاء، وبالرغم من تأخر صلاة العشاء إلى قرب منتصف الليل أو يزيد، فإنه نظراً لكون الجو ساخناً وحاراً فالناس يقفون حول المسجد في الحدائق المجاورة له أو الفضاءات المتاحة حوله، يقفون حول المسجد لاحتساء القهوة وتناول الشاي، ويقيمون الحوارات والأحاديث، لفترة ما خاصة في يومي الجمعة والسبت؛ لذا كثيراً ما يجلس الناس على طاولات حول المسجد ويتحاورون بالساعة والساعتين، في هذا التوقيت وهذا الجو.. فهذا كل ما يتعلق بصلاة العشاء.
ومع كل هذه الأعمال الدعوية الخمسة المزامنة للصلوات الخمس، أيضاً يوجد في المنتصف بعض الفضاءات للأطفال والشباب، للعب والترفيه من خلال اليوم، فهذا جل ما تقوم به المؤسسات في إدارة موضوع ومضمون شهر رمضان من الناحية الدعوية.
- ·هل من اختلاف بين إفطارات رمضان في بلادنا العربية والدول الأوروبية؟ وما هي؟
– أغلب المراكز الإسلامية تقيم إفطاراً، وهو ما يسمى في مصر «مائدة الرحمن»، أما في أوروبا وإيطاليا فإنه يحدث فيها نوع من التنظيم الجيد، ونوع من التعاطي النفسي المغاير عن بلادنا، ففي بلادنا قد يكون الفقراء والمعوزون أو أبناء السبيل الذين يمرون في الطرقات مع أذان المغرب فيجلسون للإفطار عند أقرب مسجد فيفطر على أي شيء.
أما في إيطاليا فالأمر يختلف، حيث يتم تخصيص صندوق لتمويل نفقة إفطار الصائم في رمضان، وقد يشمل الصندوق المخصص لإفطار الصائم الأسر، فهناك أسر تنفق في شهر رمضان على الطعام والشراب 400 يورو؛ وبالتالي تقرر وضع 400 يورو في صندوق إفطار رمضان في المسجد، ثم تأتي الأسرة كل يوم لتناول الإفطار، وكذلك الشباب الذين ليس لديهم أسر، ويسكنون سوياً في شقة واحدة، يقومون بالتصرف نفسه، حيث يكونون في أشغالهم في أغلب النهار ولا وقت لهم لتجهيز الطعام، ويرجعون من العمل مجهدين، وهم ينفقون 200 يورو على الطعام والشراب، يأتون ويضعونها في صندوق الإفطار في المسجد؛ وبالتالي يأتون يومياً لتناول وجبة الإفطار.
كذلك يأتي للإفطار الذين لديهم مشكلات مالية، ونحن مسجدنا من المساجد المتوسطة، فبعض المساجد يصل عدد من يقومون بالإفطار فيها إلى 40 شخصاً، وهناك بعض المساجد التي يصل العدد فيها إلى 300 شخص، وبالعموم هذا ديدن معظم المراكز الإسلامية فيما يتعلق بمسألة إفطار رمضان.
- ·كيف تستقبل الأسرة المسلمة في إيطاليا شهر رمضان؟
– أما بالنسبة للأُسَر، تمر بالأمر نفسه، حيث يوجد فيها نوع من الاستنفار وإعلان حالة الطوارئ الأسرية، بحيث يكون هناك برنامج وجدول مغاير، وارتباط بالمسجد فيما يتعلق بهذا الأمر، والكل يتداعى إليه، وتجتهد الأسرة أن تكون على غير العادة؛ لأنه في المعتاد الرجال في أغلبهم موجودون، والشباب موجودون على فترات متقطعة، والنساء موجودات على فترات أقل، نظراً لطبيعة أعمال الجميع، لكن في شهر رمضان يحدث نوع من الاستنفار الأسري، بحيث يتواجد الجميع بالفعل، وعلى الأقل في الصلوات المسائية، مثل العشاء والفجر، في تلك الفترة تتواجد الأسر فيها وبكثافة، وكأن الليل أصبح نهاراً، وهذه حالة استثنائية موجودة بالنسبة للأسر المسلمة خلال شهر رمضان، إلى جانب التنوع في مسألة المأكولات والمشروبات، والثقافات المطبخية المختلفة، التي تميز مطبخاً عن مطبخ.
إضافة إلى كل ذلك، المراكز الإسلامية مع الأسر أيضاً تقوم بعمل يوم يطلقون عليه «اليوم المفتوح»؛ حيث يفتح المسجد أبوابه للجميع في شهر رمضان، أو للإفطار الجماعي، وليس المقصود هنا هو الإفطار الجماعي اليومي الذي ذكرته سابقاً، وإنما يقصد بذلك الإفطار الجماعي الذي تقوم فيه إدارة المؤسسة الإسلامية بدعوة غير المسلمين والمسلمين من الأفراد والأسر، إلى يوم مميز، غالباً يكون يوم سبت.
- ·على ذكر تنظيم المراكز الإسلامية ليوم إفطار جماعي يدعى له غير المسلمين.. هل تحدثنا عن تجربتكم في مسجد «الأمة»؟
– نحن في مسجد «الأمة» في ريجو إميليا، خصصنا يوم السبت العاشر من يونيو الجاري يوماً للإفطار الجماعي، يجمع المسلمين وغيرهم على مائدة واحدة، وأطلقنا عليه شعار «رمضان يجمعنا»، وقد دعونا فيه المحافظ ونوابه، والمجلس الاستشاري للمحافظة، ومدير الأمن، وأسقف الكنيسة، والجيران الإيطاليين، وتلاميذ ومعلمين ومعلمات أبنائنا في المدارس والأطباء في المستشفيات، ورؤساء المؤسسات والأحزاب، فضلاً عن دعوة التلفزيون والصحافة والمجلات، والحقوقيين والمسلمين الجدد، إلى جانب أسرنا المسلمة، لتكون هناك فرصة للتلاقي في هذا اليوم، مع تبادل بعض كلمات التهنئة والترحاب من الجميع خلال هذا اليوم، ويتم تغطية هذا التجمع إعلامياً، وهذا العمل تقوم به أكثر من 80% من المراكز الإسلامية، بالتنسيق بين القيادة الإسلامية في المركز الإسلامي وبين هذه الأسر التي ذكرتها آنفاً.