إنّ مشكلتنا ليست في ارتفاع الأسعار مع أذاها.
ولا في الضرائب اللامتناهية مع خطورتها.
ولا في مصادر الطاقة وكلفتها الباهظة.
ولا في الجمود والتحجر، ولا في الانفلات والتسيب والذوبان وهما الطامة.
إنّها ليست في أصحاب رؤوس المال على أهميتهم وهيمنتهم.
ولا في السياسة الاستعمارية، ولا في المكر الخارجي على خطورته.
ولا في العملاء الصغار أو الكبار فليس في العمالة صغير أو كبير.
وهي ليست في المحسوبية وتوارث المناصب وتدوير المنافع مع أنها مدمرة.
وليست في ذي الوجهين الذي إذا الريحُ مالت مال حيث تميل.
وليست في العقلية الفردية وحب الزعامة وإن كانت أساس التسلط والفشل.
ليست في الأنا المتضخمة على حساب المجموع العام.
إذن أين هي المشكلة؟ ومن أين تأتي؟
إنها أولاً في “الملح”!
وفي “السكر” بالدرجة الثانية!
نعم إنها في الملح وهو سبب مصائب الأمة.
نعم في الملح سيد الأغذية، ورأس الهرم وسيد السادات.
إنها في فسادِ الملح.. وهل يَفْسُدُ الملح؟
وهو الذي يحفظ المواد الغذائية من الفساد والتعفن فهو من أدوات الحفظ لغيره وليس من مواد الفساد.
لذا فإن حصل أنْ فسد فعلى البقية السلام.
إنه الملح والملح أنواع عديدة لكن أخطرها وهو ما أعنيه هنا إنهم العلماء، أو من يسمون بالعلماء في عرف الناس، أو من فرضوا على الناس فرضاً وحملوا اللقب.
العلماء في العادة يذهب إليهم المخطئون والجاهلون والحيارى والمقبلون على الله والمختلفون ليحسموا الأمر، ولينطقوا بالقول الفصل، والمخرج الآمن.
إنهم من يفترض أنهم ورثة الأنبياء عليهم السلام.
إنهم البوصلة والمرجعية عند الاختلاف أو التيه والاضطراب، بهم تعرف القبلة، وتحدد الاتجاهات ويحسم الخلاف.
واليوم وعندما نرى تلجلج العلماء فلا ينطق بعضهم إلا من هوى غيره ولو نطق من هواه لضل وأضل، فكيف إن نطق بهوى ولي نعمته أو تحت ضغط سيف نقمته؟ وبعضهم لا تدري أحي هو أم مات؟
أليسوا هم من علَّموا العامة أن لا اله إلا الله وأنه وحده الضار النافع، الرازق المانع، المحيي والمميت، وأجهدوا أنفسهم بالشرح ورفعوا أصواتهم مستنكرين جهلنا، فما بالهم أفشل الناس في سباق، وأجهلهم في علم، وأكثرهم مخالفة لما يقولون؟ وطالموا قرؤوا وفسروا “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ.
نعم إنهم يبرعون في اختلاق المعاذير وانتهاج التقيَّة، هذا إن كان بهم من الخير بقية، أو شبهة التزام ورقابة ذاتية.
ومع ذلك فهم الملح، وماذا نفعل إذا الملح فسد؟
وما أصدق من قال لهم دون مواربة:
يا معشرَ العلماءِ يا ملحَ البلد من يُصلحُ الملحَ إذا الملحُ فسد؟
ومن قال لهم: يا عابد الحرمين لو أبصرتنا لعلمت أنك بالعبادة تلعب؟ ويا ويل اللاعبين بالعبادة المسترزقين بالدين.
وقد حسم المسألة الإمام أحمد بن حنبل الذي لم يثبت معه سوى اثنين مات أحدهما في الطريق، والذي قال قولته الشهيرة التي ذهبت مثلاً: إذا سكت العالم تَقِيَّة والجاهلُ يجهل فمتى يظهر الحق؟ وقد وعظه القاعدون أن يقول كما يقول بقية “العلماء” بخلق القرآن فقال: أنظر لهذه الجموع إنها تنتظر ما يقول أحمد لتكتبه.
إنها الفاضحة هذه السنوات للجميع والكاشفة للعلماء أو من يتظاهرون بالعلم ولا يقومون بحقه، وبعضهم لا يكتفي بالسكوت وهو لا ينجيه، إنما ينطق بما يغضب الله والحق والضمير ويرضي ولي نعمته عله يعطيه بعض الفتات، وحسبنا الله ونعم الوكيل، وبعضهم يلوذ بالصمت طلباً للسلامة.
أين العلماء؟ أين أنت يا سعيد بن جبير، ويا أحمد بن حنبل، ويا ابن تيمية، ويا العز بن عبدالسلام، يا سعيد الحلبي الذي قلت: من يمد يده لا يمد رجله.
لن يأتي بجديد من قال: إنهم مُكْرهون، أو مهددون، بأرزاقهم وحرياتهم وهذا أمر طبيعي في زمن الانحراف، ومن هنا تأتي الحاجة لبيانهم ونطقهم ومواقفهم، وماذا عليهم لو لقوا في سبيل ذلك بعض ما علموه للناس وفسروه “أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ”، ألم يأخذ الله عليهم العهد في كتابه “وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ”، حسبنا الله ونعم الوكيل..
هذا هو الملح النافع والضار.. فما هو السُّكر؟