لقد سبق أن أوردنا قصة التاجر عبدالله بن خالد الخضير منفرداً في مقالة سابقة، وكذلك قصة التاجر يوسف العبدالهادي الميلم؛ حيث إن حفظ السمعة الحسنة للإنسان المسلم ضرورة تستوجبها الشريعة الإسلامية، كما أن الحرص على السمعة الحسنة بين الناس أمرٌ حسنٌ لا محذور فيه ولا رياء، ومن الأدلة على ذلك قول المولى سبحانه وتعالى في كتابه العزيز على لسان الخليل إبراهيم عليه السلام ﴿وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآَخِرِينَ﴾ وفيها دعوة إبراهيم عليه السلام بأن يجعل الله سبحانه وتعالى له ثناءً حسناً، وذكراً جميلاً.
وقد ضرب أهل الكويت الكرام أمثلة رائعة في الحفاظ على السمعة الحسنة، وهذا ما سوف نستعرضه في ذكر هذه القصة الواقعية، والتي توضح حرص التاجر الكويتي على حفظ سمعته.
وخلاصة القصة أن التاجر محمد الروضان رحمه الله وقيل روضان حمود الروضان رحمه الله “محسنون من بلدي” – الجزء السادس إصدار بيت الزكاة، ص 161-162 – (مستشار التحرير د. عبدالمحسن عبدالله الخرافي)، وقد أوردها الشيخ عبدالله النوري رحمه الله في كتابه “حكايات من الكويت” – ص 99-102، وقال معلقاً عليها: إن بطلها روضان حمود الروضان، وقيل: بطلها محمد الروضان، وهو من عائلة الروضان نفسها وابن عم الروضان بن حمود، رحم الله الجميع، كان جالساً ذات يوم مع بعض رفاقه، وبينما هم يتسامرون ويتجاذبون الحديث في جو من الود والصفاء، إذ دخل عليهم أعرابي، وتوجه بحديثه إلى محمد الروضان، طالباً منه أن يرد أمانته التي تركها عنده وقيمتها خمسة آلاف روبية! وكان يمثل مبلغاً كبيراً في ذلك الوقت.
أسقط في يد الرجل وألجمته الدهشة، إذ إنه لأول مرة يرى هذا البدوي، ولم يسبق له أن رآه ولا أن أخذ منه شيئاً، ترى ما الذي حدث؟ لا بد أن في الأمر لبساً، ولا بد أن هذا الرجل قد أخطأ طريقه، فكر محمد الروضان بسرعة، واتخذ القرار، ووجه حديثه للرجل بكل ثقة: “احضر غداً لتستلم أمانتك”!
وبالفعل استطاع محمد الروضان رحمه الله أن يدبر المبلغ بطريقة أو بأخرى، فحضر الرجل، فدفع إليه كيساً به الخمسة آلاف روبية، فأخذها الرجل وانصرف مسرعاً لا يلوي على شيء.
وبينما كان الرجل عائداً من حيث أتى استوقفه رجل في دكان، وسأله: ألست أنت الذي تركت عندي أمانة منذ كذا وكذا؟ فتذكر الأعرابي، وعلم أنه أخطأ في معرفة الرجل، وتذكر أنه فعلاً ترك الأمانة مع هذا الرجل في هذا الدكان وليس لدى محمد الروضان، فقال: نعم، فدفع إليه الرجل وديعته!
وتعجب الرجل مما فعله محمد الروضان وتساءل: كيف يحدث هذا؟ كيف يعطيني مالاً لم أعطه إياه؟ لا بد أن في الأمر سراً!
فعاد مسرعاً إلى محمد الروضان، ودفع إليه نقوده واعتذر عن خطأه أمام الجميع، هنا تعجب رفقاء التاجر محمد الروضان وجلساؤه وتساءلوا في دهشة: لماذا فعلت هذا؟ لماذا أعطيت الرجل مالاً لا يستحقه ولم تأخذه منه أصلاً؟ فأجاب الرجل إجابة تدل على ذكائه وحسن تقديره للأمور، وحرصه على سمعته بين الناس مهما كان الثمن، قال: لو أنكرت ما قاله الرجل، وقلت له: إنك لم تعطني شيئاً – وهذا هو الواقع بالفعل – ربما يصدقني بعضكم، وقد تشكّون فيّ، والشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم بالعروق، وأنا أحرص على سمعتي بينكم، فتصرفت وقمت بجمع المال بسرعة وأعطيته للرجل! فعجب الناس من رده الشافي ومنطقه البليغ وإجابته المقنعة.
وهكذا اشترى سمعته بماله.