أعرب العديد من الأطراف المهتمة بملف الإسلام والمسلمين في سويسرا عن بالغ استيائها من مطالب حزب الشعب السويسري المتشدد “بحرمان المسلمين من جميع حقوقهم التي يسمح بها القانون ويحميها الدستور”.
وفي هذا الصدد، أكد المتحدث الإعلامي باسم مجلس الشورى الإسلامي السويسري قاسم إيلي، اليوم السبت، أن المجلس “يندد بأقصى العبارات بهذه المطالب التي تقدم بها الحزب المحسوب على اليمين السياسي المتشدد ويحظى بأغلبية برلمانية تصل إلى 29%”، بحسب “كونا”.
وقال إيلي: إن “ما جاء في قائمة المطالب التي طرحها الحزب في 28 أكتوبر الماضي تتناقض جملة وتفصيلاً مع جوهر الدستور السويسري”.
وأضاف أن “مزاعم الحزب بأنه يريد مواجهة ما يصفه بأنه إسلام راديكالي مردود عليها، فهو لا يوضح تعريفه لهذا المصطلح، ثم إن قراءة متأنية لما جاء في القائمة تؤكد أنها تحظر كل ما يخص المسلم في حياته في هذا البلد.
وأوضح إيلي أن “المجلس ليس لديه أدنى شك في أن ما يصبو إليه الحزب هو حظر الإسلام في البلاد، متستراً وراء شعارات مثل مكافحة الإرهاب أو اتخاذ إجراءات ضد التطرف العنيف.
واستدل على ذلك بإعلان الحزب رغبته في فرض “منع اللحم الحلال والحجاب في المؤسسات العامة مثل المستشفيات والمدارس ورفض تأهيل الأئمة وحرمان المسلمين من الرعاية الدينية بما في ذلك أيضاً تلك المقدمة في الجيش أو السجون”.
وقال إيلي: إن المجلس “كان يتوقع من الحزب إعلان سياسة عقلانية واقعية تعتمد على الحوار مع الجالية المسلمة عوضاً عن المواجهة واستخدام أساليب القمع والإقصاء والتهميش”.
وأشار إلى أن الدستور السويسري يضمن بوضوح لا لبس فيه الحرية الدينية كأحد الحقوق الأساسية غير القابلة للتفاوض مثل مساواة الجميع أمام القانون وتمتع المقيمين والمواطنين على حد سواء بهذه الحقوق الأساسية بما في ذلك حرية ممارسة الأديان وحرية الضمير والمعتقد، “ومن ثم فإن حرمان المسلمين منها هو قمع وإقصاء”.
وأكد إيلي أن المجلس سوف يتخذ كافة الإجراءات القانونية لحماية المسلمين والحفاظ على حقهم في التعامل بمبدأ المساواة وضد كل محاولة لقمعهم وحرمانهم من حقوقهم الأساسية التي يضمنها الدستور والقانون.
وقال: إن المجلس يناشد النخبة المتعقلة في البلاد بالحديث علانية ضد هذا القمع والتمييز فقط بسبب الانتماء الديني.
كما انتقد إيلي صمت المكتب الاتحادي السويسري لمكافحة العنصرية تجاه هذه المطالب إذ كان من المفترض أن يعلن احتجاجه على تلك الأفكار بوصفها تؤجج الكراهية ضد الإسلام والمسلمين.
في المقابل، أشارت المسؤولة الإدارية للمكتب الاتحادي السويسري لمكافحة العنصرية جوليا بروغيني في تصريح لـ”كونا” إلى أن المكتب لا يدلي برأيه في برامج وأفكار تطرحها الأحزاب السياسية كما لا يقوم بتقييمها دستورياً طالما بقيت مجرد مطالب.
وأضافت بروغيني أن المكتب لا يمكنه أيضاً تحديد معنى “الإسلام الراديكالي” الذي قال حزب الشعب: إنه يسعى لمكافحته.
لكن المنظمة السويسرية لحقوق الإنسان (سويس هيومان رايتس) غير الحكومية أكدت على لسان مسؤولها الإداري في تصريح مماثل لـ”كونا” أن مطالب حزب الشعب ليست فقط مستفزة بل أيضاً دعاية لحزب يروج لكراهية الأجانب.
وأضاف المسؤول الإداري للمنظمة أليكس سوتر أننا ننظر إلى تلك المطالب على أنها غير بناءة بل وخطيرة من الناحية القانونية، ومن زاوية حظر حرية الدين والمعتقد، كما تؤدي مثل تلك الدعايات الحزبية إلى استقطاب مجتمعي.
وشدد سوتر على أن الحزب يسير في الاتجاه الخطأ إذا كان يقوم بتصنيف المسلمين الملتزمين بدينهم بأنهم راديكاليون إذ لم يقم الحزب إلى الآن بتحديد مفهوم “الإسلام الراديكالي”.
وعلى الصعيد السياسي، قال المتحدث الإعلامي باسم الحزب الاشتراكي السويسري ميخائيل زورغ في تصريح لـ”كونا” أن الحزب يأخذ المخاوف المثارة بشأن التطرف العنيف على محمل الجد ولكنه يرفض جملة وتفصيلاً كل تلك المطالب التي ينادي بها حزب الشعب.
ووصف زورغ هذه القائمة بأنها دعوة إلى صراع بين الثقافات وذات تأثير عكسي إذ يلتزم الحزب بالقانون والدستور اللذين يحددان ما هو مباح وما هو محظور.
ولفت المسؤول الحزبي إلى أن الحظر والمنع يجب أن يطالا الفئات المتطرفة العنيفة ولا ينبغي أن يطالا الإسلام كدين.
وبحسب زورغ، فإن سياسة الحزب في التعامل مع الهواجس السائدة بشأن التطرف العنيف الذي يتورط فيه مسلمون تعتمد على أربعة محاور أولها التعويل على رفض السواد الأعظم من مسلمي سويسرا لتلك الأفكار الداعية إلى العنف المتطرف.
أما المحور الثاني فيؤيد مبادرات بعض المقاطعات السويسرية مثل زيورخ وبازل ونيوشاتيل وفو للاعتراف بالإسلام كأحد الأديان السائدة فيها مثلما هي الحال مع الطائفة اليهودية، ومن ثم سيكون على المنظمات الإسلامية مسؤوليات والتزامات مثل ما سوف تكتسب أيضاً حقوقاً.
وأوضح زورغ أن المضي في هذه الخطوة يتطلب من المنظمات الإسلامية احترام القانون السويسري، وأن تحظى هياكل تلك المنظمات بتركيبة ديمقراطية واحترام المساواة بين النساء والرجال والشفافية في التعاملات المالية.
ويتناول المحور الثالث من خطة الحزب الاشتراكي السويسري إجادة الأئمة والوعاظ لإحدى اللغات الأساسية السائدة في سويسرا (الألمانية أو الفرنسية أو الإيطالية)، وأن يكونوا على دراية بالمجتمع السويسري والقوانين السائدة، ومن ثم يكون لهم دور في دعم اندماج الجالية المسلمة في البلاد مع إدراك الحزب لحقيقة أن أغلب الجمعيات الإسلامية ليس لديها الموارد المالية الكافية لتوظيف أئمة تعلموا في أوروبا.
أما المحور الرابع، فأوضح زورغ أنه يهتم بالوقاية من اعتناق أفكار العنف المتطرف التي يجب أن تتعاون فيها المؤسسات التعليمية والمهنية والأسرة والسلطات للحيلولة دون وقوع أي شاب أو فتاة في براثنها، وإلا تكون أولى خطوات المواجهة هي القمع والإقصاء والتي من شأنها أن تشجع على مزيد من التطرف العنيف.
وأشار زورغ إلى أن الحزب يهتم بإنشاء وحدات لتقديم الاستشارات في كيفية التعامل البناء والهادف مع مثل تلك الميول المتطرفة والتي يمكن أن تلجأ إليها عائلات الشباب أو المؤسسات التعليمية أو المهنية أو الأسرية.
وفي السياق ذاته، قال رئيس الكتلة البرلمانية لحزب الخضر السويسري بلاتهاسلر بلاتلي لـ”كونا”: إن مطالب حزب الشعب قمعية فضلاً عن كونها غير منطقية وتخدم أهداف الحزب في إثارة الرأي العام لصالحه من خلال سياسة وصم وتنميط جميع مسلمي سويسرا.
وأضاف بلاتلي أن مصطلح “الإسلام الراديكالي” الذي يروج له حزب الشعب مبهم، كما أنه لا يحمل أي مضمون ولا يمكن مهاجمة دين بأكمله تحت شعار مكافحة دعاة العنف والكراهية إذ تتم معالجة هذه الظواهر المرفوضة عبر الآليات القانونية المتاحة.
وأكد أنه لمن الحقائق الثابتة والمعروفة أن التعدد الديني هو أحد معالم المجتمع السويسري، وأن حرية اعتناق الأديان أحد الحقوق الأساسية التي تضمن الاستقرار المجتمعي.
وأشار إلى أن حزب الخضر يؤيد الاعتراف بالإسلام كأحد الأديان الأساسية السائدة في سويسرا ويدعم الخطوات التي بدأتها بعض المقاطعات السويسرية في هذا الصدد.
كما أكد أن أفضل سبل مواجهة التطرف العنيف التعاون المتكامل بين الجالية ومختلف المؤسسات وعلى صعد مختلفة.
وكان حزب الشعب السويسري طالب السلطات بعدم الاعتراف بالإسلام كأحد الأديان الرسمية في البلاد وحظر تأهيل الأئمة في البلاد والحجاب في جميع المؤسسات العامة ومنع اللحم الحلال.
جاء ذلك في ما وصفها هذا الحزب المحسوب على اليمين السياسي المتشدد بـ”بقائمة المطالب التي يجب على مختلف السلطات تحقيقها للتعامل مع الإسلام والمسلمين في البلاد” والصادرة في اختتام مؤتمر نواب الحزب الدوري بمدينة فراونفلد شمال شرق سويسرا يوم السبت 28 أكتوبر الماضي.
وتطالب القائمة المثيرة للجدل بمنح الشرطة السويسرية والمسؤولين جميع الصلاحيات لدخول المساجد في أي وقت ومن دون إحاطة مسبقة ومن دون أي شروط مع منع حصول المسلمين على إجازات لأسباب دينية.
ودعت القائمة السلطات بضرورة إغلاق جميع المساجد أو المؤسسات الإسلامية وحظر الجمعيات التي تروج ما وصفه الحزب بأنه “إسلام راديكالي” دون أن يوضح الحزب مفهوم هذا المصطلح.
كما أوضحت القائمة أن الرعاية الدينية للمسلمين أثناء تأدية الخدمة العسكرية أو في السجون يجب ألا تكون عبر وعاظ أو رجال دين مسلمين بل عن طريق اختصاصيين نفسيين.
وتشدد الوثيقة على ضرورة التزام القضاء والمسؤولين بالقوانين المعمول بها في البلاد وعدم السماح للمسلمين بالاحتكام إلى الشريعة في أمورهم بما في ذلك قضايا الأحوال الشخصية.
في الوقت ذاته، تطالب الوثيقة السلطات السويسرية بضرورة تشديد الرقابة على الحدود وعدم السماح لأي كان بدخول البلاد إلا بأوراق ثبوتية رسمية.
كما يطالب الحزب بضرورة التحفظ أمنياً على المجاهدين العائدين من القتال في مناطق الصراعات، كما يجب أن تحصل أجهزة المخابرات على كل الصلاحيات لمراقبة كل من تثبت عليه بوادر “الراديكالية الإسلامية” وسجن أو ترحيل من تثبت عليهم بوادر الميول إلى العنف مع قيام المخابرات بمراقبة جميع الأئمة العاملين في البلاد.
في الوقت ذاته، يطالب الحزب المؤسسات الإسلامية في البلاد برصد من تبدو عليهم مظاهر الراديكالية ودعاة التطرف والكراهية وإبلاغ السلطات عنهم لاتباع الخطوات اللازمة تجاههم.
وتمثل هذه الوثيقة منهج الحزب الذي يتمتع بأغلبية برلمانية نسبتها 29% في التعامل مع الإسلام والمسلمين في البلاد إذ نجح في فرض حظر على بناء المآذن في البلاد ويسعى لإقناع الرأي العام بفرض حظر على النقاب.
ويمثل المسلمون ثاني أكبر ديانة في سويسرا بعد المسيحية بمذهبيها البروتستانتي والكاثوليكي بحوالي 450 ألف نسمة أغلبهم من دول البلقان وتركيا.
ويضمن الدستور السويسري حرية المعتقد والأديان وممارستها؛ ما يجعل تلك المطالب الصادرة اليوم متناقضة بشكل واضح مع الدستور ومبادئ الحرية الدينية التي تتمتع بها جميع الأديان في سويسرا.