إن العلم نبراس كل مؤسسة، ورائد لكل أمة، وقائد أمين لكل جماعة، وحافظ لكل فرد أو مجموعة؛ به تُحفظ الحقوق وتُدار الأمور، وتُستثمر الطاقات، ويُعرف بالعلم المحظور والمشروع والخير والشر والحق والباطل؛ «بإنزال التجارب الدعوية والحضارية والإبداعية على الواقع، والتماس طريق محدد للتطوير التنموي والسياسي والاجتماعي، وطرح حلول لتعقيدات الزمن المعاصر، ولنشاط الدعوة في عالم متنافس، وبرؤى عريضة شمولية تكافئ انتقال الدعوة الإسلامية إلى امتدادها العالمي» (محمد أحمد الراشد، عبير الوعي).
إن المؤسسة الربانية لتحتاج إلى العلم النافع لتطوير الأداء وتنمية العاملين بأحدث ما توصل إليه العلم الحديث؛ فمن لا علم له ولا فقه لديه يُفسد أكثر مما يصلح، بل وتتوقف عجلة التنمية عنده لفساده واستبداده (وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ {205}) (البقرة).
وبالعلم تحقق المؤسسة العدل والميزان بين منتسبيها وروادها؛ فترفع المُجدّ وتكافؤه، وتقوي الضعيف وتنصحه، وتفتخر بالمتميز وتكرمه، وتوحد معايير التكريم والتميز والمكافآت المالية والأدبية وفيما يخص المناصب والدرجات، (وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ {9}) (الرحمن).
والعلم النافع في المؤسسة الربانية إنما هو غيث يتزود منه الأفراد عبر العلماء الربانيين الذين يُحسنون قيادة أنفسهم وذواتهم؛ فيكون الإبداع والتميز والإنجاز في أرض الواقع؛ واقع المؤسسة وواقع دنيا الناس؛ «فسفيان الثوري ما صار إماماً في التربية والزهد إلا بعد أن لمس الناس سعة علمه ودقة فراسته وصفاء قلبه وبشكل استثنائي يرتفع عن النموذج السائد بكثير، وكان ذلك شأن الحسن البصري قبله، في عشرات من المصلحين، وصلاح الدين إنما انتصر بهيبته ومروءته وسيماء العدل والإخلاص قبل أن ينتصر بسيفه، والقيادي في الدعوة الإسلامية شأنه شأن القدماء، لن ترجحه الخطط مهما كانت مُحكمة متقنة ما لم يتقدم لتنفيذها بنفس منفتحة، وروح طموحة، وقلب ثابت واسع نقي، وعلم بالواقع يظاهر علم الشرع ودلائل الإيمان، والإنجازات الكبيرة تنطلق من إنجاز روحي، ومن مذهب، وسويعات تفكر قرب محراب، والعَزَمات تقود النهضات» (محمد أحمد الراشد، رؤى تخطيطية).
إن سعي أفراد المؤسسة لنيل رضا الله سبحانه وتعالى في سكناتهم وحركاتهم وغدوهم ورواحهم هو الذي يجعل البركة الربانية والسكينة الإيمانية تظللان المؤسسة الربانية، وهذا الذي يجعل قلوب الناس تهفو إلى هذه المؤسسة الرائدة التي تحفظ كبارهم بالوعظ وشبابهم بالعلم وصغارهم بالتوجيه وتحيط الجميع بالرعاية والتربية وصدق الله: (وَلَـكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ {79}) (آل عمران)؛ «كونوا علماء عاملين مربين للناس مصلحين لأمورهم بسبب تعليمكم الكتاب المنزل للناس، وبما كنتم تدرسونه للناس حفظاً وفهماً» (جماعة من علماء التفسير، المختصر في تفسير القرآن الكريم).
بربانية العلم يقترب طلابه من الجنة؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «من سلك طريقاً يطلب فيه علماً، سهّل الله له به طريقاً من طرق الجنة، ومن أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه» (مسلم، 2699).
والمؤسسة الربانية قريبة دائماً من الفقه والفقهاء، تنهل من معين علمهم، وتنال من فيض فهمهم، فهي تخوض في بحار الخير دائماً، ولا تغرق في وحل الشبهات والحرام، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «من يرد الله به خيراً يفقّهه في الدين» (البخاري، 71).
وبالفقه تتحسن الأخلاق مع عظيم أداء العبادات؛ يقول الرسول
صلى الله عليه وسلم: «خيركم أحاسنكم أخلاقاً إذا فقهُوا» (البخاري، 5688).
ثمار ربانية العلم في المؤسسة:
– بناء المؤسسة على تقوى من الله من حيث الأنظمة واللوائح.
– استمرارية النجاح والتجديد.
– المرونة في التعامل مع الخطط.
– سمو أخلاق الأفراد وتميزهم.
– قيادة الناس نحو الخير والسعادة.
– تقليل الاختلاف والنزاع.
– القضاء على الفراغ والاشتغال بالخير.
– التوجه نحو البناء والتربية.
والحمد لله رب العالمين.