قبل شهر أتممت 64 سنة وفقاً لشهادة الميلاد، و65 وفقاً لتقدير صديق الوالد العم د. صالح العجيري، حفظه الله، اشتغلت في العمل النقابي منذ عام 1972م، ومارست العمل السياسي، وما زلت، منذ عام 1983م، وخلال السنوات الأربعين الماضية وأنا أكتب في المجلات الفصلية والدورية ثم الصحافة اليومية، حتى العمل الاجتماعي، من خلال رئاستي رابطة عبس العالمية اشتغلت به منذ عشر سنوات، وطوال هذه المراحل لم أشعر بالإهانة والحرج وانكسار النفس كما شعرت بعد تصريح الرئيس الأمريكي دونالد ترمب عن سحب قواته من سورية، ما لم تدفع دول الخليج تكاليف تواجدها هناك!
كلنا نعلم أن ما يحدث في سورية لا يخص بالدرجة الأولى ولا العاشرة دول الخليج، بل هو شأن سوري وعربي وإسلامي في العموم! وتخصيص الدول الخليجية بتصريح ترمب لا مبرر له إلا ابتزاز واستغلال حماية الغرب لبعض الدول الخليجية منذ عقود طويلة!
كما أن الجميع يدركون أن وجود القوات الأمريكية في سورية «زي قلتها»، وأنها لم توجد لا لإسقاط الأسد ولا لحماية المدنيين، الذين يُذبحون كل يوم بدمٍ بارد من القوات الروسية وقوات النظام هناك، كما أن وجودها لم يقلل من سيطرة القوات الإيرانية على العراق وسورية ولبنان!
إذاً ما الذي جنته دول الخليج من وجود قوات خاملة في سورية لا عمل لها إلا إطلاق صواريخ على مخازن فاضية وخالية من الرجال والعتاد والذخيرة؟!
هل يقصد ترمب أن وجود قواته في سورية يمنع إيران من التدخل في دول الخليج؟! لا أظن ذلك، وإلا لقال: سأسحب قواتي من قواعدها في دول الخليج وألغي الاتفاقيات الأمنية معها! لكنه لم يقل ذلك ولا يستطيع فعل ذلك، لأن مصالح أمريكا الحقيقية أن يكون لها حضور قوي في الخليج يحمي مصادر الطاقة ويمنع وصول إيران وروسيا إليها، كما أن مغادرة القوات الأمريكية المنطقة ستجعل دولة الصهاينة في مرمى الهاون الإيراني وعناصر «القاعدة»، وهذا ما لا يجرؤ أي مسؤول أمريكي، حتى على التفكير فيه.
الشيخ علي جابر العلي ذكرنا في تغريدة له قبل يومين بحادثة الحماية لناقلات النفط الكويتية أثناء حرب الخليج الأولى بين إيران والعراق، عندما وضعت أمريكا شروطاً تعجيزية لحماية ناقلاتنا فاضطررنا إلى الاتصال بالروس، وفعلاً قبل أن تنزل طائرة وزير النفط الكويتي مطار موسكو كانت الموافقة الأمريكية على المطالب الكويتية قد وصلت إلى الكويت!
الإدارة الأمريكية تريد أن تستغل طيبة بعض المسؤولين في بعض الدول الخليجية وبساطتهم وتتوقّع منهم الموافقة المباشرة على طلبات العم سام، ومع الأسف، وبدلاً من أن نسمع ردّاً قويّاً يحفظ كرامتنا كخليجيين ويبيّن للآخرين أننا مع صغر حجم دولنا وضعف إمكاناتنا البشرية، فإننا أقوياء بتلاحمنا ووحدتنا وتكاتفنا! لكن هل هذه هي الحقيقة، وهذا هو الواقع؟! هل نحن فعلاً دول متلاحمة في وجه المخاطر التي تحدق بنا؟ يبدو أن واقعنا السيّئ جرّأ الآخرين ليستغلوا هذا الضعف وهذا التفكّك كي نخضع للابتزاز الممارس علينا! ولكن السؤال: إلى متى سنظل أسيرين لكارثة الثاني من أغسطس 1990م؟! متى نتحرر نفسياً من هذا المرض؟! أسئلة تحتاج إجابات كبيرة.
يُنشر بالتزامن مع صحيفة “القبس” الكويتية.