إن رسالة المربي اليوم ليست تهذيب السلوكيات فقط أو ترميم الجوانب التي بها نقصان -وإن كان كل هذا مطلوباً-، لكن الأصل هو الانصياع لما أمر به الله ورسوله، والمربي الواعي هو ذلك الذي يدرك حديث صاحب الرسالة الأعظم صلى الله عليه وسلم: “مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرّقوا بينهم في المضاجع” (رواه أبو داود في سننه).
والصلاة عماد الدين، وصلاح الأمة مرهون بإقامتها، وهي الركن الثاني بعد التوحيد، ولا قيمة لتربية مهما كانت متطورة دون التذكير بها.
إن أولادنا هم فلذات الأكباد وثمرة الفؤاد ومقلة العيون، والحرص عليهم والحب لهم يدفعان حتماً للأمر بالصلاة وإقامتها، والمصاحبة معهم إلى المساجد، ولما كانت الحرب على دين الله شديدة، والسعي لتنشئة جيل ممسوخ الهوية مطموس الفكر مسلوب الإرادة مشوش العقل، كان لزاماً أن تستنفر الأمة المسلمة -بيتاً ومجتمعاً- وتنظم طاقاتها للوقوف في وجه كل الهجمات الغربية، وأول خطوات الوقوف الصامد هو تحبيب الأبناء في الصلاة، وما يتبعه من غرس قيم وسلوكيات فاضلة، وذلك عن طريق الآتي:
أولاً- حقق الأذان:
إننا مع أول رؤية للطفل فور خروجه لعالم الدنيا نحتضنه ثم نؤذن في أذنه اليمنى، ونقيم الصلاة في اليسرى، وهذا إعلان بالتوحيد، وأن الفطرة النقية للطفل منبعها التوحيد، وعليه فتحقيق الأذان ورؤية المؤذن واقع مهم في هذا الجانب، لذلك فحتمية أن يأخذ الوالد طفله للمسجد مع بداية سيره أو حتى قبل ذلك، فيحمله معه، تلك صيانة مبكرة وحماية مهمة في حياة الطفل لن ينساها.
ثانياً- المكافأة والمدح:
إن الإنسان -كان وما زال- يهوى المدح، ويحب أن يمتدح، وتميل نفسه إليه، فما بالكم بالصغير، فإنه يكون في أزهى أوقاته السعيدة إذا امتدح وخصوصاً أمام أقرانه، فإن ذلك طاقة إيجابية نصدرها له، ينتج عنها مزيد من الانصياع والاستقرار النفسي، ولا ضير أن يعلن الأب عن جائزة لمن يحافظ على الصلاة، فإن هرول اليوم سعياً في النيل بها، فمع مرور الأيام ستتحول لعبادة، وميل نفسي وعاطفي، واستقامة حقيقة؛ لينشأ الشاب في طاعة الله.
ثالثاً- كن قدوة:
إن الكثير من الأبناء عندما تسألهم: ما سبب ترككم للصلاة؟ يكون الجواب الصادم: لا أحد يصلي عندنا في البيت، فالوالد مشغول، والأم مشغولة، ولم نرهما يوماً يصلون إلا في رمضان أو الأعياد!.
وهنا تكمن الكارثة التي يجب أن ينتبه إليها الجميع، وفي القلب الوالدان، فالحذر أن تطالب ابنك بالصلاة في الوقت الذي أنت لها تارك، فتكون من الذين يأمرون بالمعروف ولا يفعلونه، وينهون عن المنكر ويأتونه، وهذا جرم لو تعلمون عظيم.
لذلك فالأب القدوة طوق نجاة لأولاده في الدنيا، وبحسن تربيته لهم يكون كذلك يوم القيامة. وصدق الله حين قال: {وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافاً خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولاً سديداً} [النساء: 9]، وأعظم التقوى هي الصلاة والقدوة الصالحة.
رابعاً- السرد القصصي:
إن الأبناء في سن التعلم لديهم شوق وحب للقصص، وكثيراً ما ينامون على قصص الأطفال أو قصص الأنبياء، فتحكي الأم أو الأب قصة مشوقة يتفاعل معها الصغار حتى تغمض أعينهم، وهذا شيء إيجابي شريطة أن يكون فيه صدق ورسالة قصصية، ونحن المسلمين -والحمد لله- لدينا الآلاف من القصص الحقيقية لأبناء وشباب وأبطال ونساء الإسلام، لو تم سردها سنصحح مسار الأطفال من التعلق ببعض الشخصيات التافهة إلى الاقتداء بالصحابة والسلف الكرام، لذلك فالوالدان مطالبان بفهم هذه السير واستخلاص المناسب، وقصّها للأطفال وربطها بالصلاة.
خامساً- تعظيم دور المسجد:
بلا شك يغدو الطفل مع أبيه ويعود، فيرى المسجد عامراً كبيراً شامخاً بمئذنته، فيحدثه أبوه عنه ودوره، وكيف أن هذا البنيان هو من أسباب الوصول إلى الله وجنته ونعيمه “بأسلوب مبسط”، والسبب في ذلك ربط القلب به، وتعلقه فيه مبكراً أو على الأقل حب هذا المكان، كالحديث عن كونه انطلاقة لخروج كبار الرجال والأبطال، الذين فتحوا العالم ودانت لهم الدنيا بفعل حبهم وقربهم من ربهم عبر الطاعات والأعمال الصالحات.
ختاماً..
هذه أسباب بسيطة في الإمكان تتناسب مع الأسرة هذه الأيام، عبر جو بسيط من الأعمال والجهد غير المكلف، فالأب راعٍ ومسؤول عن رعيته، وعليه أن يتقي الله فيهم، ويعلمهم ويريبهم وفق مراد الله ومراد رسوله، وإلا فسيحتاج الأبناء آباءهم يوم القيامة أمام الخلائق، ولسان حالهم يارب إن أبانا لم يعلمنا الصلاة، أو يذهب بنا إلى رحابك، وعندها يكون العقاب والجزاء أليم، فبادر أيها الوالد فلا زال في الوقت متسع.
—-
* المصدر: بصائر تربوية.