كيف استفاد مسلمو إثيوبيا من فرص التغيير والتحولات الكبرى في البلاد لتحرير المجلس الأعلى الإسلامي الإثيوبي؟
لقد تحرر المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية الإثيوبي من قيود وسيطرة الدولة الذي بدأ منذ تأسيسه بمبادرة ودعم من نظام منجستو هيلا مريام في منتصف السبعينيات من القرن الماضي؛ بهدف خلق توازن في القوى بين مسلمي ومسيحيي إثيوبيا بعد سقوط النظام الملكي الإثيوبي ورحيل الملك هيلا سيلاسي، آخر ملوك إثيوبيا، وبذلك فقدت الكنيسة الأرثوذكسية سلطتها السياسية على الحكم الذي حكمت به لقرون.
منذ تأسيس المجلس الأعلى الإسلامي كان يخضع إلى السيطرة الكاملة من قبل الحكومات المتعاقبة في عصر منجستو وانتهاء بعصر الائتلاف الحاكم في إثيوبيا منذ وصوله إلى سدة الحكم بعد سقوط نظام منجستو في مايو 1991م.
وبالرغم من أن فكرة تأسيس المجلس الأعلى جاءت بمبادرة نظام منجستو، فإن قيادات مسلمي إثيوبيا آنذاك استحسنوا الفكرة ووافقوا عليها من باب التقاء المصالح المشتركة بين مصلحة نظام منجستو السياسية في كسب تعاطف المسلمين لنظامه وبين مصالح مسلمي إثيوبيا بأن يكون لهم كيان إسلامي يمثل هويتهم الإثيوبية الإسلامية.
إذاً ولادة المجلس الأعلى الإسلامي كانت ولادة قيصرية في بدايتها ونشأتها ولكنها كانت غاية في الأهمية.
وبعد مسيرة طويلة من محاولات التحرر قرابة 50 سنة من سيطرة الدولة الإثيوبية، تحرر المجلس يوم الأربعاء الموافق أول مايو 2019م، والآن يولد المجلس من جديد ولادة طبيعية وليست ولادة قيصرية كما ولد أول مرة قبل 45 عاماً.
هذا الميلاد الجديد أو البعث الجديد للمجلس بدأ منذ تولى د. آبي أحمد رئاسة الوزراء بإثيوبيا عندما بادر بتشكيل لجنة تساعية (من تسعة أعضاء) في يونيو 2018م لتبدأ مسيرة الإصلاح من قبل اللجنة التي نجحت نجاحاً كبيراً في تحقيق هذه النقلة النوعية للمجلس الأعلى الإسلامي ليس فقط في إصلاحه، بل في إبداعها في تأسيس هيئة العلماء كمؤسسة إسلامية مستقلة بحماية القانون والدستور الإثيوبي الذي سوف يصادق عليه البرلمان الإثيوبي فيما بعد، وكذلك تطوير هيكلية المجلس حتى يتناسب مع تطلعات مسلمي إثيوبيا.
بعد مسيرة نصف قرن من القيود الداخلية والسيطرة من قبل الدولة الإثيوبية سابقاً تحرر أخيراً المجلس الأعلى الإسلامي في عصر الحريات والتحول الديمقراطي والإصلاح السياسي الذي تمر به إثيوبيا حالياً بقيادة د. آبي أحمد للحكومة الجديدة في إثيوبيا، التي تتبنى رؤية جديدة تتمثل في المصالحة الوطنية وتصفير المشكلات داخلياً وخارجياً.
إنها إثيوبيا جديدة تتطلع إلى أن يسود السلام والديمقراطية في إثيوبيا والقرن الأفريقي كله.
إن الميلاد الحقيقي والطبيعي لا يكون إلا في عصر الحرية واستقلالية القرار.
ماذا خسر الإثيوبيين؟ وماذا خسرت إثيوبيا بسيطرتها على المجلس الأعلى الإسلامي لعقود؟
خسرت الكثير في الماضي، ومن أهم الخسائر الثقة في الحكومات المتعاقبة ونهضة إثيوبيا اقتصادياً وثقافياً اجتماعياً وسياسياً والتواصل مع العالم الإسلامي الذي كان سيفتح فرصاً كثيرة ومكاسب متعددة الفوائد كانت ستساهم في نهضة إثيوبيا.
ولكن إثيوبيا في عصر الحريات ستكسب الكثير، ومن أهم مكاسبها: التحرر والاستقلالية وحقوق الإنسان والمساواة والعدل والاحترام المتبادل والتعايش السلمي بين المسلمين والمسيحيين وغيرهم، وكل هذه المكاسب أساس النهضة الشاملة من خلال بناء الجسور مع العالم الإسلامي الذي سيفتح نوافذ الخير على إثيوبيا وكل الإثيوبيين بإذن الله.