يعد الوقف من المؤسسات غير الهادفة للربح، وإن كان في الوقت نفسه تبدو أهمية قيامه بمشروعات استثمارية ذات جدوى اقتصادية واجتماعية عالية تسهم في تلبية احتياجات المجتمع التنموية، وتحقق من وراء ذلك عوائد توجه نحو مصارف وقفية تلبي أيضاً احتياجات المجتمع التنموية؛ من صحة وتعليم وبحث علمي وبُنى تحتية.. وغيرها، في ظل مسؤولية الوقف الاجتماعية.
نظراً لاعتماد الصرف لتنفيذ شروط الوقف على عائد الوقف لا على أصله، ومع ما يشهده الواقع من عجز عائد الوقف عن الوفاء بتنفيذ شروط الواقف بسبب تدني العائد، فإنه (الوقف) أصبح يعاني من عدم قدرته على تحقيق أهدافه التنموية المأمولة للمجتمع.
وهذا يتطلب تقديم صيغة جديدة للتمويل بالوقف، من خلال تأسيس شركة وقفية تأخذ شكل الشركة المساهمة العامة تطرح أسهماً وقفية للاكتتاب العام، وتستخدم أصولها الموقوفة في مشروعات ذات جدوى اقتصادية واجتماعية مربحة، تمكنها من توزيع ما تحققه من عائد على مصارف وقفية تنموية في مجالات متنوعة.
والشركة الوقفية وفق الصورة المقترحة تمارس نشاطها لتحقيق الربحية من جانب، ومن جانب آخر تسعى لاستخدام عائدها في المصارف الوقفية؛ لذا فإن إجراءات تأسيس الشركة الوقفية سوف يرتبط بقانون الشركات العام من جهة ممارسة نشاطها الربحي، ومن جهة أخرى بقانون الشركات غير الربحية من جهة نشاطها غير الربحي (الخيري)، بتوجيه عائد الشركة الوقفية للمصارف الوقفية.
ويتمثل أطراف التعاقد في الشركة الوقفية في: المؤسسين، والمكتتبين، والمستفيدين، وتتحقق فيها أركان الوقف من: واقف، وموقوف، وموقوف عليه، وصيغة.
والنظارة في الشركة الوقفية هي نظارة مؤسسية؛ فالواقفون (المساهمون) هم من يختارون ناظر الوقف (مجلس الإدارة)، وكون مجلس الإدارة يتكون من مساهمين ومستقلين، يتم انتخاب رئيس مجلس إدارة منهم، يتفق مع نظرة الفقهاء لناظر الوقف باختياره (ناظر الوقف) منهم ومن غيرهم من المستقلين.
تحديات وحلول
ومن الصعوبة بمكان تداول الأسهم الوقفية، لما يترتب على اشتراط الواقف الرجوع عن وقفه أو بيعه من بطلان، وصعوبة التطبيق العملي للاستبدال، وما ينشأ عن ذلك من فتح باب المضاربات، وعدم استقرار وتطور الأوقاف، والتنافس غير المحمود فيما بينها.
ويمكن للشركة الوقفية إعادة النظر في أصولها التي لا يندرج عليها عائد ملائم، وعمل دراسات الجدوى اللازمة لإبدال واستبدال تلك الأصول، سواء أكانت ثابتة أم متداولة، بما يحقق هدف الوقف في حفظ أصوله، وتوليد أرباح تفي باحتياجات المصارف الوقفية، على أن يتم الإبدال والاستبدال بموافقة أو تفويض الجمعية العامة لمجلس الإدارة، حيث يبين عقد الشركة الوقفية ونظامها الأساسي مدى حدود سلطة مجلس الإدارة في الإبدال والاستبدال.
ويتعذر في الشركة الوقفية بصورتها المقترحة أن ينتفع المساهمون الواقفون بعائد أو ريع وقفهم، إلا إذا كان موجهاً للمنافع العامة من بناء طرق عامة، أو جسور، وغيرها من مشروعات البنى التحتية.
وتتسع دائرة صرف عائد الشركة الوقفية لغير المساهمين وفقاً لما هو محدد بعقد الشركة الوقفية والنظام الأساسي من طلاب العلم والعلماء، وتبني الطلبة المتفوقين، ومعالجة المرضى، لا سيما ذوي الأمراض المزمنة والخطيرة، وتأهيل الفقراء والمساكين والعاطلين مهنياً، وتوفير فرص عمل لهم، أو توفير مشروعات صغيرة أو متناهية الصغر توفر لهم الحياة الكريمة، فضلاً عن الإسهام بفعالية في سداد ديون الغارمين من رجال الأعمال وإعانتهم على إعادة نشاطهم.
وفي الوقت نفسه، يمكن استفادة المساهمين وغير المساهمين من الخدمات التي توفرها الشركة الوقفية، فيمكن منح المساهمين في الشركة الوقفية مزايا ممثلة في خصومات على الخدمات التي تقدمها، أو المنتجات التي تنتجها الشركة الوقفية، وكذلك يمكن استفادة غير المساهمين من خدمات الشركة الوقفية في حال كونهم ضمن مصارفها الوقفية المحددة، أما غير المساهمين الذين خارج دائرة المصارف الوقفية للشركة، فيمكنهم الاستفادة من خدمات ومنتجات الشركة الوقفية بأسعارها المعروضة.
وترتبط معالجة الخسائر في الشركة الوقفية بإجراءات تتم قبل توجيه الشركة الوقفية استثماراتها، وبعدها؛ فقبل توجيه الشركة الوقفية لاستثماراتها، ينبغي عمل دراسات الجدوى المتكاملة والدقيقة، والموازنة بين العائد والمخاطر والسيولة والتنمية، مع القدرة على تنويع المخاطر، وبعد دخول الشركة الوقفية في عمليات استثمارية وتحقيق أرباح، ينبغي أن تعمل على تكوين احتياطيات لمواجهة الخسائر المتوقعة، كما يمكن مواجهة الخسائر المحققة فعلاً من خلال طرح أسهم وقفية جديدة لتغطية تلك الخسائر، سواء اكتتب فيها المساهمون أو مكتتبون جدد.
ولما كان الأولى وفقاً لفقه الواقع الميداني أن يكون الوقف مؤبداً، فإنه في حالة تصفية الشركة الوقفية يتم صرف أموال التصفية في «وجوه الخيرات»؛ فملكية الوقف سواء أكانت للواقف أم الموقوف عليه في كل الأحوال هي ملكية مقيدة ناقصة.
وختاماً، فإنه من الأهمية الاستفادة من فكرة الشركة القابضة، في إنشاء شركات وقفية قابضة، تمتلك التنوع في أنشطتها الاستثمارية من خلال شركاتها الزميلة والتابعة.
_____________________________
(*) أستاذ التمويل والاقتصاد بجامعة إسطنبول صباح الدين زعيم
ورئيس الأكاديمية الأوروبية للتمويل والاقتصاد الإسلامي