حقق حزب بريكست في بريطانيا، بزعامة زعيم حزب الاستقلال السابق وأحد أقطاب حملة الخروج من الاتحاد الأوروبي «نايجل فاراج»، فوزاً مثيراً، وحصد 32.84% من الأصوات.
وفي فرنسا، فاز حزب الجبهة الوطنية الذي تقوده «ماري لوبان» بنسبة 23.31% من الأصوات، متقدماً على حزب الجمهورية للأمام بزعامة الرئيس الفرنسي «مانويل ماكرون»، الذي حقق 22.41% من الأصوات.
وفي إيطاليا، حصل حزب ليغا اليميني المشكك بالاتحاد الأوروبي بزعامة «ماتيو سالفيني» على 33.64% من الأصوات، كما تقدم زعيم الحزب المجري القومي اليميني في هنغاريا، الذي حصل بدوره على 52.14% من الأصوات في بلاده.
وفي ألمانيا، نجح حزب البديل المتطرف في زيادة حصته من الأصوات إلى 11%، وإن فشل في تحقيق اختراق، على غرار رفاقه عبر القارة.
ويرى بعض المراقبين أن صعود هذه الأحزاب، الذي يعتبر ضربة قوية لمشاريع الوحدة الأوروبية، أمر متوقع في ظل الأزمات التي تعاني منها أوروبا على أصعدة كثيرة، ولعل أهمها الأزمات الاجتماعية التي تفسر هي الأخرى انتشار ظاهرة الاحتجاجات العنيفة في كثير من الدول الأوروبية على غرار فرنسا واحتجاجات «السترات الصفراء».
هذه الحصيلة الكارثية للقارة العجوز، يضاف إليها خروج بريطانيا المتوقع من الاتحاد الأوروبي، بعد فشل رئيسة الوزراء السابقة في تحقيق البقاء داخل البيت الأوروبي، تعمق من الأزمة التي تعيشها دول الاتحاد، وتطرح الكثير من التساؤلات حول مستقبله.
تصعيد خطاب الكراهية
ومن جهة أخرى، طرحت جملة من الأسباب التي دفعت إلى تصاعد الشعبويين والخطاب اليميني المتطرف في أوروبا، ويقف على رأسها التدفق الهائل للاجئين خلال السنوات القليلة الماضية، خاصة من دول عربية مزقتها الصراعات.
وقد كان للدعاية المضادة للمهاجرين في القارة العجوز أثرها على الناخبين في الدول الأوروبية، وما رافق تلك الدعاية من أجواء ساعدتها على تعزيز خطابها اليميني، وهو ما برز جلياً في ألمانيا.
وقد عمل التيار المتطرف على تصعيد خطابات الكراهية ضد المهاجرين، مبرراً ذلك بأن الكثير منهم قد هاجروا لأسباب اقتصادية وليست أمنية، مما أسهم في تراجع التعاطف الشعبي معهم.
كما ضرب الشعبويون أيضاً على وتر الهوية الثقافية، وتخويف الأوروبيين من توافد أعداد هائلة من العرب والمسلمين وتأثيرهم على الهوية والثقافة الأوروبية، مروجين لدعاية أنهم أتوا لـ»أسلمة» أوروبا، وقد تبدى ذلك جلياً في تصريحات قادة الأحزاب اليمينية، مثل تغريدة رئيس حزب الرابطة الإيطالي، المعادي للمهاجرين، التي تقول: «لا لأورابيا»؛ أي «أوروبا عربية»، وقول رئيس الوزراء الهنغاري: «يجب أن نفهم أن أوروبا وصلت إلى مفترق طرق تاريخي، فمن يرحب بالمهاجرين واللاجئين غير الشرعيين، فإنه يخلق شعوباً بأعراق مختلطة، وفي هذا النوع من البلدان تنتهي التقاليد التاريخية وينشأ نظام عالمي جديد».
وبهدف التعرف على دقة هذه التوجهات الحزبية ذات الصوت العالي، ومدى تعبيرها عن المزاج العام في الأقطار الأوروبية، سنعرض هنا بعض نتائج استطلاعات الرأي العام، التي وإن لم تتعرض بشكل مباشر لحجم التأييد الشعبي لأحزاب اليمين المتطرف، إلا أنها قد قدمت مقاربة لمستوى الميل نحو الطروحات التي تبنتها هذه الأحزاب:
1- استطلاع «الاتحاد الأوروبي يواجه تحديات ضخمة: ما توقعات واهتمامات المواطنين؟»، الذي أجرته مؤسسة «FRIEDRICH-EBERT-STIFTUNG”، عام 2016م، في 8 دول أوروبية؛ هولندا والسويد وفرنسا وألمانيا وسلوفاكيا وإسبانيا وإيطاليا والتشيك، وسيشار إليه باستطلاع “FES”.
2- استطلاع “ما رأي جيل الألفية في مستقبل الاتحاد الأوروبي واليورو؟”، في 28 دولة أوروبية، عام 2016م، الذي أجرته “eupinions”، وهي منصة مستقلة للرأي العام الأوروبي، تقوم بجمع وتحليل والتعليق على ما يفكر فيه الجمهور الأوروبي حول القضايا السياسية الحالية والتوجهات الكبرى، وسيشار إليه باستطلاع “EUO”.
وفيما يخص استطلاع “FES”، تشير النتائج، التي صنفت الوزن النسبي لأولويات الاتحاد الأوروبي لمواطني الاتحاد الأوروبي، إلى أن مواجهة تدفق اللاجئين هي الأولوية الأولى بين القضايا الأخرى، ثم تأتي البطالة في المرتبة الثانية.
وبالنظر إلى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وعند سؤال المستجيبين عن مزايا وعيوب عضوية بلدانهم في الاتحاد الأوروبي، وجد أن 34% في المتوسط يرون أن “العيوب تفوق المزايا”، ووصلت النسبة في جمهورية التشيك إلى 44% بشأن هذه المسألة، على حين كانت في إسبانيا 22% فقط.
وعند سؤال المستجيبين عما إذا كانت الروابط مع الاتحاد الأوروبي تشكل فرصة أو مخاطرة، فقد رأى 44% في المتوسط أنها مخاطرة، ووصلت النسبة في جمهورية التشيك إلى 57%، في مقابل 36% فقط في إسبانيا.
وفي الأسئلة مباشرة، تم سؤال المستجيبين عن إمكانية تصويتهم للأحزاب اليمينية، وقد أظهرت النتائج أن هذه الأحزاب تمتلك زخماً انتخابياً مميزاً، ينقسم بدوره إلى ثلاث مجموعات:
– المواطنون الذين يفضلون صراحة الأحزاب القومية اليمينية، وسيصوتون لها أيضاً في الانتخابات.
– المواطنون الذين يفضلون بالفعل حزباً آخر، لكنهم سيصوتون لصالح الحزب اليميني في حالة غياب حزبهم المفضل.
– وفي النهاية، أولئك الذين يمكن أن يتخيلوا نظرياً التصويت لحزب شعبوي يميني مطروح.
وقد أظهرت النتائج أن الأحزاب الشعبوية اليمينية تتقدم على منافسيها، أو على الأقل تتساوى معهم في 3 من أصل 8 دول، ففي فرنسا كانت الجبهة الوطنية هي أقوى الأحزاب كخيار أول وبنسبة 19%، وفي هولندا احتل المرتبة الأولى حزب “فيلدرز” من أجل الحرية، إلى جانب حزب المحافظين، بنسبة 16% لكل منهما، ويتقدمان على الحزب الاشتراكي الديمقراطي 9%.
وفي إيطاليا، وعلى الرغم من أن حزب الرابطة (ليجا نورد) الذي حصل على 13% يقع بعيداً عن الحزب الحاكم (Partito Demo) الذي حصل على 23%، فإن خير من يحمل راية التشكيك في “الأوربة” هو الحزب الشعبوي اليساري الذي حصل على 21%.
وبالمقارنة، بدا حزب البديل من أجل ألمانيا متواضعاً جداً في دعم الناخبين بنسبة 5%، غير أن أزمة اللاجئين دفعت لاحقاً المزيد والمزيد من الناخبين نحوه، وفي هذا العرض من الشعوبيين اليمينيين، تعد إسبانيا هي الاستثناء في غياب تام لأي من الأحزاب الشعبية اليمينية أو الأحزاب اليمينية المتطرفة.
أما عن استطلاع “EUO”، فقد طرح أمام المستجيبين مفهومين؛ الاحتواء، والحماية، مع شرح موجز لكل منهما، الاحتواء ويتمثل في عبارة: “إنه عالم كبير وجميل ومليء بالأشخاص الطيبين في الغالب، يجب أن نجد طريقاً لاحتواء بعضنا، وألا نسمح بعزل أنفسنا”، أما الحماية فتتمثل في عبارة: “حياتنا مهددة بالإرهابيين والمجرمين والمهاجرين، وأولويتنا هي حماية أنفسنا”.
وقد أظهرت النتائج أن نسبة كبيرة تقترب من النصف (47%) اختاروا الحماية، ومالت بولندا نحو مؤشر الحماية بنسبة 55%؛ أي أعلى بمقدار 8 نقاط مئوية عن المتوسط العام للاتحاد الأوروبي، وعلى النقيض في إسبانيا، اختار 70% الاحتواء؛ 17 نقطة مئوية أعلى من متوسط الاتحاد الأوروبي.
ومن جهة أخرى، يُظهر سؤال الدراسة الاستقصائية هذه روابط قوية بين نظرة الناس إلى العالم وانتمائهم إلى الحركات الشعبوية اليمينية، الجبهة الوطنية (FN) في فرنسا هي مثال صارخ على كيفية قيام حزب سياسي بالتعبئة للوصول إلى شبه إجماع حول رؤية أو عقلية معينة، فبينما يختار 54% الحماية على مستوى البلد، يختار أنصار الجبهة الوطنية الفرنسية الحماية بنسبة 89%، وبالمثل يختار حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني الحماية بنسبة 88%؛ أي أعلى بمقدار 37 نقطة مئوية عن المعدل الوطني، 81% من ناخبي “Lega Nord” يختارون الحماية أيضاً، وهذا أعلى بـ31 نقطة مئوية من المعدل الوطني في إيطاليا.
وعلى مستوى النتائج الخاصة بالمسلمين المهاجرين، فيبدو أن التوجهات العامة ضدهم أكثر سلبية كما استعرضته في كتابي الصادر عن مركز البيان “كيف ينظرون إلينا؟ الإسلام والمسلمون في استطلاعات الرأي العالمية”، فقد أشارت دراسة لمركز الاختصاص لبحث التطرف اليميني والديمقراطية، ومقره في لايبزيغ بألمانيا، عام 2018م، إلى أن التعصب الألماني ضد الأجانب قد ارتفع بشكل حاد، لا سيما ضد المسلمين.
ويعتقد أكثر من 44% ممن شملهم الاستطلاع أنه ينبغي منع المسلمين من الهجرة إلى ألمانيا، بزيادة عن نسبة 36.5% للعام 2014م، واتفق 56% تقريباً على أن عدد المسلمين في ألمانيا جعلهم يشعرون بأنهم غرباء في بلدهم، بزيادة عن نسبة 43% للعام 2014م.
وكما أجرت شركة “ICM” لبحوث الرأي العام في بريطانيا استطلاعاً لرأي عينة من الناخبين، قبيل الانتخابات التشريعية الأخيرة في بريطانيا، حول وجهات نظرهم حول المسلمين واليهود في المملكة المتحدة.
وكانت النتائج أن 37% من الناخبين المحافظين يرون المسلمين في صورة سلبية، مقارنة مع 26% من الناخبين ككل، و16% من مؤيدي العمل.
وكان الناخبون المحافظون أكثر ميلاً إلى القول: إن الإسلام يهدد أسلوب الحياة البريطاني 62%، مقارنة بـ45% من الجمهور العام، و35% من الناخبين العماليين.
ووافق 55% من مؤيدي حزب المحافظين على أنه ينبغي أن يكون هناك تخفيض في عدد المسلمين الذين يدخلون بريطانيا، مقابل تأييد 41% من الجمهور الأوسع، و33% من الناخبين العماليين.