إن تعظيم الله وتوحيده هو معنى قول: (لا إله إلا الله)، أيّ لا معبود بحقِّ إلا الله، ومما يدلُّ على أهمية التوحيدُ الذي أَرْسَلَ الله به الرُّسلَ من أولهم إلى آخرهم، واتفقتْ دعوةُ الرسلِ من أوّل رسولٍ بعثه الله إلى خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم، اتفقتْ دعوتهم إلى البَدْءِ بدعوة أقوامهم إلى إخلاص العبادةِ لله، ونبذ الشرك بكل صوره وأسبابه ووسائله المؤدية إليه، وتكون العبادة لله بأنواع وردت في الشرع لا عد لها يتجول المسلم خلالها في سياحية إيمانية ليتعرف أكثر على عظمة الخالق ورعة هذا الدين القويم.
النوع الأول ـ الدعاء:
وهو لغةً: الرغبةُ إلى الله، وجاء في نصوص القرآن والسنة بمعنى العبادة، قال تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ *} [غافر :60] وقال تعالى: {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ *} [غافر :54] وقال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ *}.
ومن أسباب قَبولِ الدّعاءِ: المطعمُ الحلالُ، وألاّ يستبطئ الإجابةَ، وألاّ يدعو بإثمٍ ولا قطيعةِ رحمٍ، والأمرُ بالمعروفِ، والنهيُ عن المنكر، والجَزْمُ في الدّعاء، وحضورُ القلبِ وسلامتُه من الغفلةِ والخشوعِ، والابتعاد عن المعاصي، والإخلاص في الدعاء لله عز وجل .ويمكن أن يقترنَ الدعاءُ بتوسُّلٍ مشروع، كالتوسّلِ بأسماء الله الحسنى، أو بصفةٍ من صفاته العُلى، أو أنْ يتوسّل العبدُ إلى اللهِ بأعماله الصالحة التي يرجو قبولها عند الله، أو يطلبَ الدعاءَ ممّن يظنُّ صلاحهم، أو بالتوسّل بهم بشرط أن يكونوا أحياء أي: يُتَوَسَّل بدعائهم، وقد تحدّث العلماءُ عن أنواع التوسل المشروعة ومنها:
أ ـ التوسُّل إلى الله بأسمائه الحسنى، أو بصفةٍ من صفاته العُلَى:
والدليلُ على هذا النوع من أنواع التوسُّلِ قول الله تعالى: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ *} [الاعراف :180]، كأنْ يقولَ المسلمُ في دعائه: اللهمَّ إنِّي أسالُكَ بأنَّكَ أنتَ الرحمنُ الرحيمُ، اللطيفُ الخبيرُ، أن تعافيني، أو يقول: أسألُكَ برحمتِكَ التي وَسِعَتْ كلَّ شيءٍ أنْ ترحمَني، وتغفرَ لي.
ب ـ التوسل إلى الله تعالى بالأعمال الصالحة التي يقومُ بها العبد:
كأنْ يتوسَّلَ إلى الله تعالى بالإيمانِ به وطاعتهِ، واتباع رسولِهِ صلى الله عليه وسلم ومحبَّته، ومن هذا النوع قولُ الله تعالى: {الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ *} [آل عمران: 16] فيمكِنُ للعبدِ أن يقولَ: اللهمَّ بإيماني بكَ، أو محبّتي لكَ، أو اتبّاعي لرسولكَ صلى الله عليه وسلم اغفر لي، أو يقول: اللهمّ إنِّي أسالُكَ بمحبَّتي لمحمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وإيماني به أنْ تفرِّج عنِّي. ومن ذلك أنْ يذكرَ الداعي عملاً صالحاً ذا بالٍ، فيه خوفُه مِنَ اللهِ سبحانه وتقواه إياه، وإيثارُه رضاه على كلِّ شيءٍ، وطاعتُه له جلَّ شأنه، ثم يتوسَّلُ به إلى الله في دعائه، ليكونَ أرجى لقبوله وإجابته.
ج ـ التوسُّل إلى الله تعالى بدعاءِ الصالحين الأحياء:
بأنْ يَطْلُبَ المسلمُ من أخيه الحيِّ الحاضرِ أن يدعوَ الله له، فهذا النوعُ من التوسُّلِ مشروعٌ، لثبوته عن بعض الصحابةِ مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم، حيثُ كان بعضُهم يأتي النبي صلى الله عليه وسلم، فيطلب منه الدعاءَ له أو لعموم المسلمين، ومن ذلك ما ثبت في «الصحيحين» عن أنسِ بنِ مالك رضي الله عنه أنَّ أعرابياً قامَ يومَ الجمعة والنبيُّ صلى الله عليه وسلم يخطبُ فقال: يا رسول الله: هلكَ المالُ، وجاعَ العيالُ، فادعُ اللهَ لنا.
ومثله كذلك توسُّلِ الصحابةِ رضي الله عنهم بدعاءِ العبّاس رضي الله عنه، وهو في «صحيح البخاري» من حديثِ أنسٍ رضي الله عنه: أنَّ عمرَ بنَ الخطاب رضي الله عنه كان إذا قحَطُوا استسقى بالعباسِ بنِ عبدِ المطلب، فقال: اللهمَّ إنّا كنّا نتوسُّل إليكَ بنبيّنا صلى الله عليه وسلم فتسقِيَنا، وإنَّا نتوسَّلُ إليك بعمِّ نبيِّنا فاسْقِنا، قال: فيُسْقَون والمراد بقوله: إنّا نتوسَّل إليك بعمِّ نبِّينا، أي: بدعائه.
النوع الثاني ـ النذر:
تعريفه: هو التزامُ قربةٍ غيرِ لازمةٍ في أصلِ الشرعِ بلفظٍ يُشْعِرُ بذلك، مثل أَنْ يقولَ: للهِ عليَّ أنْ أصومَ ثلاثةَ أيام.
حكمه: حكمُ النذرِ الكراهةُ، بل حرّمه بعضُ العلماء، لعدم تحمُّل المسلم ما قَدْ يعجزُ عن الوفاءِ به، ولكنْ إذا نذرَ المسلمُ وجبَ عليه الوفاءُ بهذا النذر، وذلك ما لم يكنْ في معصيةِ الله، فأصبحَ هذا النذرُ معلَّقاً في رقبته، ودَيْناً عليه، حتى يوفّيه. قال تعالى: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا *} [الإنسان :7] وقال تعالى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ *} [البقرة :270] وقال تعالى: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ *} [الحج :29] وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ نذَرَ أَنْ يطيعَ اللهَ فَلْيُطِعْهُ، ومَنْ نَذَرَ أَنْ يعصيَ اللهَ فلا يَعْصِه».
شروط النذر:
أ ـ أن يكونَ طاعةً لله: لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا نذرَ في معصيةِ الربِّ، أو في قطيعةِ رَحِمٍ، وفيما لا يملك».
ب ـ أن يكون مما يطيقه العبد: فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: بينا النبيُّ صلى الله عليه وسلم يخطُبُ، إذ هو برجـلٍ قـائمٍ، فسـأل عنه، فقـالـوا: أبو إسرائيل، نـذرَ أَنْ يقـومَ ولا يقعدَ، ولا يستظـلَّ، ولا يتكّلمَ، ويصـومَ. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «مره فليتكلّمْ، وليستظلَّ، وليقعدْ، وليتمَّ صومَه».
ج ـ أن يكونَ فيما يملكُ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا وفاءَ لنذرٍ في معصية اللهِ، ولا فيما لا يَمْلِكُ ابنُ آدم».
د ـ ألاّ يعتقدَ الناذِرُ تأثيرَ النذر في حصولِ الشيءِ وعدمِهِ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ النذرَ لا يقدِّمُ شيئاً، ولا يؤخِّرُهُ، وإنَّما يُسْتَخْرَجُ بالنذرِ مِنَ البخيلِ».
وإذا كان النذرُ للهِ تعالى عبادةً ونوعاً من أنواعِ التقرّب إلى الله، فإنَّ صرفه لغير اللهِ تعالى شِرْكٌ أكبرُ، يخرِجُ من الملّة، ويوجِبُ لصاحبه النار، لأنَّ كلَّ ما شأنُه عبادةً لا يجوزُ بحالٍ من الأحوالِ أن يُصرَفَ لغير الله تعالى. ومن المؤسفِ حقّاً أن نرى مثلَ هذه العباداتِ تُصْرَفُ لغيرِ الله تعالى، وهذا جهلُ عظيمُ بالإسلام، ولا علاجَ له إلا نشرُ العلمِ وإحياءُ الإيمانِ بالله عزّ وجلّ في القلوب.
النوع الثالث ـ الذبح:
معنى الذبح هنا: هو كُلُّ ما ذُبِحَ هَدْياً أو عقيقةً وغيرها لله تعالى، بقصدِ التعبّدِ للهِ والتقرّبِ إليه، قال تعالى: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ *فَصَلِّ لِرَّبِكَ وَانْحَرْ *} [الكوثر :1 ـ 2]، أي: أخلص له صلاتَك وذبْحَك، وقال تعالى: (قل إن صلاتي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ} [الانعام :162 ـ 163]، والنسك: الذبح.
وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: حدّثني رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بأربع كلماتٍ: «لعنَ اللهُ مَنْ ذبحَ لغيرِ اللهِ، ولعنَ اللهُ مَنْ لعنَ والديه، ولَعَنَ اللهُ مَنْ اوى مُحْدِثاً، ولعنَ اللهُ مَنْ غيَّر منارَ الأرضِ».
أمّا لعنُ الوالدِ والوالدةِ فهو من الكبائر، وأمّا الذبحُ لغير الله، فالمرادُ به أن يذبحَ باسمٍ غيرِ اسم الله تعالى، كمن ذبحَ للصنم، أو الصليبِ، أو لموسى، أو لعيسى عليه السلام، أو للكعبة، ونحو ذلك، فكلُّ هذا حرامٌ، ولا تحلُّ هذه الذبيحةُ سواءٌ كان الذابحُ مسلماً أو نصرانياً أو يهودياً. إنَّ الذَّبحَ قربةٌ وعبادةٌ يُتقرَّبُ بها إلى اللهِ تعالى، ويتعبّد بها، ولذلك وجبَ صرفُها لله تعالى.
النوع الرابع ـ التوكل:
وهو الثقةُ بما عندَ اللهِ، واليأسُ عمّا في أيدي الناس، وقيل: هو اعتمادُ القلبِ على اللهِ، وثقتُه به، وأنّه كفايةٌ. والتوكّلُ عبادةٌ، ويجبُ صرفُها لله تعالى، حتّى يتمَّ توحيدُ العبدِ، ويخلو مِنْ شوائبِ الشركِ وأدرانِ الجاهليةِ، والله سبحانه وتعالى يأمرُنا بالتوكّل عليه وحدَه لا على غيره. قال تعالى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لاَ يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا*} [الفرقان :58]. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو أنَّكُم تتوكّلونَ على اللهِ حَقَّ توكُّلِهِ لرزقَكُم كَما يَرْزُقُ الطيرَ، تغدو خِمَاصاً، وتروحُ بِطاناً».
النوع الخامس ـ الاستعانة:
وهي طلبُ العونِ من الله تعالى على سبيلِ التعبُّد للهِ، وهي من أنواع العبادة، ولذلك يجبُ الاستعانة بالله وحدَه. قال تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ*} [الفاتحة :5] أيّ: لا نعبدُ إلاّ إيّاك، ولا نستعينُ إلاّ بكَ، ونبرأُ مِنْ كلِّ معبودٍ دونك ومن عابديه، ونبرأُ مِنَ الحولِ والقوّةِ إلا بك، فلا حولَ لأحدٍ عن معصيتك، ولا قوَّة على طاعتِكَ إلا بتوفيقك ومعونتك. وقال تعالى: {قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَانُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ*} [الانبياء :112].
النوع السادس ـ الاستغاثة:
وهي طلبُ الغوثِ، وهو إزالةُ الشدّةِ، كالاستنصار طلب النصرة، والاستغاثة، طلب الغوث والفرق بين الاستغاثة والدعاء أنّ الاستغاثة لا تكونُ إلاّ من المكروبِ، والدعاءُ أعمُّ، فيكونُ من المكروبِ وغيرهِ.
فالاستغاثةُ نوعٌ من العبادةِ يجبُ صرفُها لله تعالى، فلا يُستغاثُ إلاّ بالله عز وجل، ولقد ذكر الله تعالى الاستغاثـة في كتابـه العزيز، فلم تصرفْ إلا له سبحانه قال تعالى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ مُرْدِفِينَ*} [الانفال :9]. وكان من دعاءِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «يا حيُّ يا قيومُ برحمتِكَ أستغيثُ». وعن ثابتِ بن الضحّاك: أنّه كان في زمنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم منافِقٌ يُؤذي المؤمنين، فقال بعضُهم: قوموا بنا نستغيثُ برسولِ اللهِ من هذا المنافق. فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: «إنّه لا يستغاثُ بي، وإنّما يستغاثُ بالله».
النوع السابع ـ الخشية:
الخشية التعبُّد، وهي خضوعُ القلبِ والجوارحِ لله تعالى طاعةً وخشوعاً وخوفاً من مقامه ووعيده، على سبيل التعبُّد لله تعالى قال تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ*} [آل عمران: 173].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «…أَمَا واللهِ، إنِّي لأخشاكم لله، وأتقاكُم له، لكنِّي أصومُ وأفطِرُ، وأصلِّي وأرقدُ، وأتزوُّج النساءَ، فَمَنْ رغَب عَنْ سُنَّتي فليسَ مِنِّي».
والخشيةُ نوع من أنواعِ العبادةِ التي يجبُ ألاّ تصرفَ إلا للهِ تعالى، وصرفُها لغير الله يُعدُّ شركاً ينقضُ ويهدِمُ الإيمان، وكلّما زادَ إيمانُ العبدِ بربِّه وخلصَ، كلّما زادتْ خشيتهُ منه.
النوع الثامن ـ الخوف:
وهو اضطراب القلبِ وحركتُه من تذكُّر المَخوف، وهو أفضلُ مقاماتِ الدين وأجلُّها، وأجمعُ أنواعِ العبادة التي يجبُ إخلاصُها لله تعالى قال تعالى: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ*} [آل عمران: 175]. وعن عديِّ بن حاتم رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «اتقّوا النارَ ولو بشِقِّ تمرةٍ». فالنافعُ والضارُّ هو الله، فلا خوفَ إلاّ منه وحدَه سبحانه وتعالى.
النوع التاسع ـ المحبة:
يعدُّ خُلُقُ المحبّةِ من أجلِّ الأخلاق الإيمانية، لأنّها أصلُ كلِّ فعلٍ ومبدؤه، فلا يكونُ الفعلُ إلاّ عن محبةِ وإرادةٍ، وكذلك التَّرْكُ، لا يكونُ إلا عنها، ولهذا كانَ رأسُ الإيمانِ الحبُّ في الله والبغضُ في الله، وكانَ مِنْ أحبَّ للهِ، ومَنْ أبغضَ للهِ، وأعطى لله، ومنعَ لله، قد استكمل الإيمان. قال تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ*} [التوبة :24] . فإنّ هذه الآية تحمِلُ وعيداً شديداً على تقديم محبّةِ أيِّ شيءٍ من أمورِ الدنيا على محبّةِ الله تعالى ورسولِهِ صلى الله عليه وسلم، وأنّه يجبُ إيثارُهما في المحبّةِ على مَنْ سواهما، وهذه المحبّةُ تقتضي إيثارَ طاعتهما واتّباع أمرِهما على إيثارِ مَنْ ذَكَرَ اللهُ مِنَ الأقاربِ والأموالِ وغيرِهما ممّا قد تريدُ النفسُ تقديمها. وقد بيّنَ القرآن الكريمُ علامات المحبّة لله تعالى، فجعلَ من ذلك اتباعَ نبيِّه صلى الله عليه وسلم، والذِّلةِ للمؤمنين، والعزّةِ على الكافرين، والجهادِ في سبيله، وعدم الخوفِ مِنْ لَوْمِ لائمٍ، ومعاداةِ أعدائه. وأمّا الاتباعُ لنبيه صلى الله عليه وسلم، فقد دلَّ عليه قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: 31] فإنّ هذه الآيةَ تسمّى آيةَ المحبّة، فهذه الآية الكريمةُ حاكمةٌ على كلِّ مَنِ ادّعى محبّةَ الله، وليس هو على الطريقة المحمدية، فإنّه كاذبٌ في دعواه في نفس الأمر، حتّى يتبعَ الشرعَ المحمدي والدينَ النبويَّ في جميع أقواله وأفعاله، كما ثبت في «الصحيح» عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ عَمِلَ عملاً ليسَ عليه أمرُنا فهو رَدٌّ».
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع:
- أحمد بن العزيز الحداد، أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم في القران والسنة، دار الغرب الإسلامي، بيروت،1999، 1 / 204.
- سيد سعيد السيد عبد الغنى، العقيدة الصافية للفرقة الناجية، دار ابن تيمية، الرياض، 1996، 274.
- علي محمّد الصّلابيّ، الإيمان بالله جلّ جلاله، دار المعرفة، بيروت. لبنان، ط 1، 2011م، ص (117-127).
- محمد يوسف الربيدي، اللباب في شرح العقيدة على ضوء السنة والكتاب، دار الزمان، المدينة المنورة، 2004، ص 54.