– الضربة لدول الخليج مزدوجة بـ”كورونا” وصدمة النفط لكنها من أفضل الدول استعداداً للتعامل مع الوباء
– مجتمعات اللاجئين والمشردين ستتضرر ما قد يزيد تدفقهم داخل المنطقة وخارجها
– شوارع الجزائر ولبنان خلت من المحتجين الذين يرون سلطاتهما أسوأ من “كورونا”
– الأزمة كشفت استعداد “إسرائيل” الموافقة على التجسس الجماعي على سكانها في ظل غياب البرلمان
– “كورونا” سيمثل لحظة حاسمة للمنطقة لمجيئه في وقت تعاني البلدان من أزماتها السياسية الداخلية
بدا الشرق الأوسط لبعض الوقت وكأنه قد تجمَّد؛ لأن صراعات الأمس وُضعت في الحجر الصحي؛ فمثل الكثير منا تسعى أكثر البلدان لاحتواء الوباء، ولا تتوقع أن يدوم ذلك، لكن تفشي فيروس “كورونا” ليس هو المعادل الكبير الذي سيحل المشكلات، ولا هي الأزمة التي سيتم فيها نسيان الخصومات السابقة.
أكثر حلفاء “ترمب” حيوية في الشرق الأوسط يتجهون بسرعة نحو الاستبداد.
مثل الزلزال، يقوم “كورونا” بتضخيم نقاط الضعف الأساسية في أقل البلدان استعداداً؛ مما يؤدي إلى تفاقم التفاوتات القائمة في جميع أنحاء المنطقة، ومثل الهزة الارتدادية الفتاكة بشكل خاص، فإن انهيار أسعار النفط يضعف الاقتصادات القائمة على النفط وخصوصاً التي تفتقر إلى الاحتياطيات المالية لمواجهة الضربة الثانوية لنظامها.
وبالنسبة لدول الخليج، فإن الضربة مزدوجة من خلال فيروس “كورونا” وصدمة النفط، رغم أن الاضطرابات الكبيرة يمكن أن يتم تجاوزها عن طريق الحقن الجماعي لرأس المال، وعلاوة على ذلك؛ يبدو أن هذه البلدان كانت من أفضل الدول استعداداً للتعامل مع هذا الوباء، على الأرجح لأنها واجهت بالفعل تفشي “متلازمة الشرق الأوسط التنفسية” (MERS)، وقد تصرفوا بشكل سريع وحاسم نسبياً لتحديد الحالات وإغلاق حدودهم، وهذا لا يعني أن الأمور لن تكون سيئة بالنسبة لدول الخليج -ستكون كذلك- ولكن ستكون هناك درجات مختلفة من السوء.
اللاجئون والمشردون
وعلى النقيض من ذلك، من المؤكد أن دول الجزائر والعراق ومصر ولبنان ستتضرر بشدة من هذه الضربة المزدوجة (“كورونا”، والنفط)، فميزانية كل من الجزائر والعراق ترتبط بسعر النفط إلى درجة أنه ليس لديهما هامش للمناورة، كما ستضرب الأزمة الاقتصادية مصر، خاصة بسبب فقدان السياحة، بينما كان لبنان في طريقه إلى التخلف عن سداد ديونه السيادية حتى قبل اندلاع جائحة “كورونا” بالفعل.
وستتضرر مجتمعات اللاجئين والمشردين داخلياً في جميع أنحاء المنطقة أيضاً بشدة؛ مما قد يزيد تدفق اللاجئين داخل المنطقة وخارجها على حد سواء، مع وجود متلقين محتملين لهذه التدفقات لديهم سبب آخر لإغلاق أبوابهم، ونتيجة لذلك؛ فإن عبء هؤلاء اللاجئين الجدد على وشك أن تتحمله معظم الدول التي لا تستطيع تحمل ذلك، وتلك التي تستضيف بالفعل مجموعات كبيرة من اللاجئين.
سيكون لهذه الفجوة الآخذة في الاتساع تأثير كبير على الجغرافيا السياسية في المنطقة؛ فاليائسون يفعلون أشياء يائسة، والأنظمة اليائسة أكثر من ذلك.
التصعيد الأخير للهجمات ضد قوات التحالف في العراق، التي أسفرت عن مقتل جنديين أمريكيين وبريطانيين في قاعدة “التاج” العسكرية، أحد الأمثلة على ما يمكن أن يصبح اتجاهاً في المنطقة؛ أي الحاجة المتزايدة للدول التي أضعفها تفشي “كورونا” إلى مشروع قوي.
كانت إيران في بؤرة الأزمة بالمنطقة، وافتقارها للشفافية والجهد للحفاظ على العلاقات مع أحد آخر شركائها التجاريين (الصين) حول الأزمة جعلها تعيش في كابوس، وجعلنا -نحن المحللين الجيوسياسيين- نتساءل: ما الذي يمكن أن تخسره إيران؟ وأين يمكن أن يضرب وكلاؤها بعد ذلك؟
وأبعد من ذلك مع تحول تركيز أمريكا أكثر نحو الداخل، سيختبر اللاعبون المحليون استعداد واشنطن للرد على التصعيد، وبالنظر إلى ما حدث في إيران، والعواقب الجيوسياسية المحتملة، فإن هذا يثير تساؤلات عما سيحدث (أو من المرجح أن يحدث) عندما تصل الأزمة إلى هذه المستويات في مناطق مثل سورية أو اليمن أو ليبيا أو غزة؟ ففي عالم غير متكافئ بالفعل، قد تجعل الأزمة الحرب غير المتكافئة أكثر أهمية مما كانت عليه بالفعل.
دول الاحتجاج
ومع أن بعض الأنظمة التي تقاوم حركات الاحتجاج الشعبية ربما تكون قد لاحظت وجود بريق فضي في تفشي جائحة “كورونا”، فإن يوم الحساب ليس بعيداً عن الأفق.
في الجزائر ولبنان خلت الشوارع بسرعة، والآن بعد أن اتسع نطاق تفشي المرض، لن يخرج معظم المتظاهرين -إن لم يكن جميعهم- لأسابيع أو أشهر قادمة، ولكن سيكون هناك بعض التردد في إلغاء التظاهرات، ويرى بعض المتظاهرين أنظمتهم المحلية أسوأ من فيروس “كورونا”.
أولئك الذين يقررون مواصلة التظاهر سيواجهون حملة قمع مبررة بحجة تفشي المرض (الجزائر أصدرت بالفعل حظراً على الاحتجاجات)، وسوف يكسر الوباء زخم هذه الحركات الشعبية، ولكن بمجرد أن يهدأ الغبار، قد تعود الحكومات التي أساءت إدارة الأزمة إلى التأرجح.
لقد كان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منتصف “الربيع العربي” الثاني، وتوافرت كل الأسباب التي تجعلنا نتوقع أن تستعيد الانتفاضات زخمها عند انتهاء “موسم فيروس كورونا”.
على المستوى المحلي، من المحتمل ألا تجمع الأزمة الناس معاً، على الأقل ليس على المدى الطويل، وليس فقط بسبب الحاجة إلى التباعد الاجتماعي؛ فمن المحتمل أن تزداد التوترات الطائفية، وخاصة نتيجة سوء إدارة إيران الكارثي للوضع.
إيران والخليج
في الخليج، حيث كان معظم التفشي الأولي ناتجاً عن الرحلات المتعلقة بإيران، يخشى من تفشٍّ أوسع بسبب هذا السفر الذي ما زال له تأثير كبير، ودول الخليج الأخرى مترددة في إعادة مواطنيها من إيران، حيث أغلقت المملكة العربية السعودية منطقة القطيف ذات الأغلبية الشيعية.
إن عدم وجود قدرات اختبار في المناطق السُّنية بالعراق (عند مقارنتها بالمناطق ذات الأغلبية الكردية والشيعية)، ونقص مماثل في التوازن بين أرقام الاختبار بين الطوائف اليهودية والعربية في “إسرائيل”، إلى جانب التوترات الناجمة عن إجراءات الإغلاق في يافا، كل هذا يسلط الضوء على احتمالية توسيع الفوارق الداخلية بدلاً من سدها.
لقد كشفت الأزمة في “إسرائيل” -بين عشية وضحاها- عن استعداد الحكومة للموافقة على التجسس الجماعي على سكانها في وقت لا يستطيع البرلمان الاجتماع فيه لمراقبة استخدام البيانات التي جمعتها وكالة الأمن “الإسرائيلية”.
هذه ليست حالة منفردة، فعلى نطاق أوسع، ستعمل تدابير الاحتواء ورد الفعل اللاحق من قبل سكانها على توسيع الفجوة بين الحكومات التي تمكنت من كسب ثقة الجمهور، وتلك التي لم تكسب ثقته.
وتشير جميع هذه العوامل إلى أن جائحة “كورونا” ستتحول إلى لحظة حاسمة للمنطقة، ليس فقط بسبب حجمها، ولكن لأنها جاءت في وقت كانت فيه معظم البلدان تعاني من أزماتها السياسية الخاصة، وفشلت في بناء أي حصانة ضد جائحة طرقت فجأة أبوابها.