“في حي جميل من أحياء المدينة العريقة مدينة فرانكفورت بألمانيا، وتحت ظل مئذنة مسجد (أبوبكر) الصديق الخضراء المتواضعة، يشدو صوت المؤذن بكلمات الأذان الهادئة لتلقي بظلال سلم وسلام، وترسل رسالة طمأنينة وهدوء للسكان”.
هكذا بدا المشهد في وسط نهار فاتح رمضان 1441ھـ الموافق ليوم الجمعة 24 أبريل 2020م؛ فمن مدينة فرانكفورت يرفع الأذان لأول مرة منذ نشأة الوجود الإسلامي حتى اليوم، وهو حدث مهم جداً ذو أركان.. أركان أنتجت في نهاية المطاف تلك النتيجة الرائعة:
– الركن الأول فيه مسجد “أبوبكر الصديق”:
ذلك المسجد العامر الذي يشكل تحفة معمارية رائعة، انتهى إليها عبر مراحل عديدة منذ تأسيسه عام 1966، والمسجد يقع في منطقة متميزة من مدينة فرانكفورت، ويؤمه عدد كبير من المصلين رجالاً ونساء يبلغون في يوم الجمعة أكثر من ألف شخص، وفي المسجد أنواع عديدة من النشاطات يومية وأسبوعية وشهرية منها: إقامة الصلوات الخمس، والدروس اليومية، ومدرسة تحفيظ القرآن، ومدرسة اللغة العربية، والمحاضرات والندوات، ولجنة العمل الشبابي، ولجنة التواصل مع المجتمع الألماني وغير ذلك.
والمسجد يُعد من أكبر مساجد المدينة وأجملها، عالي الجدران، مرتفع السقف، جيد التهوية، كثير النوافذ والأبواب، ولذلك يقصده الزائرون الألمان من حين لآخر أفراداً رسميين وعاديين، وجماعات من المدارس والكنائس، والجامعات، والهيئات الرسمية، والصحافة، ومنظمات المجتمع المدني، وغير ذلك ليتعرفوا من خلاله، ومن مقابلة فريق العمل بالمسجد من إمام وإدارة على بعض شؤون الإسلام والمسلمين، وفي غالب الأحيان يخرج الزائرون بانطباع إيجابي جميل.
والركن الثاني من أركان الحدث هو مدينة فرانكفورت:
فالأذان رفع في مدينة قديمة عريقة جميلة من أروع مدن ألمانيا، فهي عاصمة ألمانيا وأوروبا الاقتصادية، ويعد مطارها من أكبر مطارات العالم، يبلغ عدد قاطنيها 800 ألف نسمة، ولكنها مليونية النهار، إذ تضم نهاراً أكثر من مليوني شخص في الأعمال المختلفة يفدون إليها من جهات عديدة.
وتضم المدينة أكثر من 150 جنساً عرقياً، يمثلون مختلف الطوائف الدينية والمذهبية.
فسبحان الخالق إذ يقول: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنتُم بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ} (الروم: 20)، وإذ ينادي الناس جميعاً بقوله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (الحجرات: 13).
ولذلك تجد المسلم الصحيح الإسلام لا يجد أدنى مشكلة في عيشه وتواصله مع أفراد وطوائف البشر أجمعين، بل على العكس يجد في عيشه بين إخوانه أبناء الوطن الواحد فرصة كبرى للتعاون والتراحم، وتقديم الخير للكافة.
ويبلغ عدد المسلمين في مدينة فرانكفورت نحو 100 ألف نسمة من أجناس متعددة عرباً وغير عرب، ويعيش الجميع في سلام اجتماعي بدرجة كبيرة.
– والركن الثالث هو ذلك التعاون والتفاهم الذي أثمر رفع الأذان في ذلك اليوم المشهود:
وهذه إحدى بركات التعاون على البر والتقوى الذي أمرنا به في القرآن الكريم: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} (المائدة: 2).
ففي إطار التنسيق والتشاور والتعاون المثمر بين المؤسسات الإسلامية هنا في مدينة فرانكفورت، وبينها وبين مؤسسات المجتمع المدني ومع أهل الديانات الأخرى ومع المؤسسات الرسمية، وفي ظل تفاهم وتوافق وتقدير وتسامح تم الاتفاق على رفع الأذان بمسجد “أبوبكر الصديق” ليكون شاهداً على أننا سكان هذه المدينة كيان واحد نعيش على أرض، وتحت سماء واحدة نبتغي مزيداً من الأمان والرخاء والسلام لهذا البلد وساكنيه.
____________________________________
(*) إمام مسجد أبي بكر الصديق بفرانكفورت.