تعد دولة الكويت من الدول العربية التي صمدت في وجه موجات التطبيع مع الكيان الصهيوني في الآونة الأخيرة، ولمقاومة الكويت للتطبيع مع الكيان الصهيوني تاريخ طويل ومشرف؛ فهذه الدولة الصغيرة مساحةً الكبيرة في مواقفها السياسية والإنسانية لها تاريخ عظيم في وجه التطبيع منذ عام 1948م، وبعد قيام الكيان الصهيوني غادر اليهود الكويت واعتُبروا غير مرغوب بهم.
ففي 1957م تأسس مكتب مقاطعة “إسرائيل”، وقد أدى التلاحم بين المؤسسات الحكومية والمؤسسات المنتخبة والشعب إلى بيئة مساندة لمقاطعة الكيان الصهيوني في الكويت.
واستمرت الكويت بعد الاستقلال من الاستعمار البريطاني 1961م في مقاومة التطبيع مع الكيان الصهيوني، وأصدرت العديد من القوانين التي تجرِّم التطبيع؛ فقد أصدر المغفور له الشيخ عبد الله السالم الصباح -رحمه الله- مرسوماً بقانون 21 لسنة 1964م يحظر حيازة وتداول السلع “الإسرائيلية” بكل أنواعها، وقد تم إقرار القانون من كل الوزراء والنواب الحاضرين دون أي امتناع أو اعتراض، وفقا لما جاء في المضبطة رقم 55، في جلسة مجلس الأمة بتاريخ 9 مايو من العام 1964م.
وحظرت مواد القانون على “كل شخص طبيعي أو اعتباري أن يعقد بالذات أو بالواسطة اتفاقاً مع هيئات أو أشخاص مقيمين في “إسرائيل”، أو منتمين إليها بجنسيتهم أو يعملون لحسابها أو لمصلحتها أينما أقاموا.
حرب العصابات الصهيونية
وأعلنت الكويت الحرب على العصابات الصهيونية في عام 1967م ونص المرسوم الموقع من أمير الكويت الراحل صباح السالم الصباح يرحمه الله في المادة الأولى: “نعلن ونقرر أن دولة الكويت في حرب دفاعية منذ صباح اليوم مع العصابات الصهيونية في فلسطين المحتلة”. ونصت المادة الثانية “على رئيس مجلس الوزراء إبلاغ المرسوم لمجلس الأمة، وعلى وزير الخارجية إبلاغه لمن يتعين إبلاغه”.
واستمرت الكويت المدافع عن القضية الفلسطينية حتى بعد التدهور في العلاقات الكويتية الفلسطينية بعد الغزو العراقي الغاشم للكويت في الثاني من أغسطس 1990م؛ حيث استمرت في موقفها الصلب تجاه فلسطين، وأكد الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد الصباح يرحمه الله عندما سئل من صحفي أمريكي عن تطبيع الكويت مع “إسرائيل” قال: “إن الكويت آخر دولة تطبع مع إسرائيل”.
وفي عهد الشيخ صباح الأحمد الجاير الصباح -حفظه الله ورعاه- تأكدت نظرية مقاومة الكويت للتطبيع مع الصهاينة من خلال إنشاء العديد من لجان مقاطعة الصهاينة، وإقامة العديد من الملتقيات الرسمية والشعبية المقاومة للتطبيع، ومُنع “الإسرائيليون” من ركوب طائرات الخطوط الجوية الكويتية، وقاطع اللاعبون الكويتيون أي مقابلة مع اللاعبين الصهاينة، وكذلك تمنع البضائع “الإسرائيلية” من دخول الكويت، ويمنع المواطنون الكويتيون من زيارة دولة الاحتلال، ولا تزال دولة الكويت تسمي في القنوات التلفزيونية الرسمية الخاصة “إسرائيل” بـ”الاحتلال الإسرائيلي” أو “الصهيوني”، وتسمي من قُتل من الفلسطينيين بـ”الشهداء” والدفاع الفلسطيني بـ”المقاومة الفلسطينية”، وكل تحرك “إسرائيلي” ضد الفلسطينيين بـ”الاعتداءات الصهيونية”.
الكويت في مجلس الأمن 2018/2019م:
وقد لعبت الكويت دوراً محورياً في نصرة القضية الفلسطينية؛ ففي فبراير عام 2018 ترأست الكويت مجلس الأمن؛ حيث شهد جلسات مهمة ناقشت ثلاثة موضوعات هي: القضية الفلسطينية، والقضية العراقية، ومبادئ ومقاصد ميثاق الأمم المتحدة في صيانة السلم والأمن الدوليين، وترأس سمو الشيخ صباح الخالد -رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية آن ذاك- جلسة استهدفت توفير طريق واضح للتوصل إلى حل يفضي إلى نيل الشعب الفلسطيني حقه في إقامة دولته المستقلة.
مجلس الأمة ومقاومة التطبيع
خصص مجلس الأمة الكويتي العديد من الجلسات لمناهضة التطبيع منذ المجلس التأسيسي 1962؛ فأصدر العديد من قوانين المقاطعة مع (إسرائيل)، وفي الفترة الأخيرة قام مجلس الأمة بحمل راية مناهضة التطبيع في أنحاء العالم، وأكد رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم في عدة اجتماعات دولية أن مندوبي الاحتلال يجب أن يطردوا من الاتحاد البرلماني الدولي، واصفا إياهم بـ”المجرمين وقتلة الأطفال”، ورفض مجلس الأمة الكويتي ما سمي بصفقة القرن وطالب مزروق الغانم “المجتمع الدولي باتخاذ موقف أكثر عدلاً وإنصافاً لحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة”، وقام برمي صفقة القرن بسلة المهملات، وأكد أن ما يقوم به من مقاومة التطبيع يأتي بتوجيهات سمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الصباح.
وفي هذا السياق قال النائب أسامة الشاهين: “لسنا كالشعوب المغلوبة على أمرها التي لا تستنكر إلا في قلبها؛ فنحن نستطيع ذلك بعدة وسائل، ونعرب عن افتخارنا واعتزازنا بموقف سمو الأمير وبيان الحكومة الكافي الوافي الذي عدد التحركات، وإذا كنا بلداً صغيراً في المساحة فإنه كبير بالعطاء”، وقال النائب محمد الدلال: “إذا كان عندنا احترام لتراث الأجداد لوجدنا أنهم في الأربعينيات اجتهدوا وسعوا إلى دعم القضية الفلسطينية، ومن يعتقد أنه كيان الوضع الراهن الذي يجب الاعتراف به فهو واهم لأنه سرطان يريد أن يقضي على الأرض العربية والفكر الإسلامي، ويجب أن ننبه بذلك أولادنا، والمسألة أبعد من صفقة القرن”.