شكلت جائحة «كورونا» حالة مأساوية على الوضع التعليمي في دولة الكويت، فمنذ شهر مارس الماضي والعملية التعليمية شبه معطلة في معظم مدارس البلاد؛ ما انعكس ذلك على الطلبة وأولياء أمورهم.
وما زاد الأمر تعقيداً أن المدارس الخاصة بقيت تطالب أولياء الأمور بدفع القسط الدراسي، علماً بأن الطلبة لم ينتفعوا من المدرسة طيلة فترة الأزمة، بالرغم من السماح للمدارس الخاصة الأجنبية باستكمال العام الدراسي 2019/ 2020م عبر وسائل التعليم عن بُعد.
يشكو أولياء أمور طلبة، تحدثوا لـ«المجتمع»، من معاملة المدارس الخاصة لهم طيلة فترة الأزمة، حيث لم تنفك بإرسال الرسائل النصية إليهم تدعوهم إلى دفع الرسوم الدراسية، إلا أن أولياء أمور آخرين يرون أن إدارات المدارس لهم الحق في استيفاء الرسوم؛ لأنها ملزمة بتسديد رواتب المعلمين، وآخرين اقترحوا بتخفيضها.
وتحدث عدنان أبو حشمة، وهو أب لطالبتين بمدرسة النجاة الخاصة، لـ«المجتمع» قائلاً: الحمد لله، لم تطالبني المدرسة برسوم الفصل الدراسي الثاني لهذا العام، وهذا طبيعي ومنطقي؛ لأنه أُلغي من قبل وزارة التربية بسبب جائحة «كورونا».
وبخصوص الرسوم للعام الدراسي المقبل، يرى أبو حشمة أنه لا يمكن أن تكون على حالها، ولا بد أن تخفَّض إلى النصف، لعدم استفادة الطلاب بمرافق المدرسة المختلفة، ويشير إلى التكاليف التي سيتحملها جراء عملية التعليم عن بُعد كشراء أجهزة «اللابتوب» وملحقاته.
أحمد مثقال، أب لـ4 أولاد يدرسون في المدرسة الهندية (نظام «IG» البريطاني)، يروي معاناته، قائلاً: طيلة فترة الأشهر الخمسة الماضية لم تكف المدرسة عن الاتصال بي والمطالبة بسرعة سداد القسط الأخير الخاص بالفصل الدراسي الثاني، رغم حالة القلق والتوتر النفسي من انتشار مرض «كورونا».
وقال: على أي أساس يتم المطالبة بسداد القسط الأخير، على الرغم من عدم انتفاع الأولاد من المدرسة طوال الشهور الماضية؟!
ويمضي بقوله: المدرسة أرسلت لنا جدول الأقساط للعام الدراسي القادم، الذي أعلنت وزارة التربية عن بدئه بتاريخ 4/ 10/ 2020م، وبضرورة دفع القسط الأول من العام الجديد بتاريخ 25/ 8/ 2020م؛ أي تقريباً قبل شهر ونصف شهر من بدء العام الدراسي الجديد.
ويختم: أنا شخصياً والكثير من أولياء الأمور لن يقوموا بإرسال أو تسجيل أولادهم في نظام التعليم عن بُعد بالرسوم المدرسية الحالية التي لا تتناسب مع التعليم المبني على الحضور والمشاركة.
وهذا إياد مرعي الذي سُرِّح من عمله منذ مارس الماضي بسبب جائحة «كورونا»، وهو أب لـ5 أولاد، يشير إلى أن التعليم في الكويت يستنزف أغلب ميزانية الأسرة، ويقول: وفي ظل الظروف التي نعيشها بسبب جائحة «كورونا» لا أستطيع دفع كامل القسط الدراسي، مضيفاً أن إدارة المدرسة لن تعطيه شهادات أولاده ما لم يدفع الرسوم.
ويرى أسامة فوزي، ولي أمر لطالب بالثانوية العامة، ضرورة دفع القسط الثاني من الرسوم المدرسية، يعلل ذلك بأن المدرسة قامت بالتعاقد مع عدد من المعلمين للقيام بتعليم أولادهم، وأصبح لزاماً على المدرسة تسديد رواتب المعلمين، وإلا سيلحق بهم ضرر كبير.
ويصف المعلم كرم أبو زياد دفع الرسوم في ظل أزمة «كورونا» بسلاح ذو حدين، فالمدارس لن تستطيع الوفاء بالتزاماتها تجاه المعلمين والإداريين العاملين لديها إذا امتنع الأهالي عن دفع الرسوم، وسيلحق بهم الضرر؛ ما يجعلهم عاجزين عن مواجهة أعباء الحياة.
يوافقه الرأي المعلم حامد العاصي، فهو يرى أن عدم دفع الرسوم الدراسية سيتسبب بضرر كبير على المعلمين، وفي الوقت نفسه؛ استيفاؤها كاملة ظلم للطالب.
من ناحيته، أشار النائب أسامة الشاهين، في حديث لـ«المجتمع»، إلى أن أولياء أمور طلاب المدارس الخاصة يشعرون بالغبن بسبب مطالبات ملاك المدارس بالرسوم الدراسية كاملة دون أي تخفيضات أو تسهيلات تنسجم مع واجب التكافل الاجتماعي في ظل أزمة «كورونا الراهنة» وانعكاساتها الاقتصادية الكبيرة، حيث يطالبهم هؤلاء الملاك بالرسوم، رغم أن العام 2019/ 2020م كان منقوصاً باعتباره أوقف قبل موعده المخصص بشهور طويلة.
ويضيف أن تلك المدارس تطالب الطلبة بتسجيل إجباري للفصل الإلكتروني وسداد رسوم سنة دراسية كاملة مقابل التعليم الإلكتروني المبسط، رغم إعلان وزارة التربية إنهاء العام الدراسي للصفوف الدراسية من الأول إلى الحادي عشر، وانتقال الجميع إلى العام الذي يليه.
ويتابع: ويزداد الغبن في قلوبهم وقلوبنا كممثلين ومدافعين عنهم باعتبار وزارة التربية تقف صامتة أمام هذه المظاهر دون أي تدخل أو ضغوط على هذه المدارس، وأخشى أن بعضها قد تحول من مؤسسات تعليمية وتربوية إلى شركات تجارية تبحث عن الربح ولا شيء سوى الربح.
ويطالب ولي الأمر مرعي بأن تتحمل الأسر نصف الأقساط الدراسية، فيما يقترح فوزي أن يتم خصم جزء من القسط الثاني يتعلق بأرباح المدرسة والمصاريف التشغيلية تقدر بنسبة معينة، ويخصم من القسط الثاني، ويدفع فقط التزامات المدرسة تجاه المعلمين.
ويرى المعلم أبو زياد أن الحل الأنسب للطرفين بتخفيض الرسوم الدراسية بنسبة لا تؤثر على أصحاب المدارس لمواجهة الأعباء المالية المطلوبة.
ويشير المعلم العاصي إلى أن الحل المناسب تخفيض القسط الدراسي بما يرضي الطرفين؛ لأن الأرباح لدى المدارس خلال السنوات الماضية كبير جداً، وعدم المساس براتب المعلمين أو خصم جزء بسيط منه.
وبوجهة نظر إبراهيم الحمد، خبير في الاستثمارات التعليمية، فإن الضرر الحاصل من دفع الرسوم الدراسية يجب أن يتوزع على كافة الأطراف المتضررة من جائحة «كورونا»؛ المدرسة وأولياء الأمور والمعلمين.
ويوضح الحمد أن هناك ضرراً يتعلق بالتعليم يمكن أن يعوض بخطة واضحة يضعها المسؤولون عن العملية التعليمية، والآخر ضرر مالي يتحمله كافة الأطراف وباتفاق مُرضٍ بينها، مشيراً إلى أن مشكلة المدارس الخاصة بالكويت رسومها واحدة ولا تتنافس أو تقدم أي خصومات لأولياء الأمور، لافتاً إلى أن المدارس محدودة جداً وعدد الطلبة أكبر بكثير من طاقتها الاستيعابية.
«التربية».. تخفيض وإعفاء
إلى ذلك، أصدر وزير التربية وزير التعليم العالي د. سعود الحربي، يوم الأربعاء 29 يوليو الماضي، قراراً وزارياً بإعادة تنظيم الرسوم الدراسية للعام الدراسي 2020/ 2021م بتخفيض نسبة 25% من الرسوم الدراسية المقررة عن العام الدراسي 2019/ 2020م، وذلك عن الفترة من بداية العام الدراسي 2020/ 2021م، وإلى حين السماح للطلاب بالعودة إلى المدارس.
كما أصدر الحربي قراراً بإعادة تنظيم الرسوم الدراسية المقررة على طلاب المدارس الخاصة العربية الأهلية والنموذجية للعام الدراسي 2019/ 2020م من رياض الأطفال وحتى الصف الحادي عشر، وذلك بإعفائهم من الرسوم الدراسية عن الفصل الثاني اعتباراً من 26/ 2/ 2020م وحتى نهاية الفصل، لعدم تلقيهم الخدمات التعليمية خلال تلك الفترة.
وأكد الحربي ضرورة التزام المدارس الخاصة بكافة أنظمتها التعليمية بتفعيل التعليم عن بُعد عبر منصات تعليمية إلكترونية تتضمن الفصول الافتراضية وكافة مصادر التعلم الأخرى اعتباراً من بداية العام الدراسي 2020/ 2021م بحسب كل نظام تعليمي، وإلى حين السماح للطلاب بالعودة إلى المدارس.
وأشار إلى استمرار سريان كافة أحكام القرار الوزاري رقم (10 لسنة 2018م) بشأن وقف زيادة الرسوم الدراسية للمدارس الخاصة بكافة أنظمتها التعليمية عن الفترة من تاريخ السماح للطلاب بالعودة للمدارس وحتى نهاية العام الدراسي 2020/ 2021م.
من جانبه، أكد الوكيل المساعد للتعليم الخاص والنوعي د. عبدالمحسن الحويلة أن تكلفة تفعيل التعليم عن بُعد في المدارس الخاصة بشكل عام تقل عن تكلفة التعليم التقليدي في عدة جوانب، أهمها انخفاض كافة مصاريف التشغيل الفعلية والمتعلقة بميزانيات الهيئتين الإدارية والتعليمية، لا سيما في ظل تخفيض أعداد معلمي المواد الأساسية، وقيام عدد كبير من المدارس الخاصة بإنهاء خدمات المعلمين في التخصصات غير الأساسية؛ كالتربية البدنية والتربية الفنية والموسيقى وخلافها.
وأشار إلى انخفاض تكلفة استهلاك الكهرباء والماء لعدم وجود الطلاب في المدارس، وانخفاض نسبة استهلاك المباني المدرسية وموجوداتها وتكلفة صيانة المبنى المدرسي وملحقاته عن الأحوال الاعتيادية.
وأوضح أن المدارس الخاصة وبحسب الأصل لا تقدم لطلابها الخدمات التعليمية فقط، وإنما تمتد التزاماتها لتقديم عـــدة خدمات أخرى تتعلق بالأنشطة الرياضية والاجتماعية والثقافية التي سـوف يُحرم منها الطالب نتيجة تلقيه لخدمات تعليمية عبر وسـائل التعليم عن بُعد فقط.
وذكر الحويلة أن نسبة تخفيض الرسـوم الدراسية عـــن الفترة التي يتلقى فيها الطالب خدمات التعليم عن بُعد تحقق مقتضيات المصلحة العامة، كما تحقق التوازن بين قيمة الرسوم الدراسية المستحقة على الطلاب مع الخدمات التي سوف يحصل عليها الطالب عبر وسائل التعليم عن بُعد مع مراعاة جودة الخدمات التعليمية ومخرجاتها.