أسد بن الفرات بن سنان مولى بني سليم من قيس، كنيته أبو عبدالله، قال أبو العرب في طبقاته، وأبو علي البصري في معربه: إنه من خراسان نيسابور؛ قال بعضهم: ولد بمنطقة «حران» من ديار بكر؛ وقيل: بل قدم أبوه، وأمه حامل به.
وقد كان علم القرآن ببعض القرى، ثم اختلف إلى علي بن زياد بتونس فلزمه وتعلم منه وتفقه بفقهه، ثم رحل إلى المشرق، فسمع من مالك بن أنس موطأه وغيره، وغيره، ثم ذهب إلى العراق فلقي أبا يوسف، ومحمد بن الحسن، وأسد بن عمرو، وكتب عن يحيي بن أبي زائدة، وهشيم، والمسيب، وأبي شريك، وأبي بكر بن عياش، وغيرهم، وأخذ عنه أبو يوسف موطأ مالك.
قال أسد: رأت أمي كأن حشيشاً نبت على ظهري ترعاه البهائم، فعبر لها بأنه علم يحمل مني.
ذكر أخباره في رحلته:
قال أسد: لما خرجت إلى المشرق، وأتيت المدينة فقصدت مالكاً، وكان إذا أصبح خرج آذنه فأدخل أهل المدينة، ثم أهل مصر، ثم عامة الناس، فكنت أدخل معهم، فرأى مالك رغبتي في العلم، فقال لآذنه: أدخل القروي مع المصريين؛ فلما كان بعد يومين أو ثلاثة قلت له: إن لي صاحبين، وقد استوحشت أن أدخل قبلهما، فأمر بإدخالهما معي؛ وكان ابن القاسم وغيره يجعلونني أسأل مالكاً، فإذا أجابني قالوا لي: قل له: «فإن كان كذا وكذا»، فضاق عليَّ يوماً وقال: هذه سلسلة بنت سليسلة، «إن كان كذا كان كذا!»، إن أردت فعليك بالعراق؛ فلما ودعته عند خروجي إلى العراق، دخلت عليه وصاحبان لي؛ وهما حارث التيمي، وغالب صهر أسد، فقلنا له: أوصنا؛ فقال لي: أوصيك بتقوى الله العظيم، والقرآن، ومناصحة هذه الأمة خيراً، فراسة من مالك فيه، فولي أسد بعد هذا القضاء؛ قال: وقال لصاحبي: أوصيكما بتقوى الله والقرآن؛ قال: وما ودعت ابن القاسم قط إلا وقال لي: أوصيك بتقوى الله، ونشر هذا العلم.
قال محمد بن حارث، وأبو إسحاق الشيرازي، ويحيى بن إسحاق، وبعضهم يزيد على بعض: رحل أسد فتفقه بأصحاب أبي حنيفة، ثم نعي مالك فارتج العراق لموته، قال أسد: فوالله، ما بالعراق حلقة إلا وذكر مالك فيها، كلهم يقول مالك، مالك، إنا لله وإنا إليه راجعون؛ قال أسد: فلما رأيت شدة وجدهم، واجتماعهم على ذلك ذكرته لمحمد بن الحسن، وهو المنظور فيهم، وقلت له لأختبره: ما كثرة ذكركم لمالك، على ما يخالفكم كثيراً؟
فالتفت إليَّ وقال لي: اسكت، كان والله أمير المؤمنين في الآثار.
فندم أسد على ما فاته.
ولاية أسد للقضاء والإمارة:
ولى زيادة الله أسداً القضاء شريكاً لأبي محرز الكناني، سنة ثلاث أو أربع ومائتين، فأقام قاضياً إلى أن خرج إلى صقلية سنة اثنتي عشرة والياً على جيشها، وكان على علمه وفقهه أحد الشجعان، فخرج أسد في عشرة آلاف رجل، منهم تسعمائة فارس.
ولما خرج أسد إلى سوسة ليتوجه منها إلى صقلية، خرج معه وجوه أهل العلم والناس يشيعونه، وأمر زيادة الله ألا يبقى أحد من رجاله إلا شيعه، فلما نظر الناس حوله من كل جهة، وقد صهلت الخيل وضربت الطبول وخفقت البنود، قال: لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، والله يا معاشر الناس، ما ولي لي أب ولا جد، ولا رأى أحد من سلفي مثل هذا، ولا بلغت ما ترون إلا بالأقلام، فأجهدوا أنفسكم فيها وثابروا على تدوين العلم تنالوا به الدنيا والآخرة.
وحكى سليمان بن سالم أن أسداً لقي ملك صقلية في مائة وخمسين ألفاً، قال الراوي: فرأيت أسداً وفي يده اللواء وهو يزمزم، وأقبل على قراءة «يس» ثم حرض الناس، وحمل وحملوا معه، فهزم الله جموع النصارى، وقد رأيت أسداً وقد سالت الدماء مع قناة اللواء.
وكان أسد يقول: أنا أسد، وهو خير الوحوش، وأبي فرات وهو خير المياه، وجدي سنان، وهو خير السلاح.
وكانت وفاة أسد في حصار سرقوسة، من غزوة صقلية، وهو أمير الجيش وقاضيه، سنة ثلاث عشرة ومائتين، وقيل: أربع عشرة، وقيل: سبع عشرة، وقبره ومسجده بصقلية.
مولده سنة خمس وأربعين ومائة، بحران، ويقال: سنة ثلاث، ويقال: سنة اثنين وأربعين، وكان قدومه من المشرق سنة إحدى وثمانين ومائة(1).
العبر والفوائد التربوية:
– الترحال والانتقال والسفر هو الغالب على حياة علماء المسلمين لطلب العلم.
– الصحبة الصالحة مدعاة للتنافس على الخير وطلب العلم.
– تكريم علماء المسلمين لطالب العلم والمتغرب على وجه الخصوص.
– سعة صدر علماء المسلمين لمختلف الطلاب.
– تعلم القرآن الكريم وحفظه بداية رحلة طالب العلم.
– حب الناس لعلماء المسلمين واحترام العلماء بعضهم بعضاً وإن اختلفت مذاهبهم وآراؤهم وبلدانهم.
– طلب العلم طريق القيادة الدينية والدنيوية.
– تقوى الله تعالى وطلب العالم بالصدق والإخلاص يثمر كل ذلك شخصيات راقية وعالية ومتميزة يقتدي بها الناس.
والحمد لله رب العالمين.
____________________________________
(1) «ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك»، تأليف: القاضي عياض بن موسى بن عياض السبتي، المتوفى سنة 544هـ، الجزء الثالث، تحقيق: عبدالقادر الصّحراوي.