عاد الجدل من جديد إلى الساحة السياسية المغربية حول أهمية وجود لائحة الشباب المعتمدة على المحاصة والتمييز الإيجابي، ومدى أهميتها في إظهار كفاءات جديدة قادرة على المساهمة في تجديد النخب السياسية، وضخ دماء جديدة في المشهد السياسي والحزبي المغربي.
يأتي هذا مع اقتراب الانتخابات التشريعية والبلدية في المغرب، وفي ظل البحث عن سبل إصلاح القوانين الانتخابية بإخراج مشاريع جديدة كفيلة بضمان ممارسة أمثل للعملية الانتخابية، وتأثير ذلك على التطور الديمقراطي وانعكاسه على الحياة اليومية للمواطن المغربي في ظل إكراهات مجتمعية متنوعة تخص هذه الفئة بالذات.
وأقر المغرب هذه اللائحة (إضافة إلى لائحة النساء) عام 2011 في سياق ما يعرف بـ”الربيع العربي”، والعمل بإصلاحات دستورية جديدة وجوهرية سبقت الانتخابات آنذاك.
وتتباين الآراء اليوم بين معارض لهذه اللائحة الشبابية باعتبارها ريعاً سياسياً لا يستند إلى أي معيار ديمقراطي ويسمح لأبناء أصحاب النفوذ والأعيان والمقربين من التسلق السياسي عبر هذه الآلية الانتخابية، وهو رأي ظهرت أصواته المتعددة بعد دعوة حزب الأصالة والمعاصرة (أول أحزاب المعارضة) إلى إلغاء هذه اللائحة.
فيما انتفضت عدد من الهيئات الشبابية الحزبية ضد هذه الدعوة، معتبرة أن مؤسسات الدولة التشريعية والتدبيرية في حاجة إلى كفاءات الشباب في ظل نمو تحديات اجتماعية وتكنولوجية لن يستشعر أبعادها الآنية والمستقبلة إلا هذه الفئة.
ويمثل الشباب (ما بين 18 و40 سنة) حسب إحصاءات رسمية أكثر من 60% من سكان المغرب يشكلون 40% من الكتلة الناخبة، فيما يمارس أقل من 1% منهم العمل داخل الأحزاب السياسية، ومكنت لائحة الشباب من وصول 30 شاباً إلى البرلمان في الانتخابات التشريعية الماضية، التي جاءت حسب القانون التنظيمي لها بهدف إدماج الشباب في العملية السياسية والانتخابية، ومنحهم فرصة المشاركة في صناعة الرأي العام.
كفاءات شبابية
ترى قيادات شبابية حزبية أن لائحة الشباب أفرزت خلال ولايتين قيادات سياسية بارزة من مختلف الأحزاب المغربية بعضها ارتقى إلى منصب وزير، وكان لها أثر بارز في النقاشات والمرافعات البرلمانية، كما أن المنظمات الشبابية الحزبية لا تترافع عن اللائحة فقط، وإنما عن مطالب سياسية وحقوقية مدافعة عن تعزيز حضور الشباب في المؤسسات المنتخبة، في حين أن بعض الأحزاب لا تترك الفرصة للشباب، لا سيما مع تراجع ثقة الشباب في الأحزاب وفي مؤسسات الدولة، وفق تقارير وطنية ودولية.
وفي هذا الصدد، تبرز إيمان اليعقوبي البرلمانية الشابة وعضو شبيبة حزب العدالة والتنمية (أغلبية) في تصريح لـ”المجتمع”، أن رأيها من رأي حزبها، موضحة أن اللائحة الوطنية هي تتويج لمسار من للتغيير كان للشباب دور فيه.
وتضيف أن الشباب فئة مهمة في الوطن تحتاج لأن يكون لها حضور في مؤسسات الدولة التي يجب أن تمثلهم وتمثل امتداداً لهم.
وتؤكد اليعقوبي “أن الإبقاء على لائحة الشباب مهم، خصوصاً بالنظر للكفاءات التي أدخلتها للبرلمان”، حسب تعبيرها.
بدوره، يقول أيوب اليوسي قيادي في الهيئة الشبابية لحزب الحركة الشعبية (معارض) بأن هذه اللائحة تعزز الثقة في المؤسسات الحزبية والعمل السياسي.
ويضيف في تصريح إعلامي أنها تساهم في الرفع من نسبة المشاركة في الانتخابات، والسير الجيد للعملية الانتخابية، مبرزاً أن هذه اللائحة “ديمقراطية” ناضل من أجل إقرارها المناضلون الشباب، وأعطت الفرصة لكفاءات شبابية لولوج القبة التشريعية لإضفاء الديناميكية والحيوية للعمل التشريعي والدفاع عن قضايا الشباب ضمن إقرار السياسات العمومية للبلد.
تمكين سياسي
ويرى محللون سياسيون أن النقاش السياسي عموماً، وحول اللائحة خصوصاً، أمر صحي، من أجل السير بالمشهد السياسي إلى الأمام، ورفع الغبار عن الأعطاب التي تضربه في الصميم.
ويؤكد د. علي فاضلي، الباحث في الدراسات السياسية والدولية، في تصريح لـ”المجتمع”، أن الجدل حول اللائحة الوطنية للشباب يدخل ضمن نقاش ما يسمى التمكين السياسي للشباب.
ويبرز فاضلي أن هذا النقاش مغلوط ويغطي عن التناقضات الحقيقية داخل المجتمع، التي لا تعد تناقضاً فئوياً بين الشباب والشيوخ أو جنسياً بين الرجال والنساء، بل هي التناقض بين من يملك وبين من لا يملك، بين القوى الديمقراطية وأنصار التحكم.
ويضيف أن مشكلة الشباب لا يمكن عزلها عن مشكلة المجتمع كله، ولكن القوى الديمقراطية الإصلاحية انجرفت نحو المعارك المتوهمة، عوض المعارك الحقيقية، لذلك فلائحة الشباب جاءت في هذا السياق، وفي سياق حركية “الربيع العربي”، وهي جواب خاطئ عن مطالب الحراك الديمقراطي، الذي كان يعني المجتمع ككل وليس الشباب وحدهم، فهي إذن لائحة غريبة، وتشكل نوعاً من مظاهر الريع السياسي المناقض للديمقراطية التمثيلية الحقيقية.
لائحة مؤقتة
من جهته، يؤكد جواد الشفدي، رئيس المرصد المغربي للمشاركة السياسية، في تصريح لـ”المجتمع”، أن لائحة الشباب سواء الوطنية أو تحويلها إلى جهوية لا يمكن لها أن تكون إلا مؤقتة، لأن بلادنا غير مهيأة حالياً للقطع مع هذه “العادة الديمقراطية السيئة”، حسب تعبيره.
ويبرز الشفدي أن مقترحات الدقائق الأخيرة -في إشارة إلى إلغاء اللائحة- تسائل أصحاب القرار السياسي في المغرب عن البدائل التي سيقدمونها لفئة الشباب المعول عليها لتشجيع المشاركة السياسية ومحاربة العزوف، العدو الأكبر للعملية الانتخابية.
ويتساءل الشفدي: لو قبلنا جدلاً بأن الشباب لم تعد لهم لائحة وطنية تضمن لهم الوصول إلى البرلمان، فهل هناك ضمانات حقيقية وعملية لتزكيتهم من طرف أحزابهم بالمراتب الأولى في اللوائح المحلية؟
ويتابع الشفدي أنه يجب أن نعلم اليوم، أنه ليس من السهل إقناع الشباب بالمشاركة السياسية ما لم نتوافر على أحزاب قوية عبر ديمقراطيتها الداخلية واستقلالية قراراتها، كما أن الدولة المغربية عبر وزارة الداخلية يجب أن تحرص على ممارسة دور الحياد الإيجابي، عبر آليات تسمح للحزب الفائز بممارسة التدبير الحكومي بكل أريحية مما يسمح له بتنزيل برامجه، ويسمح كذلك للمواطنين بمحاسبته بعد انتهاء ولايته التدبيرية.
ويشدد المتحدث ذاته أنه لا يمكن أن نقنع الشباب بالمشاركة السياسة إلا عبر الشباب، وهنا تساءَل عن دور الأحزاب السياسية في تفعيل دورها في تأطير المواطنين وتكوين مناضليها من الشباب من أجل تكوين خلف يسمح باستمرارية العمل الحزبي، وتحسين الصورة النمطية السيئة التي يراها الشباب العازف عن العملية الانتخابية.