جدد قانون الأحوال الشخصية الجديد، الذي ينظره مجلس النواب المصري، الأزمة المكتومة بين شيخ الأزهر والرئيس عبد الفتاح السيسي والبرلمان، لتضمنه تعديلات تخالف الشريعة الاسلامية ورفض الأزهر تمرير أي قانون للأحوال الشخصية دون موافقته.
وواكب هذا حملة سخرية بالغة في وسائل التواصل الاجتماعي من تغريم الحكومة في القانون للزوج عن زواجه من زوجة ثانية بالسجن لمدة عام وتغريمه 50 ألف جنية بينما عقوبة الزنا أخف من ذلك في القانون المصري ولا تتعدي 6 أشهر!
وقال نشطاء: لماذا تقوم الحكومة بتحصيل 50 ألف جنية من الزوج؟ هل الحكومة هي زوجة الرجل الأولي المتضررة حتى تذهب لها الغرامة؟ واستغربوا حبس الزوج وحرمان زوجتيه الأولي والثانية منه في هذه الحالة.
وفي 24 فبراير 2021م، نشرت وسائل إعلام مصرية مشروع قانون متعلق بالأحوال الشخصية، ينص على فرض عقوبة على الزوج الذي يتزوج زوجة ثانية دون إخبار الزوجة الأولى تتضمن السجن لمدة عام كحد أقصى، وغرامة مالية تصل إلى 50 ألف جنيه.
كما نصت إحدى مواد القانون على أن يقر الزوج في وثيقة الزواج بحالته الاجتماعية، وفي حال كان متزوجًا، عليه أن يبين في الإقرار اسم الزوجة أو الزوجات اللاتي في عصمته ومحال إقامتهن، وإخطارهن بالزواج الجديد.
وأثار هذا جدلًا واسعًا في الشارع المصري، وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، وتصدي له عدد من العلماء والدعاة واعتبروه مخالفًا للشريعة الإسلامية، وتم دون الرجوع للأزهر الشريف، ما يعد محاولة جديدة لفرضه دون موافقة شيخ الأزهر.
“هيتجوز على الحكومة!”
وسخر نقيب المأذونين في مصر الشيخ إسلام عامر من قانون الأحوال الشخصية، وقال لـ قناة صدى البلد: “الراجل يتحبس ويدفع 50 ألف جنيه ليه هو اتجوز على الحكومة؟”.
حيث قال: “الرجل اللي يتزوج للمرة الثانية يتحبس ويدفع غرامة للحكومة ليه، هو تزوج عليها ولا على زوجته؟”.
وهاجم الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، مشروع قانون الأحوال الشخصية المعروض حاليًا على مجلس النواب وشدد على أن العقوبة المقترحة على الزوج إذا لم يبلغ زوجته بزواجه من أخرى “مخالفة للشريعة الإسلامية جملة وتفصيلًا”.
الشيخ أحمد كريمة قال في مداخلة مع برنامج التاسعة على القناة الأولى المصرية: “هذا القانون مخالف للشريعة وسيحكم عليه بعدم الدستورية لأن مما نص عليه الدستور أن الشريعة الإسلامية المصدر الرئيس للتشريع”.
وأقرت المادة 58 من مشروع قانون الأحوال الشخصية “على الزوج أن يقر في وثيقة الزواج بحالته الاجتماعية، فإذا كان متزوجًا فعليه أن يوضح في الإقرار اسم الزوجة أو الزوجات وإبلاغها، وعلى الموثق إبلاغها أو إبلاغهن بالزواج الجديد”.
وأقر القانون الجديد المقدم، عقوبة للزوج المخالف، إذ “تقضي بالحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تقل عن 20 ألف جنيه، ولا تزيد على 50 ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، ويعاقب بنفس العقوبة المأَذون المختص حال عدم التزامه وابلاغ زوجته أو زوجاته بالزواج الجديد”.
ومنح القانون للزوجة التي تزوج عليها أن تطلب الطلاق منه إذا لحقها ضرر مادي أو معنوي، حتى ولو لم تكن قد اشترطت عليه في العقد ألا يتزوج عليها، كما منح الزوجة الجديدة الحق في أن تطلب الطلاق إذا لم تكن تعلم أنه متزوج ولم يخبرها بذلك.
لماذا يتم تجاوز الأزهر؟
الشيخ كريمة قال أنه “أول من سيطعن على القانون أمام القضاء”، قائلًا: “هل يمكن أن تقر قوانين متعلقة بالمسيحيين دون الرجوع إلى الكنيسة والمجمع المقدس؟، فلماذا إذًا يتم تجاوز الأزهر فيما يخص القوانين المتعلقة بالأحوال الشخصية للمسلمين”؟
وكان شيخ الأزهر أحمد الطيب، قد أكد في حديث تليفزيوني في يناير 2019م، أن الأزهر لن يترك قانون الأحوال الشخصية لغير العلماء، مضيفًا: «الأزهر ليس جهة تشريع ولا دخل له بالتشريعات، لكن حين يتعلق الأمر بقوانين مصدرها الشريعة الإسلامية فلا يترك الأمر لغير العلماء»، واصفًا الاعتراض على إعداد المؤسسة التي يترأّسها لقانون في هذا الشأن بـ “العبث”.
وفي 2 يوليو 2017م، أصدر مركز الفتوى بالأزهر، فتوى صريحة قال خلالها: الإسلام يبيح للرجل أن يتزوج بأكثر من واحدة، لكن إباحته مشروطة بالعدل بين الزوجات، وبالقدرة المالية والجسدية، وألا تكون الثانية على حساب الأولى في النفقة والسكنى وغير ذلك من حقوق الزوجة على زوجها”.
وقال الأزهر: “لم يجعل الإسلام علم الزوجة الأولى شرطًا من شروط صحة الزواج بالثانية، فإذا ما تم الزواج بالثانية يكون صحيحًا، وتترتب عليه كافة الآثار الشرعية للزواج”.
وحدث توتر في العلاقة بين الرئيس السيسي وشيخ الأزهر علي فترات بعد رفض شيخ الأزهر في وقت سابق طلب السيسي اعتبار الطلاق الشفوي غير شرعي، وخالفه شيخ الأزهر أحمد الطيب.
وفي 25 يناير2017م، طلب السيسي من شيخ الأزهر ثورة في الخطاب الديني، قائلًا حينها بلهجة غاضبة: “نحن في حاجة لثورة وتجديد في الخطاب الديني، وأن يكون هذا الخطاب متناغمًا مع عصره”، ووجه خطابًا مباشرًا للإمام الأكبر: “تعبتني يا فضيلة الإمام”.
بعدها بأيام قلائل، أصدرت هيئة كبار العلماء التي يرأسها شيخ الأزهر، بيانًا مذيلًا بتوقيعه، يرفض الحديث عن تعديل قانون الطلاق، ومطالبة البعض بعدم الاعتداد بالطلاق الشفهي، مؤكدًا أنه طلب يتنافى مع الشرع.
وكان مجلس الوزراء وافق بشكل نهائي على مشروع قانون بإصدار قانون الأحوال الشخصية، في 20 يناير الماضي 2021م، وذلك بعد إعادة العرض على المجلس، وتلافي الملاحظات التي أبديت على عدد من المواد خلال اجتماع المجلس السابق، لينتظر بعد ذلك أن تقدمه الحكومة إلى مجلس النواب.
وكان مجلس النواب السابق قد عطل مناقشة ستة مشروعات قوانين تخص الأحوال الشخصية تقدم بهم أعضائه بداية من إبريل 2017م انتظارا لرأي مجلس الوزراء والأزهر والمجلس القومي للمرأة، غير أن الأزهر رفض النظر في المشروعات المقترحة من نواب البرلمان وأعد مشروع قانون خاص به في يناير 2019م.