عولمة القيم الأسرية تهديد لأمن الأسرة وعدوان على خصوصيتها هذا ما بينته د. أماني أبو الفضل، أستاذ الأدب الإنجليزي بجامعة القاهرة في حوارها مع مجلة “المجتمع” الذي نشرته في العدد (1317) بتاريخ 15 سبتمبر 1998م، وأجرته بالقاهرة: الزميلة هناء محمد.
د. أماني أبو الفضل، أستاذة الأدب الإنجليزي بجامعة القاهرة، بدأ اهتمامها بالأسرة وشرح قواعدها وأهدافها من منظور إسلامي منذ انعقاد مؤتمر بكين، الذي كان بمثابة اعتداء صارخ على القيم الأسرية، كما شاركت الدكتورة أماني في مؤتمر السكان والعديد من المؤتمرات التي تهتم بشؤون المرأة والأسرة، وأعلنت رأي الإسلام بصراحة عبر أبحاثها ودراساتها القيِّمة، التي اتسمت بالعمق وإدراك رؤية الآخر لقضية المرأة.
وتقول د. أماني: كان لا بد لأي مثقف مسلم يغار على دينه أن ينهض ويستنفر للرد على تلك الدعاوى الباطلة.
في الأعوام القليلة الماضية أصبح موضوع الأسرة الشاغل الوحيد في المنتديات العالمية، ما تفسيركم لهذا الاهتمام؟
– ينظر الإسلام للأسرة على أنها الوحدة الأساسية للمجتمع، وكلما كانت الأسرة قوية متماسكة، كلما زاد تأثيرها على المجتمع والعكس صحيح، لقد أدرك الغرب أهمية الأسرة في بناء المجتمع وتقدمه، وخصوصاً المجتمعات الإسلامية.
لذلك أعلن كارل ماركس في بداية هذا القرن للعالم مقولته: «اهدموا الأسرة»، لأنه كان يعتبرها إحدى معوقات الإنتاج والتقدم.
والآن في نهاية هذا القرن، يخرج علينا مؤتمر السكان بالقاهرة، ومؤتمر بكين بمفاهيم جديدة للأسرة، فقد أقروا البناء الأسري القائم على رابطة الزوجية، أو بدونه، وأقروا الزواج القائم بين الرجل والمرأة، أو بين الرجل والرجل، أو بين المرأة والمرأة، وقد عمل هذان المؤتمران على إضفاء أكبر قدر من الشرعية والحماية لمثل هذه العلاقات الشاذة والاعتراف بها، كذلك عملا على تغيير المصطلحات المستخدمة في هذا النوع من الدراسات لمسخ المفاهيم الإسلامية والإتيان بأخرى بديلة لها مقاصد مختلفة، فعلى سبيل المثال: أن هؤلاء الذين يرفضون فكرة الزواج ويفضلون حرية العيش أصبحوا يلقبون «بالأشخاص المتفردين».
والفتيات الصغيرات اللائي يمارسن الجنس منذ الطفولة ويحملن فإنهن يتمتعن بقدر من الاحترام والرعاية، ويلقبن بـ«المراهقات الحوامل»، أما من تتزوج زواجاً شرعياً، وهي في مثل هذا السن فإن هذا الزواج يلقب بـ«انتهاك الطفلة الأنثى».
وسط هذه المحاولات الدؤوبة لهدم قيم الأسرة، ما تصور الإسلام للأسرة والعلاقات الأسرية؟ وما الهدف من الزواج؟
– إن الإسلام دين الواقعية لم ينظر يوماً إلى رابطة الزوجية أو إلى الاحتياجات الجسدية للإنسان نظرة تحقير، أو أنها تخالف الاحتياجات الروحية، مثل الأديان الأخرى التي تنظر إلى الإنسان على أنه راهب، لكن العكس، فإن الزواج مطلب ديني لا يصح تأجيله إلا لسبب مقبول، فقد ذُكر عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه كان يحض على الزواج، وكره أن يظل المرء عزباً، لقوله صلى الله عليه وسلم: «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج».
ولقد ذكر الله عز وجل في إعلاء شأن الزواج في كتابه العزيز: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الروم 21).
وتضيف د. أماني أن هذه المودة والرحمة والسكينة معناها الاستقرار النفسي والعاطفي، ولقد ذكر العلماء الأمريكيون بعد مضي خمسة عشر قرناً أن الزواج هو أفضل وسيلة للمحافظة على الصحة النفسية.
وأن موقف الإسلام الذي يُعْلي من شأن الزواج وإشباع الحاجات النفسية والجسدية يتضح في الحديث الذي ذكر فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: بأن في بضع أحدكم صدقة، وبهذا يتضح أن رغبات الإنسان لم تخلق لتكبت أو تحتقر، بل لتنظم.
ماذا عما يتردد من الدعاوى التي تطالب بتعايش بعض الأشخاص مع بعضهم البعض دون زواج شرعي؟
– إن ارتفاع نسبة الأشخاص المتعايشين بلا زواج شرعي أدى إلى معاناة البشرية من جراء انتشار الأمراض السرية الفتاكة، وطبقاً لإحصائية 15/ 4/ 1997م، فإن هناك 12 مليون شخص مصاب بالأمراض السرية في الولايات المتحدة الأمريكية معظمهم من المراهقين والشباب تحت سن 25 سنة، لذلك فإن المختصين أطلقوا صيحات التحذير من العلاقات الجنسية المؤقتة، وقالوا: علاقة جنسية واحدة تكفي وهو في مفهومنا الزواج الشرعي.
ولقد حذر الإسلام من هذه المشاكل الصحية المرتبطة بممارسة هذه الأنواع من الفاحشة حين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا».
أخيراً.. ما رأيكم في محاولة البعض عولمة القيم الأسرية، التي يفرضها ما يسمى بالنظام العالمي الجديد؟
– إن فكرة الأسرة في الإسلام مستمدة من الشريعة «القانون الإلهي»، ولهذا فقد ضمنت وحدة وقوة الأسرة المسلمة على مدار القرون، ولذلك فإن عملية عولمة القيم الأسرية هو بمثابة تهديد واضح لأمن الأسرة المسلمة، وعدوان على خصوصيتها.
إن النظام الأخلاقي ومنظومة الأعراف الاجتماعية الإسلامية شديدة الخصوصية، وإن فرض أي قيمة من ثقافات أجنبية عليها لن يؤدي إلا إلى إعدام الاستقرار النفسي عند الأفراد، وبالتالي يؤدي إلى مزيد من العنف والفوضى السياسية والاجتماعية.
ونهيب بأولي الأمر من حكام المسلمين بوقف التدخلات البشرية التي تتم في هذا القانون الشرعي الإلهي، وبخاصة في مجال الأسرة.
ولا يخفى أن المؤامرات الغربية تستهدف تذويب القيمة الأسرية الإسلامية في إطار منظومة كونية، الهدف منها تمييع ومسخ قيم الإسلام وأدبياته حتى تسود الفوضى والإباحية.