يستعد اللبنانيون لاستقبال شهر رمضان، لكن الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة واستمرار جائحة كورونا قد تجعل شهر هذا العام الأصعب على مرّ السنوات في لبنان.
وقُبيل حلول الشهر، تنشط حركة الناس في الشوارع، فعلى الرغم من غلاء أسعار السلع بشكل كبير، يُحاول البعض ألا يحرم نفسه فرحة حلول الشهر، سواء بشراء الزينة أو المواد الغذائية.
لبنان يعاني منذ أكثر من عام من أزمة اقتصادية هي الأسوأ منذ انتهاء الحرب الأهلية عام 1990
ويعاني لبنان منذ أكثر من عام أزمة اقتصادية هي الأسوأ منذ انتهاء الحرب الأهلية عام 1990، أدت إلى تراجع قياسي في قيمة العملة الوطنية مقابل الدولار، وانهيار القدرة الشرائية لمعظم المواطنين، وزيادة معدلات الفقر.
وبخلاف السنوات الماضية، فإن بلدية بيروت لم تُزيّن شوارع العاصمة وكذلك العديد من المناطق الأخرى، في ظل تقشف مالي قاسٍ فرضته الأزمة الاقتصادية.
يقود هبوط العملة المحلية (الليرة) الأزمات الاقتصادية التي يواجهها لبنان؛ فبينما يبلغ سعر الصرف الرسمي 1510 ليرات، فإن السعر في السوق الموازية (السوداء) 12800 ليرة.
التراويح بإجراءات
بخلاف السنوات الماضية فإن بلدية بيروت لم تُزيّن شوارع العاصمة وكذلك العديد من المناطق
أما المساجد، فستفتح أبوابها هذا العام لاستقبال المصلين خاصة في صلاة التراويح، ولكن ضمن إجراءات وقائية من الجائحة، اتخذتها دار الفتوى، أبرزها التباعد الجسدي وإلزامية ارتداء الكمامة.
ومن ضمن الإجراءات الوقائية لمنع تفشي الوباء إحضار كل مصلّ سجادة صلاة خاصة به، والتوقف عن استقبال الأطفال والنساء وكبار السن، وإغلاق أماكن الوضوء، وحظر الاعتكاف في المساجد.
وحتى مساء الجمعة، سجل لبنان نحو 492 ألف إصابة بفيروس كورونا، بينها 6592 وفاة، في حين بلغت حالات الشفاء 399 ألفاً، أما عدد الذين تلقوا اللقاح فبلغ 190 ألفاً.
وقال المواطن الستيني طلال دروش لـ”الأناضول”: إنه “قبيل صدور قرار إقامة صلاة التراويح، فإن كثيراً من المواطنين قلقون من عدم السماح بذلك، لكن والحمد لله، ستقام الصلاة، وسنلتزم بالإجراءات الوقائية”.
من جهته، عبّر عامر حسان (خمسيني) عن فرحته بالسماح في إقامة صلاة التراويح، وقال: “إن شاء الله في رمضان سنصلي التراويح، ونلتزم بالإجراءات الوقائية المطلوبة”.
تأمين الطعام
إقامة صلاة التراويح ضمن إجراءات وقائية
وإلى جانب فروض العبادة، كالصوم والصلاة، يهتم المسلمون في لبنان بتزيين موائد إفطارهم بأنواع عدة من المأكولات والحلويات، لكن الظروف المعيشية الصعبة قد تحدّ بشكل كبير من تلك العادات.
وفي تصريح لـ”الأناضول”، قال الشيخ حسن مرعب، المفتش العام المساعد لدار الفتوى في الجمهورية: إن “رمضان هذا العام فيه غصّة نابعة عن جائحة كورونا من جهة، والوضع الاقتصادي السيئ الذي أصاب المواطنين من جهة أخرى”.
وأضاف: “نسمع أن البعض لم يتذوق اللحوم منذ عيد الأضحى الأخير، أي قبل 8 أشهر!”، هكذا شرح مرعب حجم المعاناة المعيشية التي أصابت كثيراً من السكان.
وتابع: “بعدما كان الناس يهتمون بتزيين موائد إفطارهم أصبح الهم الأساس تأمين الطعام”.
وأوضح: “كنا في السابق نهتم بزينة المسجد لاستقبال شهر رمضان المبارك، لكن اليوم أصبح كل همنا كيف يمكن أن نؤمّن الأكل والشرب للناس الذين أصحبوا في مرحلة الجوع”.
المفتش العام المساعد لدار الفتوى: همنا تأمين الطعام للناس
“هدفنا اليوم هو تأمين حاجيات الناس الضرورية والأساسية في حياتهم، وحفظهم من جائحة كورونا من خلال التباعد والكمامة وأيضاً، هذه هي استعداداتنا لشهر رمضان المبارك”.
ووفق الأمم المتحدة، فإن معدل الفقر ارتفع في لبنان عام 2020 ليشمل 55% من السكان، بينما تزايد معدل الذين يعانون الفقر المدقع ثلاثة أضعاف، من 8% إلى 23%، لكن هذه المعدلات مرجح ارتفاعها مع استمرار تصاعد الأزمة الاقتصادية.
وفي 23 مارس الماضي، أنذرت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو) من انعدام الأمن الغذائي في لبنان، منبّهةً من سير البلاد نحو مزيد من الفقر والجوع.
رمضان “الأصعب”
“رمضان هذا العام مختلف عن السابق كثيراً”، هذا ما قاله أحمد حمامي (مواطن ثلاثيني) في حديثه لـ”الأناضول” عن الصعوبات المعيشية، وأضاف: “مثلاً كنا نشتري كيلو السكر بـ3 آلاف ليرة (1.98 دولار وفق السعر الرسمي)، أما اليوم يصل سعره إلى 12 ألف ليرة (7.95 دولار)، وكذلك الحال بالنسبة لأسعار كافة المواد الغذائية”.
وتساءل حمامي: “كيف سيتمكن المواطن من تأمين إفطاره؟ للأسف لاحظت أن بعض المواطنين تمنّوا أن يتأخر رمضان قليلاً هذا العام، لأن وضعهم المعيشي تعيس جداً”.
واعتبرت أم فؤاد (سيدة أربعينية) أن “هذا أصعب شهر رمضان قد يمر علينا”، وقالت لـ”الأناضول”: “نحن في الأساس نواجه صعوبات في تأمين الطعام وشراء السلع، ولا تصلنا مساعدات من أحد”.
إقبال ضئيل على الزينة الرمضانية بسبب غلاء الأسعار
وعادة تشهد محال بيع الزينة الرمضانية في بيروت إقبالاً كثيفاً قبيل حلول شهر رمضان، لكن المشهد هذا العام اختلف عن السابق، بحسب جولة لفريق “الأناضول” على بعض تلك المحال في العاصمة.
وقال سامي، وهو موظف في أحد محال بيع الزينة الرمضانية: “سابقاً كان يزدحم محلنا بالزبائن لشراء الزينة استقبالاً للشهر الفضيل، لكن اليوم الإقبال على شراء الزينة أصبح ضئيلاً”.
وأضاف أن “الأزمة الاقتصادية أثّرت بشكل كبير على عملنا، حيث لم نعد نستطيع تأمين البضائع كما في السابق، وانخفضت نسبة بيع الزينة، نظراً لارتفاع أسعارها”.
بدورها، أشارت ميرفت شومان، مديرة محل آخر لبيع الزينة في بيروت، إلى أنه “بسبب الوضع الاقتصادي تأثر بيع الزينة بشكل كبير، بسبب ارتفاع أسعارها”.
وأضافت أنه “رغم ذلك، فإن بعض الناس يتوافدون لشراء الزينة ولو بكمية أقل عن السابق، فهم يريدون إدخال السرور والبهجة على قلوب أطفالهم في حلول شهر رمضان، ونحاول مراعاتهم في الأسعار قدر المستطاع”.
وبالإضافة إلى المعاناة الاقتصادية وجائحة كورونا، شكل انفجار مرفأ بيروت، الذي وقع في 4 أغسطس 2020، ضربة إضافية للبنانيين حيث أسفر عن مقتل نحو 200 شخص، وإصابة 6 آلاف آخرين، فضلاً عن دمار مادي هائل.
ووسط كل تلك المعاناة، ما تزال الخلافات السياسية تحول دون تشكيل حكومة لتحل محل حكومة تصريف الأعمال الراهنة، برئاسة حسان دياب، التي استقالت بعد 6 أيام من الانفجار، في بلد تتصارع فيه مصالح دول إقليمية وغربية.