حراك محموم لدول مصر والسودان وإثيوبيا في سبيل تحقيق مكاسب بملف “سد النهضة”، الذي يشغل بال الجميع لاعتبارات عدة، وسط تعثر المفاوضات بشأنه.
وتطابقت رؤى مصر والسودان مؤخرًا بشأن مقترح وساطة رباعية تضم الاتحادين الأفريقي والأوروبي والأمم المتحدة والولايات المتحدة، مقابل رأي إثيوبي يؤكد المضي قدماً في الملء الثاني للسد ورفض الوساطة الرباعية.
ولم تنجح المفاوضات بعاصمة الكونغو الديمقراطية كينشاسا في تجسير الهوة بين الدول الثلاث، بل على العكس باعدت بينها وحمّل كل طرف منها الآخر تعثر التفاوض.
وأجريت المفاوضات الوزارية برعاية رئيس الكونغو الديمقراطية فليكس تشيسكيدي، الذي يرأس أيضاً الدورة الحالية للاتحاد الأفريقي، في أيام 4 و5 و6 من أبريل الجاري.
وباءت المفاوضات بالفشل، إذ لم تتمكن البلدان الثلاثة من التوصل إلى نقطة اتفاق يمكن الانطلاق منها نحو حل نهائي لملف السد.
وتصر أديس أبابا على الملء الثاني للسد في يوليو المقبل، حتى لو لم تتوصل إلى اتفاق.
فيما تتمسك القاهرة والخرطوم بالتوصل إلى اتفاق يحافظ على منشآتهما المائية ويضمن استمرار تدفق حصتيهما السنوية من مياه نهر النيل، البالغتين 55.5 و18.5 مليار متر مكعب، حسب الترتيب.
عرض إثيوبي ورفض مصري سوداني
حراك محموم يشهده ملف “سد النهضة” في ظل تعثر المفاوضات بين مصر والسودان وإثيوبيا
مع ارتفاع حدة التصريحات من الأطراف الثلاثة حول سد “النهضة”، خرجت إثيوبيا السبت، بعرض جديد لمصر والسودان، وهو ترشيح شركات مشغلة للسدود بهدف تبادل البيانات قبل بدء الملء الثاني.
وهي خطوة وجدت الرفض من القاهرة بعد ساعات قلائل، حيث أعلنت وزارة الري المصرية رفض العرض الإثيوبي، معتبرة أنه “غطاء” لتمرير قرار التعبئة في يوليو المقبل.
ولم تشذ الخرطوم عن موقف القاهرة، فقد اشترطت توقيع اتفاق قانوني ملزم مع أديس أبابا لتبادل معلومات الملء الثاني للسد.
وقالت وزارة الري السودانية، في بيان، السبت: إن “عرض تبادل المعلومات بإجراء أحادي الجانب من إثيوبيا، في الوقت الذي يناسبها فقط، يجعل تبادل المعلومات مجرد منحة من أديس أبابا، توفرها أو تحجبها متى شاءت، الأمر الذي يمكن أن يعرض مصالحنا الوطنية لمخاطر جسيمة”.
فيما أفاد مسؤول بالخارجية السودانية لـ”الأناضول”، مفضلاً عدم نشر اسمه، السبت، قائلاً: “من الواضح أن إثيوبيا قدمت هذا العرض لترفع عنها الضغط السوداني والإقليمي والدولي”.
وأضاف المسؤول، وهو عضو بفريق التفاوض حول السد: “أي مشاركة للمعلومات بدون اتفاق قانوني ملزم هو منحة أو صدقة من إثيوبيا يمكن أن توقفها في أي لحظة كما ترى هي أو تقرر”.
تغيير منهجية التفاوض
روى مصر والسودان تطابقت حول مقترح وساطة دولية في الأزمة مقابل رفض إثيوبي لها
بدوره، ذكر كبير المفاوضين السودانيين بملف السد، مصطفى حسين الزبير، السبت، أن بلاده لن تشارك في مفاوضات عقيمة حول السد، أثبت الواقع عدم جدواها، دون تغيير منهجية وآلية التفاوض.
وأضاف الزبير، وهو رئيس الجهاز الفني بوزارة الري والموارد المائية، لـ”الأناضول”: “إذا وافق الاتحاد الأفريقي على تغيير منهجية وآلية التفاوض لتكون أكثر فاعلية سنشارك، وما عدا ذلك لن نشارك”.
وأفاد بأن “الأطراف الدولية المقترحة من قبل السودان للقيام بدور الوساطة، لضمان الحياد وتوفر الخبرة الفنية والقانونية والعملية في تسوية النزاعات الدولية المشابهة، وتنفيذ بنود الاتفاق مستقبلاً”.
واستطرد: “لذلك نحن نتمسك الآن بعدم القيام بالملء الثاني قبل الوصول لاتفاق قانوني ملزم”.
وفي 9 مارس الماضي، رفضت إثيوبيا مقترحاً سودانياً، أيدته مصر، بتشكيل وساطة رباعية دولية، تضم الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحادين الأوروبي والإفريقي، لحلحلة المفاوضات المتعثرة.
خيارات مصر والسودان
لوَّح طرفا الأزمة (السودان ومصر) بخيارات أخرى، عقب فشل جولة مفاوضات كينشاسا، وتركا الباب مفتوحاً أمام هذه الخيارات التي سينتهجانها إذا مضت إثيوبيا في مسعاها.
وبحسب محللين، فإن حديث السودان ومصر عن الخيارات في هذا التوقيت (اقتراب موعد الملء الثاني) تجعل إمكانية قيام أي طرف منهما بتنفيذ خطوة يحفظ بها مصلحته وارداً، أو أنهما قد بحثا هذه الخيارات، بما فيها الخيار الأصعب (العسكري).
وفي 7 أبريل الجاري، قال الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي: إن التعاون والاتفاق (بملف سد النهضة) أفضل للجميع، داعياً إلى معرفة عواقب المواجهات العسكرية.
ووصف السيسي، في كلمة بثها “التلفزيون الرسمي”، الإثيوبيين بـ”الأشقاء”، قائلاً: إنه “لا يجب الوصول لمرحلة أنك تمس نقطة مياه من مصر”، مشيراً إلى انفتاح القاهرة على كل الخيارات.
وفي ذات اليوم، قال وزير الري السوداني ياسر عباس، في مؤتمر صحفي بالخرطوم: إن “كل الخيارات مفتوحة” أمام بلاده للتعامل مع أزمة السد، ومن ضمنها اللجوء إلى مجلس الأمن الدولي.
القاهرة والخرطوم لوَّحتا بخيارات أخرى بعد فشل مفاوضات الكونغو الديمقراطية حول السد
حرب أم مفاوضات؟
وفي حديثه لـ”الأناضول”، قال المحلل السياسي السوداني عبدالله رزق: إن ما يلفت الانتباه هو التقارب الوثيق بين السودان ومصر في هذه المرحلة من النزاع المتطاول حول السد، الذي تجسد بنحو خاص في المناورات الجوية المشتركة.
وأضاف رزق أن “ذلك يشي إلى احتمال دخول السودان بجانب مصر، حرب افتراضية وشيكة ضد إثيوبيا، كتعبير عن وحدة الرؤية والموقف والمصلحة، وهو جديد الخرطوم أيضاً، في هذه المرحلة المتقدمة من النزاع”.
وأردف: “فشل مفاوضات الكونغو (الديمقراطية)، يعني ضمن أمور أخرى، فشل محاولات الضغط على الجانب الإثيوبي، الموصوف بالتعنت، بخصوص تقديم تنازلات”.
وتابع: “قد يعزي هذا الفشل لتوازن القوى العسكرية بين طرفي النزاع (مصر والسودان) من ناحية، وإثيوبيا التي قبلت التحدي وأعلنت استعدادها لأسوأ الاحتمالات، من الناحية الأخرى”.
وأوضح أن “هذا التطور في الموقف التكتيكي، يحتم على الأطراف العودة للتفاوض بحسن نية، مجدداً، بعيداً عن لغة التهديد وقعقعة السلاح”.