حين فتح مقاتلو “طالبان” سجون الولايات المختلفة التي حرروها بعدما عادوا للحكم، لم يدققوا فيمن يتم خروجه بل أطلقوا الجميع، بمن فيهم معتقلون من تنظيم “داعش- خراسان”، أو المتعاطفون معهم، وهو تنظيم يناصب “طالبان” والأمريكيين العداء.
وعندما سيطرت حركة “طالبان” على العاصمة كابل، منتصف الشهر الماضي، أطلقت الحركة عدداً من المعتقلين من سجن بولي شاركي، وكانت تقارير تفيد بأنه يضم معتقلين من تنظيم “الدولة” و”طالبان”.
وفي تفجير انتحاري من هذا التنظيم نفسه في مطار كابل قتل قرابة 72، منهم 13 جندياً أمريكياً، و28 من “طالبان”، ومدنيون، كانت أجهزة الاستخبارات الغربية قد حذرت من تفجيرات قادمة في المطار، وبدأت في إبعاد الصحفيين ومسؤولين غربيين، وزعمت أن ثمة رابطاً بين تنظيم “الدولة الإسلامية في خراسان” (داعش) بحركة “طالبان” (رغم العداء بينهما) عبر ما يسمى “شبكة حقاني الإسلامية”، وأن خليل حقاني الذي تولى أمن كابل على علاقة بهم، في إشارة لتورطه، ومع هذا لم يمنع الغرب التفجيرات التي تحدث عنها.
فعلاقات حقاني السابقة مع “داعش” جعلت التقارير الاستخبارية الغربية لا تستبعد أن يكون له دور في تسريب الانتحاريين لمطار كابل للقيام بسلسلة تفجيرات دموية.
وقد أسس هذه الشبكة حقاني الأب (جلال الدين حقاني) الذي حارب الغزو السوفييتي لبلاده في ثمانينيات القرن الماضي، وكانت تعتبره وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي إيه) آنذاك شخصية مهمة تدعمه لمحاربة السوفييت.
وقد تحالف حقاني فيما بعد مع “طالبان” التي سيطرت على أفغانستان في عام 1996، وشغل منصب وزير في نظام “طالبان” حتى الإطاحة بالحركة في الغزو الأمريكي في عام 2001م، وعقب وفاته 2018م بالمرض، خلفه خليل، وأنس حقاني.
خليل حقاني يعتبر الرجل المسؤول عن الأمن في كابل، وهو من بين الشخصيات التي رصدت أمريكا مكافأة تبلغ 5 ملايين دولار للإبلاغ عن مكانه، أو قتله.
هل هناك رغبة لدى الغرب أن يترك أفغانستان في فوضى وعدم استقرار بعد الانسحاب منها كعادته في البلدان التي احتلها؟
لكن السؤال: كيف علمت أجهزة الاستخبارات الغربية أن هناك تفجيرات ستتم في المطار؟ ولماذا لم تمنعها؟ وهل هناك رغبة لدى الغرب أن يترك أفغانستان في فوضى وعدم استقرار بعد الانسحاب منها كعادته في البلدان التي احتلها؟
فوزير القوات المسلحة البريطانية جيمز هيبي حذر، في 26 أغسطس، من هجوم محتمل من “داعش” على تجمعات المواطنين بمطار حامد كرزاي بالعاصمة الأفغانية كابل، بحسب “رويترز”.
وجاء التحذير البريطاني بالتزامن مع تحذير من السفارة الأمريكية بخصوص خطر أمني، لم تحدده، حيث حثّت السفارة المواطنين على عدم الذهاب إلى المطار، ودعت المواطنين المتجمعين في محيط المطار إلى المغادرة على الفور.
كما أكّد مسؤول أمريكي رفيع المستوى لصحيفة “نيويورك تايمز” أن الخطر مصدره “داعش خُراسان”، وهو فرع منظمة تنظيم “الدولة الإسلامية” في أفغانستان، وهو خصم لحركة “طالبان”؛ لذا لم تكن هجمات التنظيم مفاجئة، فحتى الرئيس الأمريكي جو بايدن حذر هو ومستشاروه في الأيام الأخيرة، من احتمال وقوع هجوم من قبل “داعش” في أفغانستان، في الوقت الذي تواصل القوات الأمريكية إجلاء آلاف الأشخاص عبر مطار كابل.
متحور “داعش- خراسان”!
في ذروة قوته، ضم تنظيم “داعش- خراسان” نحو 3 آلاف مقاتل، لكنه عانى خسائر فادحة، في أوقات لاحقة، خلال اشتباكاته مع القوات الأمريكية، والجيش الأفغاني، وكذلك في اشتباكات خاضها ضد حركة “طالبان”.
ويعتقد أنه يضم حالياً ما بين 1500 و2000 مقاتل، وفقاً لتقرير للأمم المتحدة، وقد يزيد العدد من إطلاق “طالبان” المعتقلين؛ ما يعني أن “متحور داعش” الجديد (داعش- خراسان) سيكون أخطر من “داعش” التقليدية؛ فقد شن التنظيم في أول 4 أشهر من العام الجاري 77 هجوماً في أفغانستان مقابل 21 هجوماً في عام 2020، وفي أسبوع واحد بعد عودة “طالبان” شن 3 هجمات انتحارية.
ويقول تقرير لموقع “بزنس إنسايدر” الأمريكي، في 26 أغسطس 2021: إن “”داعش- خراسان”، هو فرع من تنظيم “الدولة الإسلامية في أفغانستان” ويناصب “طالبان” العداء منذ سنوات؛ إذ ينظر إليها على أنها مرتدة، وليست متدينة بما فيه الكفاية من حيث نهجها تجاه الإسلام، وندد قادة التنظيم باستيلاء “طالبان” على أفغانستان؛ لذلك فمن مصلحة التنظيم شن هجمات تثير الفوضى في البلاد بعد سيطرة الحركة لإحراجها، بحسب التقرير.
الخطورة الآن أن “متحور داعش” الذي كافح من أجل الحصول على موطئ قدم كبير في أفغانستان، ولا يزال يشكل تهديداً قوياً، سيحاول أن يقوض حكم “طالبان” بحسب “بزنس إنسايدر”؛ ما يعني تحول الصراع في أفغانستان والمنطقة لحروب بين تنظيمات إسلامية سينعكس على تمدد نشاطها لمناطق أخرى.
فتنظيم “الدولة الإسلامية في خراسان” يتسم بصفات مختلفة عن “طالبان”، ويتهم الموالين لحركة “طالبان” بالتخلي عن الجهاد، والتولي عن المعركة، وتفضيل المفاوضات مع الولايات المتحدة، التي كانت تدور في قطر.
ويقول فرانك غاردنر، مراسل “بي بي سي” للشؤون الأمنية، في 26 أغسطس: إن هذا التنظيم هو الأكثر تطرفاً وعنفاً، من بين جميع التنظيمات والفصائل الإسلامية في أفغانستان، على الإطلاق؛ فقد أعلن عن نفسه مطلع عام 2015، في ذروة صعود التنظيم الأم في سورية والعراق، قبل أن يندحر ويتفكك تحت الضربات الغربية التي قادتها الولايات المتحدة.
هل كشفت التفجيرات الأخيرة للغرب مدى اعتدال “طالبان” بالمقارنة مع تنظيمات أشد دموية مثل “داعش- خراسان”؟
وهو يجند متطوعين، من أفغانستان وباكستان والمنشقين عن حركة “طالبان” في أفغانستان، الذين يعتبرون أن الحركة غير ملتزمة بالشرع بالشكل الكافي.
وحُمّل “تنظيم الدولة في خراسان” مسؤولية الكثير من الكوارث، خلال السنوات الأخيرة، منها استهداف طالبات المدارس، والمستشفيات، وحتى أقسام الولادة، واتًّهم بإطلاق الرصاص على امرأة حامل، وممرضات.
وعلى عكس “طالبان” التي تقصر نشاطها على الأراضي الأفغانية، يعتبر “تنظيم الدولة الإسلامية في خراسان” جزءاً من تنظيم أكبر، ويعمل على المستوى الدولي، ويمكنهم أن يشنوا هجمات ضد المصالح الغربية، في أي موقع تصل إليه أياديهم.
ويتمركز “تنظيم الدولة في خراسان”، في إقليم نانغهار، شرقي أفغانستان، قرب طرق تهريب المخدرات والبشر إلى باكستان.
وفقاً لتقرير صدر عام 2018 عن مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية يقول: مع فقدان تنظيم “الدولة الإسلامية” لأراضيه في العراق وسورية، تحول الاهتمام بشكل متزايد إلى أفغانستان كقاعدة لخلافته العالمية، بحسب دائرة الاستخبارات الأمنية الكندية.
دولة فاشلة على الطريقة الغربية
هل يعني هذا أن أفغانستان قد تتحول إلى دولة فاشلة على الطريقة الغربية التي تحولت لها أي دولة احتلتها بغض النظر عن استمرار اعتماد الأفغان على المحتل السابق؟
وهل كشفت التفجيرات الأخيرة للغرب مدى اعتدال “طالبان” بالمقارنة مع تنظيمات أشد دموية مثل “داعش- خراسان”؟ وهل يسعى التنظيم لتعويض خسائره في سورية والعراق بالانتقام من الغرب وتثبيت أقدامه في أفغانستان؟