هذا كتاب يجيء في موعده تماماً لكي يضع النقاط على الحروف في موضوع تعرّض للكثير من الجدل والمغالطات، بل حتى التزوير والتزييف، ثم ها هو الأخ د. دحام الهسنياني يعكف على دراسته وتقليب صفحاته، لكي يضع يديه بإخلاص الباحثين عن الحق وحده على ما شهده تاريخ الكرد المبكر في علاقتهم بالدين الجديد، وفتح الطريق أمام قادته الفاتحين، برحابة صدر وتقبل طوعي لا إكراه فيه على الإطلاق لاعتناقه والقتال دونه، ليس هذا فحسب، بل لبدء عهد جديد نقَلَ الكرد إلى قلب الفاعلية الحضارية، حيث ظل إقليمهم يخرّج كبار العلماء والفقهاء واللغويين والمؤرخين والأدباء جيلاً بعد جيل.
ما الذي يدلّ عليه هذا؟ ونحن نرى بأم أعيننا في زمننا المعاصر كيف انطلق العقل الكردي الأصيل لكي يساهم جنباً إلى جنب مع إخوانه العرب وسائر القوميات الأخرى في بناء الصرح الحضاري للأمة.
إن هذا الدين جاء لكي يعلن ويتقبل ويفتح صدره لما يمكن تسميته بالأممية الإسلامية التي يلتقي فيها العربي، بالكردي، بالتركي، بالفارسي، بالإندونيسي، بالماليزي، بالباكستاني، بالأفريقي، بالأوروبي، تحت مظلة واحدة، يحملون جميعاً الهم المشترك الواحد ويتجهون صوب قبلة واحدة وهدف واحد، ولكنهم كل في دائرة انتمائه القومي كانت له الحرية المطلقة في أن ينسج حيثيات ثقافته الخاصة، ويعبر عن عاداته وتقاليده وذوقه المتميز الذي يفرقه عن الجماعات الأخرى.
إنها عقيدة الوحدة والتنوّع كما يؤكد جملة من المستشرقين، الوحدة في الأهداف والتنوع في الثقافات والعادات والتقاليد التي لم يقل أحد من فقهاء الإسلام بأنها خروج عن الجادة.
يجيء هذا الكتاب لكي يحدثنا بالتفصيل المشبع بالتوثيق الدقيق عن رحلة الزعيم الكردي جابان إلى قاعدة الإسلام في الحجاز لكي يبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكي يمضي وذريته من بعده في خدمة هذا الدين والدعوة إليه.
وهذا الكتاب يجيء متمماً لكل من بحث د. عبدالله النقشبندي، رحمه الله تعالى، والمعنون «أمجاد الأكراد»، وبحث د. أحمد مرزا عن رحلة جابان وانتماء الكرد للإسلام، اللذين يكشفان فيهما عن جملة من الحقائق التاريخية بخصوص موقف الكرد من هذا الدين، وطواعية الانتماء إليه، والاستماتة في الدفاع عن مقدراته.
ولسوف يظل الكرد الأحفاد الأمناء لأولئك الأجداد الذين وضعوا مقدراتهم الحربية والحضارية معاً في خدمة هذا الدين على تقلب الظروف وتغاير الأحداث.
ومن الله تعالى وحده التوفيق والسداد.