يستطيع الأهل الجمع بين تعويد الطفل على الصيام وبناء شخصية أقوى له؛ ليفوز بخيري الدين والدنيا، وإليكم الخطوات العملية والمجربة:
نبدأ بتشجيع الطفل على الصيام منذ صغره، وعدم رفض طلبه بالصوم لصغر سنه؛ وإذا لم يكن يستطيع الصيام فليشارك بالسحور والإفطار ويعتاد -مبكراً- أن ما لا يدرك كله لا يترك كله؛ فمن لا يستطيع الصوم يوماً كاملاً يستطيع الصيام ساعات أو ساعتين؛ بالصيام عن الأكل فقط لساعات مع تناول الماء والعصير؛ ليتدرب، ونجعله يحب الصيام بلا مبالغة، وليفرح بالإنجاز؛ فيبذل الجهد ويفوز بالإنجاز الذي يعوض المجهود الذي بذله.
لا نتوقع من الطفل وهو دون السابعة صيام الشهر كله ونقسو عليه
حتى لا يرى بذل الجهد بأي شيء -وليس بالعبادات فقط- مصدراً للضيق والمعاناة، بل مقدمة ومهر يدفعه راضياً؛ ليستمتع ويفرح ويفخر بالإنجاز؛ فلا شيء بالكون له قيمة يحدث بلا جهد، والخسارة الناتجة عن عدم بذله تؤلم بأضعاف الجهد المبذول الذي يزول بعد أخذ قسط مناسب من الراحة.
التدرج مهم جداً، فنعلمه أنه يمكنه التدرب حتى يتقن الصعب ويفعله كله بصورة رائعة؛ كمن يتدرب على تقوية عضلاته فلا يفعل ذلك بيوم وليلة، ويقضي شهوراً وأعواماً ليتدرب ويتحمل الجهد ليسعد بالانتصارات؛ وهذا التشبيه سهل ويحبه الأطفال، فمن يتدرب يتنبه لما يتحمله جسمه؛ وإن حاول بأكثر مما يتحمل أضر نفسه، وإن فعل أقل مما يستطيع صنع فشله بيديه، فليفعل ذلك بعباداته وأفعاله، وكلما نمت العضلات وتكونت أصبح أقوى، وتتحسن شخصيته، فعندما تواجهه مشكلة لا ينهار بسببها، يقوم بتفتيتها ويقسمها لأجزاء ويقوم بحلها على مراحل.
وكذلك الصيام، وكل ما تريد النجاح به يحتاج للتدرب بجدية وبعدم التراخي أو استعجال النتائج ومنع التراجع عند التعب حتى لا يهزم نفسه.
ولنذكره بنجاحه بالصيام -ولو كان ساعة- عندما يواجه صعوبة بمذاكرته أو أي مشكلة، ونبث الثقة داخله بلا مبالغات؛ فالمبالغة تفسد.
يجب مراقبة توقعاتنا من الطفل لتناسب لعمره؛ فلا نتوقع من طفل دون السابعة صيام الشهر كله ونقسو عليه ونحمله ما لا يطيق، ولا نترك طفلاً بالعاشرة لا يصوم إلا بضعة أيام فقط فنزرع داخله الاستهانة بالصيام والتراخي بالشخصية، والسير بمبدأ لماذا أفعل الشيء كاملاً ما دمت أستطيع الاكتفاء بالقليل فقط؟ فهذا من أهم أسباب فقدان الحماسة وتراجع الرغبة بالنجاح، وهو أذى بالغ يجب حماية أولادنا منه دوماً.
لا تقبل منه أي عصبية أو كلاماً سيئاً أو انفعالاً بسبب الصيام وساعده على تنظيم وقته
تنمر ولكن..
لا تسمح لطفلك بادعاء أنه صائم لينجو من التنمر؛ سيتعلم الكذب وسيشعر أنه يُخفي شيئاً يقلل منه، والصيام ليس فرضاً على الصغير، ولا تجعله يقارن بين نفسه وأصحابه من حيث القدرة على الصيام، وعلّمه ألا يستمع لسخرية أحد منه؛ لأنه لم يكمل صيام الشهر لصغر سنه أو لمرض ما، وألا يدافع عن نفسه ولا يشعر بأنه أقل منهم؛ فهو ينجح بالصيام والعبادات وبكل حياته ليرضي ربه أولاً ثم ليسعد نفسه، وليس ليثني عليه الناس، وبذا تضع لبنة مهمة جداً بصناعة شخصية قوية تستغني عن الحاجة للحصول على إعجاب الناس، وتفعل الصواب إرضاء لربها ثم لأنها تستطيع فعله وتستحق الفرح به.
احرص على أن يواظب على الصلاة مع الصيام، ولا تقبل منه أي عصبية أو كلاماً سيئاً أو انفعالاً بسبب الصيام، وساعده على تنظيم وقته بين المذاكرة والصيام، ولا تضره بالحماية الزائدة؛ بالمبالغة بالخوف عليه من الجوع والعطش وتعب الصيام والقول أمامه بأن الصيام متعب جداً، أو الزعم أنه سهل جداً ولا توجد به مشقة؛ لتشجيعه، وهذا غير حقيقي، وقد يدفعه للشعور بالضعف لتعبه من الصيام أو اتهام الأهل بالكذب أو بعدم احترام عقله.
قل ولا تقل:
– لا تقل أمام أي أحد حتى إخوته بأنه لا يقوى على الصيام لصغر سنه أو لضعف صحته؛ وقل: سيصوم بالوقت المناسب، ولا تسمح بالسخرية منه أو بإطالة الكلام عن ذلك.
– لا تقل: الصيام لكي نشعر بالفقراء، وقل: طاعة للخالق وطاعته ورضاه عنا عز وجل هي أعظم فوز بالحياة؛ لتغرس بعقله وقلبه منذ الصغر أهمية الطاعة.
– لا تقل له بتوسل: تحمَّل الصيام؛ فنجعله يشعر بصعوبته بشكل مبالغ؛ وقل: الصيام به جهد، وتستطيع تحمله بحسن الاستعداد له بتناول طعام السحور جيداً وبعض الراحة خلال النهار، وتجنب بذل جهد زائد باللعب بنهار رمضان، وهكذا يعتاد ليس على الصيام فقط، بل يفوز بالتخطيط وتوفير سبل النجاح بجميع أموره.
– لا تقل حكايات عن أطفال صاموا الشهر كله بعمر صغير أو أنك فعلت ذلك؛ فيشعر بالضآلة والإحباط، وقد تدفعه -لا قدر الله- للكذب وادعاء الصيام، وتناول الطعام والشراب سراً كما يفعل البعض -مع الأسف- هرباً من معايرة الأهل، ولا نبرر ذلك أبداً بل نرفضه، لكننا نود إغلاق كل الأبواب التي قد تتسبب باللجوء له.
استرخاء وترفيه
علّمه تمارين التنفس عند الشعور بالتعب بالصيام، وأسهلها التنفس من الأنف مع إغلاق الفم والاسترخاء مع إغماض العينين؛ فسيساعده ذلك على تقوية شخصيته، وإتقان مهارات مساعدة النفس بعد الاستعانة بالله تعالى.
عوِّده على الراحة والترفيه بعد الصيام وتناول ما يحبه بلا إفراط واحرص على مراقبة غذائه
عوِّده على الراحة والترفيه بعد الصيام، وتناول ما يحبه بلا إفراط، واحرص على مراقبة غذائه ليفيده ويعوضه عن جهد الصيام، وليعتاد دوماً تعويض نفسه عن أي تعب، ولا ينتظر ذلك من الآخرين الذين لديهم ما يشغلهم، وليكون المؤمن القوي دوماً ويتعلم إعطاء بدنه حقه.
احرص على مكافأته بلا مبالغة؛ فالطفل ذكي ويدرك ذلك، وإن لم يتنبه فسيعتاد على المكافآت الزائدة والتشجيع الكبير ليفعل أي شيء، ويجب أن يعرف أن الصوم كأي نجاح بالدنيا ستعود فائدته له وحده؛ فالأهل يصومون ويفوزون بثواب الصوم وهو من يحتاج للصوم وليس هم.
اغرس ذلك منذ صغره بالتدريج لنفوز بأفضل النتائج، أما من كبر فلا تتركه، وازرع ذلك داخله بصبر وتدرج، وبأقل كلمات ممكنة حتى لا يشعر بأننا نضغط عليه أو نحاصره بالنصائح؛ فيمل، وأحياناً يعاند.
نوصي بشراء هدية للطفل بعد أول يوم صيام، وأخرى عند إكمال نصف الشهر، وثالثة بعد إكمال الشهر، وتصويره بها وطبعها للاحتفاظ بها كذكرى تسعده دوماً وتربط بين الصوم والفرح.