منهجية القراءة ومنطلقاتها
نحاول تقديم قراءة مختلفة لموقف القرآن الكريم من التغيير الاجتماعي، من خلال المدخل المعجمي لهذه القراءة، ولا شك أن المعاجم القرآنية قدمت فوائدَ عديدة لمساعدة قارئ القرآن على تدبر القرآن، وإبراز النظائر والمتشابهات من المعاني والألفاظ والمشتقات؛ بيد أننا في هذه القراءة سوف نتجاوز الطريقة المعروفة في التعامل المعجمي مع القرآن، أي: تلك القراءة التي تقف عند البحث عن التكرار، أو العد، أو المعنى المباشر المحدد حينما يتجاوز المعجم البعد الإحصائي لعمله.
منهجية القراءة:
تعتمد هذه القراءة المعجمية على تتبع المواد اللفظية في المعجم القرآني، والبحث في كل مادة عن أبعاد موقف القرآن، وفلسفته في مسألة التربية والتغيير الاجتماعي، والوحدة البنائية للمواد المعجمية في القرآن الكريم لتقديم معنى ما من معاني التغيير الاجتماعي، والوقوف على الأثر القرآني في هذه المسألة التربوية التي مثلت الغاية الرئيسة من بعث الأنبياء والرسالات.
منطلقات القراءة:
تنطلق هذه القراءة من مبدئية مفادها: أن القرآن الكريم كتاب هداية للناس ﴿هُدًى لِّلنَّاسِ﴾ [البقرة:185]، ومعنى الهداية: تقديم الدلائل والإشارات والأدوات التي تساعد الإنسان في الانتقال من حالة جهله بنفسه، وبخالقه، وبعالمه إلى حالة المعرفة بالذات والخالق والعالم، فالجهل قرين الضلال من وجهة نظر القرآن؛ بينما المعرفة قرينة الهداية.
وإن هذه المعرفة لها متطلباتها وشروطها في النفس، والمجتمع، والعالم. كما أن القرآن حثّ على التفكير كسبيل لتحقيق الهداية، والتغيير الفردي والاجتماعي، يقول تعالى: ﴿أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَىٰ وَفُرَادَىٰ ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا﴾ [سبأ:46]. إن القرآن الكريم أرسى مداخل متعددة، وسبلًا متنوعة من أجل تحقيق الهداية الإنسانية والتغيير الاجتماعي.
كما أن القرآن الكريم حدد شرط التغيير الاجتماعي ومعادلته:
تغيير النفس = تغيير المجتمع ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ﴾ [الرعد: 11]. وقدم القرآن نهجًا مبدئيًا لسؤال: من أين يبدأ التغيير؟ هل يبدأ من الفرد أم من المجتمع؟ وأكد في ذلك على تكاملية النظرة أي أن: التغيير فعل فردى – جماعي يبدأ به الفرد، ويوفر له المجتمع مناخ الاستمرار والتواصل.
إجراءات القراءة:
تتحدد إجراءات القراءة في الخطوات التالية:
- الوعي اللغوي بالمادة المعجمية الأصلية.
- الوعي اللغوي بمعاني مشتقات المفردات من تلك المادة وعطاءاتها التربوية والاجتماعية.
- تحديد مسارات عمل المفردات في فلسفة التغيير الاجتماعي (على مستوى الفرد والمجتمع) أي: الأبعاد المجالية التربوية والاجتماعية.
مادة (حَــسُن)
- المشتقات الأساسية
الأسماء التي اشتقت من “حَسُن” بفتح الحاء وضم السين وفتح النون في القرآن الكريم هي: “الحُسْن” بضم فسكون مصدر “حَسُن”، “إحسان” مصدر “أحسَن” و”حَسَنٌ” صفة مشبهة، و”مُحسِنُ” اسم فاعل و”أحسَنُ” اسم تفضيل لصيغة المذكر، و”الحُسنى” اسم تفضيل لصيغة المؤنث” و”الحَسَنة” و”حِسَان”.
- المعاني اللغوية والتدبرية
من معاني مشتقات مادة (حَــسُن) ما يلي:
- حَسُـــــنَ:
الحُسْنُ: ضدُّ القبح ونقيضه، والحُسْن نَعْت لما حَسُن.
والحَسَنَ شيء من الحُسْن، والحُسْن شيء من الكل [1].
﴿وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا﴾: موضع المدح والثناء.
– حُسْن: من الحُسْنُ: وهل كلِّ مبهج مرغوب فيه، وذلك على ثلاثة أضرب: مستحسنٌ من جهة العقل، ومستحسنٌ من جهة الهوى، مستحسن من جهة الحس.
–الحسنةُ: يعبر عنها عن كلّ ما يسرُّ من نعمةٍ تنال الإنسان في نفسه وبدنه وأحواله، والسيئة تضادها. والفرق بين الحَسنِ والحسنة والحُسنى، أن الحَسَنَ يقال في الأعيان والأحداث، وكذلك الحسنة؛ أما الحُسنى فلا تقال إلا في الأحداث دون الأعيان.
– الحَسنُ أكثر ما يقال في عرف العامة في المستحسن بالبصر، يقال رجل حسنٌ وحُسَّانٌ، وامرأة حسناء وحُسَّانة[2].
– والحسْنُ: الجمال الذي يدعو إلى قبول الشيء والرغبة فيه حسيًا أو معنويًا، وحَسُنَ الشيء: صار حسنًا جميلًا.
– الحسنى: أي المنزلة التي هي أحسن المنازل أو البالغة غاية الحسن.
– حِسَان: مرغوب، جميل[3].
– حَسَّن: الشيء تحْسِينًا: زيَّنَه، يُحْسِنُ الشيء أي: يَعْلَمُه، ويَسْتَحْسِنُه أي :يُعِدُّه (حَسنًا)، و(الحَسَنةُ) ضد السيئة، و(المحاسِنُ) ضد المساوئ، و (الحُسْنَى) ضد السُّوْدى.
– حَسَّانَ: اسم رجل إن جعلته فعالًا من الحُسن أجريته [4].
– الإحْسَان:
الإحسان على وجهين: أحدهما: الإنعام على غيره، والثاني: إحسان الفعل، وذلك إذا علم علمًا حسنًا أو عمل عملاً حسنًا، قال أمير المؤمنين: الناس أبناء ما يحسنون، وقيمة كل امرئ ما يحسنه.
والإحسان فوق العدل، ذلك أن العدل هو أن يعطي ما عليه ويأخذ أقل مما له، أما الإحسان فيعطي أكثر مما عليه، ويأخذ أقل مما له، فالإحسان أعم من الإنعام [5].
والإحسان كذلك ضد الإساءة، قال: رجل محسن ومِحسان … وأحسن به الظن نقيض أساءه… والإحسان أيضًا: استقامة وسلوك الطريق الذي درج السابقون عليه، قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ﴾ [التوبة: 100].
فالإحسان زائد على العدل، فتحري العدل واجب، وتحري الإحسان ندب وتطوع، لذلك حفَّز الله تعالى على الإحسان ووعد المحسنين بالثواب العظيم. اقرأ [يونس 26 / النحل 30/ الزمر 10/ النجم 31].
وفي الحديث “… فأخبرني عن الإحسان قال: “أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك”، [رواه مسلم (8)، وأبو داود (4695)]. وهو أعلى درجات الإيمان: مراقبة الله في السر والعلن.
والإحْسَان: مأخوذ من الحسن، وهو عبارة عن كل مبهج مرغوب فيه، وذلك ثلاثة أضرب: مستحسن من جهة العقل، ومستحسن من جهة الهوى، ومستحسن من جهة الحسن[6].
من خلال تتبع استقرائي لمادة (حَسُن) في القرآن الكريم، وتصنيف معاني المشتقات إلى مجالات تربوية، حددنا المجالات التربوية لمادة (حَسُن) في الشكل التالي – وهو ما سنقوم بإلقاء الإضاءات التربوية عليه -إن شاء الله- في الحلقات القادمة.
ـــــــــــــــــــ
[1] مفردات ألفاظ القرآن، ص236.
[2] مفردات ألفاظ القرآن، ص236.
[3] القاموس القويم للقرآن الكريم، ج1، ص154.
[4] مختار الصحاح، ص58.
[5] الراغب الأصفهاني: مفردات ألفاظ القرآن، ص236.
[6] مفردات ألفاظ القرآن، ص236.