في هذا الحوار نتعرف على جوانب أخرى في حياة الشيخ أحمد القطان، يرحمه الله تعالى، من خلال أحد رفقاء دربه المقربين الذين عايشوه منذ الصغر وعاصر معه الكثير من محطات الحياة.
إنه د. مساعد مندني، رئيس جمعية التكافل، الذي فتح لنا صندوق ذكرياته مع الشيخ القطان، من خلال هذا الحوار مع «المجتمع».
نرحب بكم في هذا اللقاء، ونريد أن نعرف منكم، في البداية، طبيعة العلاقة بينكم وبين الشيخ القطان، يرحمه الله تعالى.
– أول معرفتي بالشيخ أحمد القطان كان في عام 1972 أو 1973م، وكنت في السابعة عشرة تقريباً، التقيت به في الخالدية بمسجد معاذ بن جبل، وكان آنذاك غير ملتحٍ، وقد دار بيننا حديث عن جماعة السلف، وأنها جماعة نشيطة وتحب أن يكون لها مؤيدون، كما هي الحال مع جماعة الإخوان المسلمين، وكان من المواضيع التي طرحت في هذا اللقاء أن نوحد وجهة الجماعتين، ونجعلهما جماعة واحدة وقوة متحدة، وكانت هذه الفكرة عنده منذ بداية حبه للالتحاق بالصالحين من هاتين الجماعتين.
لو تعطينا معلومات حول فترة التحاقه بالشيوعيين.
– هذه الفترة لم أشهدها بسبب صغر سني حينها، لكن سمعتها بالتفصيل من الشيخ القطان نفسه؛ لأنه تركهم عام 1972 أو 1973م، وكان يقص عليَّ قصصاً كثيرة عنهم، ومما قاله لي: «مما كرهني فيهم أننا كنا بالإذاعة، وجلسنا نتكلم في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وكانت واحدة من الممثلات التي تلقي بالصوت كأنها واحدة من الصحابيات وهي تتكلم يضربها أحد الممثلين من خلفها على مقعدتها»، فقلت: «الله أكبر! حتى في سيرة الرسول وذكر مآثره وشمائله في هذه الدقائق المعدودة تكون هذه الحركات، ويظن السامع أنها من أولياء الله!»، يقول: «فزاد كرهي وبغضي لهذه المجموعة المنحرفة الضالة، وقررت ألا يكون لي أي لقاء بعد هذا معهم».
عُرف الشيخ بعظيم بره بوالديه، تحديداً قصة والده عندما مرض وكاد يفتن في دينه، فما حقيقة هذا الموقف؟
– ملخص هذه القصة أن والد الشيخ أحمد، رحمهما الله تعالى، مرض، وأتوا له بشيخ ليرقيه، لكن الشيخ اشترط مقابلاً مالياً مقابل الرقية، ورفض القراءة عليه قبل أخذ الأجر، فأخذوه إلى المستشفى الأمريكاني؛ فوجد هناك العكس تماماً؛ حيث عالجوه وأعطوه مالاً.
فأحدث هذا الموقف فتنة تلبست في قلبه وجمَّلها الشيطان في عينيه، وأوهمه بأن دين هؤلاء (غير المسلمين) أحسن من دينه هو (الإسلام).
لكن الله أكرم الأكرمين أنقذ الوالد من هذه الفتنة بفضل بر الشيخ أحمد؛ حيث اعتنى بوالده حتى وفاته عناية كبيرة؛ فكان يغسله ويعتني به ويترجاه أن يصلي، حتى فتح الله تعالى قلبه، وقال له: “إذا كان ما تفعله معي بسبب الدين الإسلامي فإني أحببته”.
وقد قال لي الشيخ أحمد تعقيباً على هذا الموقف: «إن الله أكرمني أن أعدت والدي إلى دين الإسلام».
أما بره بوالدته فحدّث ولا حرج، فأنا حججت مع الشيخ 15 عاماً، كان كل عام يأخذ والدته معه، ولم يكن يكتفي بتقبيل يدها؛ بل كان يمص أصابع رجلها، وكان دائماً يأخذها إذا كانت مريضة، يضع لها فراشاً بسيارة “جيمس” ويكرمها وكأنها في فندق، عندما تخرج من البيت إلى أن تصل مكة.
فبره بوالديه لا يوصف، وقد وجدنا نتيجة هذا في أولاده؛ فوجدنا إبداعهم في بره، كما يحكي هو بنفسه عن ذلك؛ فهو في البر مدرسة مترامية الأطراف.
ما سر علاقتكما بالشيخ حسن أيوب، ومدى تأثيره بكما؟
– الشيخ حسن أيوب محبوب أهل الكويت كلهم، وقد أكرمهم الله تعالى بهذا الشيخ الجليل، وكذلك الشيخ حسن طنون ومشايخ عظماء مثل سيد عيد، ومحمود عيد، أما الشيخ أحمد القطان فقد التصق التصاقاً عظيماً بالشيخ أيوب، وكانت هذه هي البدايات التي انبرى فيها للدفاع عن هذا الدين العظيم.
وبفضل الله سبحانه، أثَّرت مدرسة الشيخ أيوب في كل من دخل فيها، والشيخ القطان من الذين استفادوا من هذه المدرسة استفادة عظيمة.
وكنا في أحد اجتماعاتنا مع بعض الإخوة، فقال أحدهم: «نتمنى أن يكون لنا خطباء»، وكان معنا الشيخ القطان، فقال: «أنا مستعد أن أخطب»، وكان ذلك في بداية الثمانينيات، فقال وقتها: لقد استفدت من محاضرات وخطب الشيخ حسن أيوب، ومستعد أن أبدأ بها.
فبدأ في الدوحة، ثم البسام بالجهراء، ثم مسجد المزيني، ثم في العلبان، ثم مسجد جابر العلي بجنوب السرة الذي استمر فيه إلى أن توقف.
وقد التقينا بالشيخ أيوب أنا والشيخ القطان في جدة، فبكى الشيخ أيوب على الكويت، وقال للشيخ القطان: «الله ناصر الكويت وسوف تعود بوضعها الطبيعي»، ثم مرض أيوب وانتقل إلى مصر وتوفي هناك.
يقولون: «الشيخ القطان هو وريث الشيخ كشك»، ما رأيك؟
– الشيخ القطان تأثر بالشيخ عبدالحميد كشك في أسلوبه، وبالشيخ حسن طنون في الروحانيات والإيمانيات، وبالشيخ حسن أيوب في تشخيص الداء وتحديد الدواء المناسب له.
تناول الشيخ القطان خلال مسيرته الكثير من الموضوعات، فما أهمها، من وجهة نظركم؟
– أهمها هو ما أكرمه الله تعالى به بالدفاع عن المسجد الأقصى، فقد طُبع بقلب الشيخ القطان حب الأقصى؛ ما جعل من خطبه دروساً تدرَّس ليس لأبناء فلسطين فقط، بل لكل العالم الإسلامي، فخطبه المؤثرة التي هزت العالم كانت في نصرة الأقصى وتحرير فلسطين.
وقد التقيت بخالد مشعل وسألته عن أثر خطب الشيخ القطان في الضفة وغزة وعموم فلسطين؟ فقال لي: عند انتهاء الخطبة، لا يأتي المساء إلا وتكون منتشرة بشكل واسع؛ حتى إن وسائل التواصل لم تكن بهذا الانتشار، وكان هذا قبل ظهور هذه الوسائل الحديثة.
وكنت في أحد الأيام بتونس ودخلت مخبزاً، ولأول مرة أجد مخبزاً يشغل آيات من القرآن الكريم في عهد زين العابدين بن علي، وقال لي: تفضل، فقلت له: جزاك الله خيراً على القرآن الذي عطرت به أسماعنا، فقال لي: أنت من أين؟ قلت له: من الكويت، قال: أنا أحب الكويت، هل تعرف الشيخ القطان؟ قلت له: نعم أعرفه، فقال: هل صافحته؟! قلت: نعم صافحته؟ قال: يدك هذه صافحته؟! قلت له: يدي مسكت يده، وصدري احتضن صدره، فخرج مسرعاً نحوي ومسك يدي وقبَّلها، وقال: أتمنى أن أصل إلى الشيخ القطان وأقبِّل يده، لقد تربيت على أشرطته وعرفت ديني عن طريق خطبه.
وجملة «إحنا تربينا على أشرطة الشيخ القطان» سمعتها في تونس والجزائر واليمن والسودان وعدة دول، وقلت وقتها للشيخ: «هنيئاً لك اهتداء الناس بأشرطتك»، فقال لي: «يا أبا أحمد، نويتها لله فوصلت».
كان للشيخ دور في مواجهة الغزو العراقي الغاشم؛ فما أهم مواقفه؟
– كان للشيخ أكثر من موقف في فترة الغزو، أذكر منها موقفين:
الأول: مشاركته في لجنة كانت معنية بموضوع الإعاشة وطريقة إيصالها للكويتيين في جميع الدول، وبفضل الله خلال شهر كان يصل كل أسرة كويتية راتبها وهي كريمة عزيزة دون أن تحتاج لأحد، وكانت هذه اللجنة مكونة من الشيخ سعد العبدالله، والشيخ صباح الأحمد، والشيخ سالم الصباح السالم، والعم أبي بدر، والشيخ القطان، رحمهم الله جميعاً، وكان معهم العبد الفقير.
الموقف الثاني كان في الجزائر: حينما هيَّج صدام حسن الشعب الجزائري ضد الكويت، وأوهمهم أن احتلاله الكويت هو الطريق لتحرير القدس، وقد تصادف هذا مع تنظيم الجزائر «يوم القدس»، وقد حضره جمع غفير من الجزائريين، وكان هناك وفد كويتي مكون مني أنا والشيخ القطان، وكان معنا أحمد السعدون، وإسماعيل الشطي، وناصر الصانع، وغيرهم.
وألقى الشيخ القطان كلمة أشعل بها حماسة الجمهور تجاه القضيتين الفلسطينية والكويتية، وأصبحت قضية الكويت هي الأولى في الجزائر.
ماذا نستفيد من حياة الشيخ القطان؟
– الذي يعيش مع الشيخ عن قرب يجد فيه أموراً كثيرة، منها الإخلاص والدمعة السريعة سواء في قراءة القرآن أو الصلاة وذكره لأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، وقلبه الرقيق في طاعة الله تعالى.
كما كان، رحمه الله، محباً لإخوانه المسلمين، متواضعاً، كريم اليد، فهناك أسر ظل ينفق عليها أكثر من 35 عاماً.
كان كتاباً مفتوحاً معي، عرفت منه قصص رجل حنون على عائلته وأحبائه والمسلمين، يبكي على الأحداث حول العالم، وكأن جزءاً من جسده قد قطع.