فقدت الكويت والعالم الإسلامي، في 23 مايو الماضي، «خطيب منبر الدفاع عن المسجد الأقصى» الشيخ أحمد القطان، يرحمه الله تعالى، بعد وعكة صحية كان قد دخل على إثرها المستشفى، عن عمر ناهز 76 عاماً، بعد مسيرة حافلة بالدعوة والدفاع عن قضايا الأمة وعلى رأسها فلسطين.
وشاركت جموع غفيرة في تشييع جثمان الفقيد في مقبرة الصليبيخات، وحضرت شخصيات رسمية كويتية مثل وزير شؤون الديوان الأميري الشيخ محمد العبدالله، ووزير الدولة لشؤون مجلس الأمة وزير الدولة لشؤون الشباب محمد الراجحي، ورئيس مجلس الأمة السابق أحمد السعدون، وعدد من النواب.
يعد الشيخ أحمد عبدالعزيز القطان، رحمه الله، واحداً من أبرز وأشهر خطباء المنابر في الثمانينيات التسعينيات من القرن الماضي، وقد بدأ مسيرته الدعوية أوائل السبعينيات، وكان خطيباً مدافعاً عن الكويت أثناء الغزو العراقي الغاشم في عام 1990م.
اختلط الشيخ الراحل في بداية حياته بالشيوعيين في الكويت، قبل أن يتعرف إلى الحركة الإسلامية ويصبح من كبار خطباء الصحوة الإسلامية.
وحذر الشيخ الراحل من التطبيع مع الاحتلال الصهيوني، وله قول مأثور في ندوة «لا للتطبيع»، وهو: «القدس والأقصى وفلسطين عندنا قرآن يُتلى»، مشدداً على أن كل مشاريع السلام والاستسلام فاشلة ما دام الشعب الفلسطيني لم يحصل على حقوقه المشروعة.
النشأة والإسهامات
ولد الشيخ أحمد بن عبدالعزيز بن أحمد بن إبراهيم القطان في منطقة المرقاب، في 6 ديسمبر 1946م، وتلقى تعليمه الأول في الكتاتيب، ثم الابتدائي بمدرسة قتيبة، ثم المتوسط في مدرسة الشامية، ثم مدرسة الخليل بن أحمد، وحصل على دبلوم المعلمين من معهد المعلمين عام 1969م.
بدأ الشيخ القطان مسيرته الدعوية في مسجد الصبيح بكيفان عام 1970م، عبر إلقاء الدروس المحفوظة من أشرطة الشيخ حسن أيوب بعد صلاة العصر، ثم مع شباب جمعية الإصلاح الاجتماعي إلى عام 1976م، ثم بدأ الخطابة في مسجد البسّام بمنطقة الجهراء عام 1976م.
تبنى الشيخ القطان قضية الدفاع عن المسجد الأقصى؛ فأسس منبراً لذلك، وأعلن عنه عام 1979م، في مسجد منطقة الدوحة، ثم تنقل بين مساجد الكويت محاضراً وخطيباً من مسجد العلبان في الشيوخ الصناعية، ثم مسجد المزيني بمنطقة الشعب، ثم مسجد الكليب بقرطبة، ثم مسجد ضاحية جابر العلي، ثم مسجد جابر العلي في منطقة جنوب السرة.
انخرط القطان في تقديم الدروس والمحاضرات التطوعية والثابتة في مدارس الكويت الهادفة لإعداد الجيل والنشء المسلم، وذلك منذ تقاعده عن العمل عام 1996م.
قدم العديد من الدروس الثابتة والسلاسل الكاملة في إذاعة القرآن الكريم بدولة الكويت، مثل درسه في برنامج «مسيرة الخير»، وسلسلة «الفاروق بعد الصديق»، و»ذي النورين»، و«السبطين»، وكذلك سلسلته السمعية «رياض الصالحين».
كما أن للشيخ الراحل دروساً في بعض الفضائيات ولجان العمل الاجتماعي والمؤتمرات ولجان العمل النسائي ومراكز القرآن.
وكانت آخر كلماته التي ودَّع فيها الشيخ القطان إخوانه قبل وفاته بأيام في ديوان جمعية الإصلاح الاجتماعي: «لا صلح لا تقسيم لا تفريط في أرض الجدود.. كل السيوف تكسرت لم يبق إلا ابن الوليد.. طوبى لمن طلب الشهادة في مقارعة اليهود».
ومن مؤلفاته: سلسلة «اللمسات المؤمنة للأسرة المسلمة»، «تربية الأولاد في الإسلام»، «خواطر داعية»، «العفن الفني»، «قراءة لكتاب رياض الصالحين»، «ثورة الشعب الفلسطيني»، «السيادة لله»، «إعداد الفاتحين»، «مفاتيح الجنة»، «مع الشباب».
دوره في مواجهة الغزو
ساهم الشيخ الراحل أثناء الغزو الغاشم للكويت في توحيد الصفوف وطمأنة القلوب وكسب تأييد الشعوب عبر السفر إلى البلدان العربية والعالمية، وشرح القضية الكويتية في لقاءات جماهيرية حاشدة، كما حدث في الجزائر وفرنسا وبريطانيا وأمريكا، حتى تم التحرير.
كما دعم الطلبة المغتربين بتقديم الاستشارة لهم منذ عام 1984م، وذلك بمتابعتهم والمشاركة في مؤتمراتهم وملتقياتهم السنوية سواء في الاتحاد الوطني لطلبة الكويت أم رابطة الشباب العربي المسلم، متبنياً جميع قضايا المسلمين وحتى عام 1994م، ثم بدأ التواصل معهم عن طريق الاتصالات المختلفة.
عمل الشيخ الراحل مستشاراً في العديد من اللجان الخيرية التي تخدم المسلمين في العديد من القارات، مثل دول أفريقيا والفلبين وباكستان، من خلال الإشراف على إقامة المشاريع التنموية كالمدارس ودور الأيتام وغيرها، وكذلك العمل في لجنة التعريف بالإسلام الداعية إلى نشر وتعريف الإسلام لغير المسلمين.
فارس المنابر
وقد نعى الشيخَ مئاتُ العلماء والدعاة والسياسيين والبرلمانيين والسفراء والأكاديميين والهيئات والمؤسسات الدعوية والسياسية في الكويت وخارجها، معربين عن حزنهم لفقدانه، باعتباره أحد أشهر الدعاة إلى الإسلام والمدافعين عن المسجد الأقصى المبارك، داعين لضرورة السير على منهجه في نصرة المظلومين ونصرة المسجد الأقصى، خاصة مع زيادة وتيرة الاعتداءات الصهيونية ضده.
وقال رئيس مجلس إدارة جمعية الإصلاح الاجتماعي د. خالد المذكور: انتقل إلى رحمة ربه سبحانه أخي الداعية الواعظ الخطيب الأديب الشيخ أحمد بن عبدالعزيز القطان، أعلى الله مقامه في الفردوس الأعلى من الجنان؛ لما قدمه لأمته الإسلامية عامة وللمسجد الأقصى وفلسطين خاصة.
وقال عميد كلية الشريعة في جامعة الكويت سابقاً د. عجيل النشمي: رحم الله شيخ منبر الأقصى الداعية المفوه الشيخ أحمد القطان، وعوض الله الأمة الإسلامية من يشغل مكانه ومكانته فصاحة في قوة، وعزة في تواضع، وجرأة في حرقة على دينه وأمته.
من جانبه، ذكر وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية الكويتي عيسى الكندري، أن الشيخ القطان نذر نفسه ومسيرته للدعوة، مستذكراً دوره إبان الغزو الغاشم وهو يحشد لصالح القضية الكويتية ودفاعه وموقفه تجاه المسجد الأقصى المبارك.
وقال رئيس مجلس الأمة الكويتي مرزوق الغانم: إن الشيخ القطان ترك من بعده علماً ودعوة من كل صالح.
وقال وزير الأوقاف الأسبق د. نايف العجمي: ترجل الفارس الشهم وصمت الصوت المجلجل وتوقف الشلال الهادر ورحل الخطيب المصقع خطيب منبر الدفاع عن الأقصى الشيخ أحمد القطان، رحل بجسمه وبقي أثره وآثاره وخطبه ومواعظه وكلماته ونصائحه وبشاشته وابتسامته، رحل وفجع به الجميع.
وأضاف: يكاد يُسمع لمنبر الدفاع أنين حزين باكٍ على رحيل «جُذيله المحكك وعذيقه المُرجب».
وقدمت السفيرة التركية لدى الكويت عائشة كويتاك العزاء في وفاة الشيخ القطان، قائلة: رحم الله الشيخ أحمد القطان وأسكنه الدرجات العلا من الجنة، أصدق التعازي لأهله وذويه ومحبيه.
وقال الداعية د. محمد العوضي: إن الشيخ أحمد القطان رحل بعد أن ملأ أسماع الزمان صدعاً بالحق وانتصاراً دائماً لأمته وللمظلومين.
وأضاف: كان المسجد الأقصى وفلسطين في شرايينه، وكان يحمل آلام المسلمين في قلبه ويعيش أحزانهم.
وتابع العوضي أن الشيخ الراحل علمنا التفاني في العطاء والهمة التي لا تفتر في سبيل الحق والخير والأمل بالله.
وأوضح الإعلامي د. علي السند أن الشيخ القطان ترك بصمات ليست في جيل واحد فقط، بل أجيال، مشيراً إلى أنه كان صوتاً صادحاً في تبني قضايا المستضعفين في العالم الإسلامي، في وقت لم يكن الإعلام كما هو اليوم.
وتابع السند أن الشيخ الراحل ترك أثراً في النفوس بمواعظه التي تلامس القلوب، وتأملاته في القرآن وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم.
ودعا المحامي والسياسي الكويتي ناصر الدويلة جيل الشباب إلى المسارعة للعمل في ميادين الدعوة التي خرّجت أمثال الشيخ القطان.
وقال الدويلة: يا شباب الدعوة الإسلامية، شمروا في ميادين التربية وحلقات المساجد التي أنتجت أحمد القطان وأمثاله، لعل الله أن يبارك في جهودكم، وتحظى الكويت بشباب مثل القطان يسيرون على منهجه ويكملون مسيرته ويشيدون للدعوة الإسلامية صروحاً مثل صرح القطان.
وأشارت الناشطة الكويتية نوال اليحيى إلى أنه في الثمانينيات، كان الشيخ أحمد القطان، رحمه ﷲ، البديل الإعلامي التربوي -الوحيد تقريباً- لجيل الصحوة، بلغة عربية فصحى، وصوت جهوري مؤثر، وفن في الإلقاء؛ في خطب الجمعة، أنشطة منوعة، إرشاد أسري للمقبلين على الزواج، محاضرة خاصة للأطفال، بل قام بدور الترفيه والتسلية.
صوت فلسطين
ومن فلسطين المحتلة التي نذر الشيخ نفسه دفاعاً عنها، نعاه خطيب المسجد الأقصى الشيخ عكرمة صبري، قائلاً: فقدنا أحد علماء الأمّة الإسلامية، عرفته عن قرب، فهو صاحب الصوت الإيمانيِّ القويِّ، والخطيب المُفوَّه الذي نذر نفسه للدفاع عن بيت المقدس، وحمل همّ القضية الفلسطينية، وسخر المِنبرَ لذلك، وهذا قليلُ ما نعرفُ عنه.
أما حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، فوصفته، في بيان لها، بأنه كان علماً من أعلام الكويت والأمة، يتبنّى قضاياها كافة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.
وأشادت الحركة بمناقب الشيخ الراحل، مشيرة إلى أنّ بوصلته كانت واضحة منذ نعومة أظفاره، إذ سمّى منبره يوم الجمعة «منبر الدفاع عن المسجد الأقصى»، بعدما أدرك مبكّراً أنّ القدس هي عنوان الصراع، وأن المسجد الأقصى المبارك هو رمزه.
ولفتت إلى أنّ سلطات الاحتلال كانت تلاحق وتعتقل كل من يجدون في حوزته الأشرطة السمعية والمرئية للشيخ الراحل، الذي شكّل بخطبه ودروسه وعي الأجيال الناشئة في فلسطين وخارجها.
وأضافت أنّ الشيخ الراحل كان كويتيّ المنشأ والجذور، عربياً ومسلماً في هويته وانتمائه، فلسطينياً في مشاعره وتفاعله وضميره؛ لذا أحبّه الناس في كل مكان.
وتابع بيان «حماس»: لقد افتقدنا بغياب القطان علماً ورمزاً وداعية عز نظيره، ولكنه سيظل في قائمة رموز الأمة الكبار التي عملت في الدعوة والجهاد، وستبقى مسيرته مسيرة إلهام للأجيال الحالية والقادمة.
من جهتها، نعت «هيئة علماء فلسطين» الشيخ القطان، وقالت، في بيان لها: ننعى إلى أمتنا الإسلامية جمعاء وإلى أهل العلم والدعوة في كل مكان أحد أبرز رموز الخطابة والدّعوة والتربية في الكويت الشّقيقة وعلى مستوى الأمة الإسلاميّة.
وأضافت الهيئة أن الشيخ رحل عقب حياة حافلة بالدّعوة إلى الله تعالى وتربية الأجيال والعمل الإسلامي الدؤوب ونصرة قضايا الأمة كلها، وفي الصّدر منها قضيّة فلسطين والقدس والمسجد الأقصى المبارك.
وقالت: كانت القضية الفلسطينية حاضرة في كافة أنشطته ومشاركته وكلماته، فلم يدخر جهداً من أجل نصرة فلسطين وأهلها وقدسها.
مسيرة ملهمة للأجيال
كما نعت جماعة الإخوان المسلمين بمصر الشيخ القطان، وقالت، في بيان لها: كان الشيخ القطان، رحمه الله، خطيباً فذاً للدفاع عن قضايا المسلمين والأمة، وحارساً لصحيح الدين وقيمه العليا، وسيفاً مسلولاً للدفاع عن المسجد الأقصى، وقضية فلسطين، ويشهد له حجر الأقصى الذي طرق به منبره وقصيدة «في القدس قد نطق الحجر».
وأضاف بيان الجماعة أن الشيخ القطان ظل صادعاً بالحق لا يخشى في الله لومة لائم، وكان منارة أخذت بعقول وقلوب شباب الصحوة الإسلامية في الثمانينيات والتسعينات في بلاد المسلمين كافة.