أوجد إعلان كبرى الشركات الصينية الحكومية مؤخراً عزمها تقديم طلب لشطبها من قائمة أسواق الأسهم الأمريكية حالة من الشك فيما إذا كان ذلك ينذر بانفصال متسارع بين أكبر اقتصادين في العالم.
والأسبوع الماضي، قررت 5 شركات صينية كبرى الإقدام على هذه الخطوة، وسط غضب من قانون أمريكي يطالب المنظمين الأمريكيين لسوق الأسهم، بفحص عمليات التدقيق الحسابي للشركات الصينية.
وكانت شركات “بتروتشاينا” و”تشاينا لايف انشورانس” و”شركة الألمنيوم الصينية” و”سينوبيك” و”شنغهاي بيتروكيميكال” أعلنت أنها تخطط للخروج من بورصة نيويورك، خلال أغسطس الجاري.
ومن المتوقع أن تتخذ العديد من الشركات الصينية الأخرى الإجراءات نفسها، خصوصاً أن الصين ترفض السماح للمنظمين الأجانب بتفتيش شركات المحاسبة المحلية، متعللة بقوانين أمن الدولة لمنع المنظمين الأمريكيين من إجراء عمليات التفتيش.
وفي حديث لـ”الأناضول”، قال أندرو ليونغ، الخبير الإستراتيجي الصيني المستقل في هونغ كونغ: إن هذه بداية موجة مد عاتية لبعض كبرى الشركات عقب المضايقات والإكراه التي تعرضت له من قبل واشنطن.
وأضاف ليونغ: ذريعة واشنطن أن الشركات التي تنتهك القوانين الأمريكية أرعبت الكثير من الشركات الصينية.
ويتعين على الشركات في الولايات المتحدة أن تُخضع مدققي حساباتها للتدقيق من قبل المنظمين الأمريكيين، بموجب قانون محاسبة الشركات الأجنبية القابضة (HFCAA) الذي تم إقراره عام 2020.
ويحظر التشريع الأمريكي، تداول الأوراق المالية من قبل الشركات التي تفشل في تلبية متطلبات التدقيق لثلاث سنوات متتالية، حيث تم تحديد عام 2024 كموعد نهائي للشركات الصينية للامتثال للقانون أو الانسحاب من سوق الأسهم.
وقد تضطر نحو 200 شركة صينية إلى الانسحاب من السوق، إذا لم يتمكن الطرفان من التوصل إلى حل وسط قريباً، ما لم يتعين على الصين اختيار الشركات التي سيسمح بإدراجها في قائمة الأسهم المالية في الولايات المتحدة.
الانسحاب المؤلم
يرى ليونغ أن قانون محاسبة الشركات الأجنبية القابضة سيؤدي إلى “الابتعاد عن سوق الأسهم الأمريكي”، وليس بالضرورة تأثير ذلك على الواردات الصينية إلى الولايات المتحدة، خصوصاً أن حظر استيراد بعض المنتجات من قبل إدارة بايدن أضر بالفعل بالمستهلكين الأمريكيين، ما أدى إلى زيادة التضخم.
واتهم ليونغ الولايات المتحدة بتشويه صورة الصين، مضيفاً أن المزيد من الدول لا تريد أن تلتزم بالخطاب الأمريكي.
وشدد على أن الانسحاب من سوق الأسهم الأمريكية لن يكون سهلاً.
وقال ليونع: إن الناس يفرقون بين الخطابات والأعمال الحقيقية، مشيراً إلى ارتفاع الصادرات الصينية خلال الـ18 شهراً الماضية إلى الولايات المتحدة والدول الأخرى.
وأضاف أن الشركات الصينية تتطلع في الوقت نفسه إلى الانضمام إلى بورصة هونغ كونغ وسنغافورة.
تمت إضافة مجموعة “علي بابا” القابضة مؤخراً إلى قائمة الشركات المحتمل انسحابها، التي أعلنت أيضاً أنها تسعى للانضمام إلى بورصة هونغ كونغ.
ويعتقد ليونغ أن الولايات المتحدة لن تكون قادرة على مقاضاة أي شركة صينية أو مديريها التنفيذيين إذا لم يكن هناك دليل على ربط التكنولوجيا الصينية بالحزب الشيوعي الصيني” الحاكم.
إينار تانغين، الزميل في معهد تايهي في بكين، قال لـ”الأناضول”: إن الولايات المتحدة تكثف العمل على برنامجها المحلي “أمريكا أولاً”.
وفي إشارة إلى قانون “الرقائق الإلكترونية” الجديد الذي يدعم مصنعي أشباه الموصلات الأمريكيين على حساب تايوان وكوريا الجنوبية واليابان، قال تانغين: إن تايوان على وجه الخصوص ستتضرر بشدة لأنها تصدر حالياً 90% من الرقائق المتقدمة التي تستخدمها الولايات المتحدة.
وأضاف أن أشباه الموصلات تمثل 25% من الناتج المحلي الإجمالي لتايوان، و40% من صادراتها، مؤكداً أنه إذا نجحت إستراتيجية الولايات المتحدة، فإنها ستدمر الاقتصاد التايواني وتسلب قيمته الإستراتيجية.
هواوي نموذجاً
يرى تانغين أنه بالنظر إلى ما تفعله الولايات المتحدة بحلفائها، فإن الشركات الصينية تتوقع المزيد من معاملة هواوي المتمثلة في الخروج قبل إجبارها على المغادرة.
وتتهم الولايات المتحدة شركة “هواوي”، عملاق التكنولوجيا الصينية، باستخدام طرق لمشاركة المعلومات مع بكين، وهي مزاعم ترفضها الشركة.
وقال تانغين: إن مسألة جمع وتدفق البيانات يعتبران من قضايا الأمن القومي، حيث تقوم البلدان حالياً ببناء جدران إلكترونية لعزل المنافسين الأجانب عن جميع مجالات الاقتصاد الرقمي، مما يؤدي إلى ابتكار أقل وأسعار أعلى للمستهلكين النهائيين.
وأضاف أنه نظراً لأن العديد من الشركات الصينية تعمل في قطاع البيانات، فإنها تعتبر سلوك الولايات المتحدة متحفظاً جداً.
وتابع: من غير المرجح أن يؤثر هذا السلوك على التجارة الثنائية بين البلدين.
وأكد تانغين أن التجارة ستظل قوية نسبياً بسبب المكانة التي تحتلها الصين في سلسلة التوريد من حيث التكلفة ووفرة المنتجات، مضيفا أن الشركات التي انسحبت من قوائم الأسهم المالية قامت بذلك الإجراء بشكل دفاعي.
وأوضح أن الجانب الوحيد الذي أحرزت الولايات المتحدة والصين فيه تقدماً طفيفاً هو اعتماد معيار محاسبي للشركات الصينية مقبول للطرفين.
واختتم كلامه قائلاً: الشركات الصينية تعتقد أن لديها مستقبلاً قصيراً في الولايات المتحدة التي تتجه نحو دعم الاقتصاد الوطني.