لا يكاد يختلف اثنين في قطاع غزة على حُب الإمام يوسف القرضاوي، رحمه الله تعالى، فمكانته الدينية والعلمية في القلب حاضرة؛ بل مستقرة، فإن كان رحل بجسده فبالتأكيد لن يرحل من القلوب، خاصة أنه كان صاحب خلق رفيع وعلم غزير، لا يخاف إلا الله تعالى، وهذا كان واضحاً في تصريحاته وخطبه التي لم ترُق للكثير من أصحاب الضلالة.
ما زال أبناء غزة يتذكرون جيداً زيارته التاريخية إلى القطاع التي ترأس بها وفداً من العلماء في خطوة لكسر حصار غزة، وأراد من خلال هذه الزيارة أن يطمئن غزة التي كانت لا تزال تنزف من حرب “الفرقان”، وقد تبعتها حرب “حجارة السجيل” في ذلك الوقت؛ “يا أهل غزة نحن معكم”.
سيذكر التاريخ والأجيال المتعاقبة لهذه الزيارة وأبعادها الطويلة الكبيرة في قلب غزة التي لم تكن للتنزه أو النظر لمعالمها، بل كانت للمشاركة في مؤتمر نصرة “الأقصى” والأسرى، كما كان له فيها موعد لاستقبال ممثلين عن عائلات الأسرى والشهداء، والقيام بزيارة تفقدية للمناطق المدمرة من قبل الاحتلال.
هذه الزيارة جاءت في وقت كان الحصار يكاد يطبق على أنفاس أبناء القطاع المحاصَر؛ الأمر الذي جعلها تكتسب بُعداً أصيلاً يتمثل بالبعد الإسلامي العربي.
وكنت من الذين تمنوا مقابلة الشيخ القرضاوي وجهاً لوجه لما له مكانة كبيرة في القلب والعقل، إلا أن محبيه بغزة كانوا أكبر مما يظن أحد، فلا يوجد مكان كان، رحمه الله تعالى، يخطو إليه إلا ويتوافد أبناء غزة الصغير والكبير؛ الأمر الذي يشعرك أن كل من في غزة يشدهم الحب حيث يتواجد الشيخ.
وكان له حضور في مشاركة مؤتمر الشهداء والأسرى في قاعة المؤتمرات الكبرى بالجامعة الإسلامية بمدينة غزة، ورغم أن القاعة كبيرة جداً، فإنها ضاقت فلا يكاد يتواجد فيها مسافة صغيرة من الممكن أن يتم التحرك بها أو الجلوس.
وهذا طبعاً غير مستغرب في حضور الشيخ، حيث إن غزة بأجيالها المتعاقبة تربت على توقير واحترام العلماء واحترامهم، فكيف وإن كان الحاضر العلاَّمة القرضاوي رحمه الله.
والأمر ذاته حينما كانت له خطبة الجمعة في الجامع العمري، الذي يعد من الجوامع الأثرية المشهورة في مدينة غزة، فالحضور في ذلك الوقت كان أكبر بكثير من المتوقع الأمر الذي جعل الكثير يفترش خارج المسجد، ليستطيع الصلاة رغم مساحة المسجد الكبيرة.
فما زالت كلماتها في أفئدة غزة حاضرة التي كان يؤكد من خلالها: “لا يمكن أن ينقذ فلسطين إلا الجهاد والمقاومة، فما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، فلا بد أن يحمل كل واحد منا همَّ القدس، فالقدس تاج فلسطين”.
وأمنيته ما زالت حاضرة، حيث كان يتمنى الشهادة في سبيل الله وهو يجاهد نصرة لـ”الأقصى”، فكلماته ما زالت خالدة: “أتمنى لو كنت أستطيع أن أذهب إلى هنالك -أي القدس- أو يجروني على كرسي متحرك لأشارك في الجهاد بشيء ثم تأتيني طلقة تفصل هذا الرأس عن هذا الجسد”.