يعاني المصريون بشدة من الأزمة الاقتصادية التي تعيشها بلادهم بينما ترزح تحت عبء الديون.
وتتعدد مظاهر الأزمة من قيود على السحب من الحسابات الشخصية خارج مصر، مرورا بتقنين كمية الأرز التي يمكن للفرد شراؤها، وصولا إلى حملات دعائية عن الفوائد الصحية لتناول أرجل الدجاج.
ولا يتجاوز الاحتياطي النقدي لدى القاهرة 34 مليار دولار، من بينها 28 مليارا ودائع من دول الخليج الحليفة، وتضاعفت ديون مصر الخارجية نحو 5 مرات في السنوات العشر الأخيرة لتصل إلى 157.8 مليار دولار بنهاية مارس/آذار الماضي، وكانت في نهاية عام 2012 نحو 34.4 مليار دولار.
وخفّضت مصر قيمة عملتها (الجنيه) عام 2022 بنسبة 57% بناء على شروط صندوق النقد الدولي، في بلد يستورد غالبية احتياجاته من الخارج وشهدت فيه أسعار الفائدة ارتفاعا بمقدار 8% في 2022، وكان التأثير فوريا اذ بلغت نسبة التضخم 18.7%، وفق الأرقام الرسمية.
وأظهرت بيانات رفينيتيف تراجع الجنيه المصري اليوم الأربعاء إلى 25.90 للدولار، مسجلا أكبر حركة يومية منذ سمح له البنك المركزي بالانخفاض 14.5% في 27 أكتوبر/تشرين الأول.
وأعلن بنك مصر والبنك الأهلي المملوكان للدولة، في وقت سابق اليوم الأربعاء، طرح شهادة ادخار بعائد 25% سنويا لأجل عام، في خطوة غالبا ما تشير إلى اعتزام البنك المركزي خفض قيمة الجنيه مجددا.
وعلى الأرض، تعاني ربات البيوت، وتقول رحاب لوكالة الصحافة الفرنسية عند مخرج مخبز في وسط القاهرة “رغيف الخبز الذي كنت أشتريه بجنيه واحد صار بـ3 جنيهات”.
وأضافت الشابة البالغة 34 عاما “زوجي يجني 6 آلاف جنيه شهريا. كنا في السابق نعيش 30 يوما من هذا الراتب، ولكن اليوم تبدأ النقود في النفاد اعتبارا من اليوم العاشر”.
اللحوم لم تعد خيارا
تم مجددا تقليص حجم رغيف الخبز وأقراص الفلافل وعبوات زيت الطعام وأكياس البقوليات، وتم كذلك تقليص حجم المنتجات التي كانت توزع بأسعار مدعومة على 70 مليون مصري يُعَدّون “فقراء” ولديهم “بطاقات تموينية”.
وعند مدخل متجر كبير في القاهرة، تحذر لافتة المستهلكين من أنه لا يمكن للفرد الواحد شراء “أكثر من 3 عبوات أرز زنة كيلوغرام واحد أو عبوة واحدة زنة 5 كيلوغرامات”، وأشاد المجلس الوطني للغذاء “بأرجل الدجاج المفيدة للجسم وللميزانية”.
أما اللحوم المجمدة المستوردة التي يستهلكها الأقل دخلا لأنهم لا يستطيعون تحمّل أسعار اللحوم الطازجة، فـ”لم تعد خيارا بعد أن ارتفعت أسعارها من 85 إلى 150 جنيها”، حسب ما قالت رضا التي تعول أسرة من 13 فردا.
تبذل هذه المرأة (55 عاما) كل ما في وسعها لإعالة الأسرة، وتوضح “أنا موظفة وأعمل إلى جانب ذلك في مستشفى، ولكن حتى مع هذين المرتبين هناك الكثير من الأشياء التي لا أستطيع شراءها”.
وإذا كانت الأسعار ترتفع، فأحد الأسباب هو عجز المستوردين عن الحصول على الدولارات اللازمة من المصارف، وتفيد مصادر حكومية أن في الجمارك حاليا بضائع بقيمة نحو 7 مليارات دولار.
وبسبب أزمة النقد الأجنبي التي أسهم فيها خروج نحو 20 مليار دولار من مصر بسبب قلق المستثمرين عقب اندلاع الحرب في أوكرانيا، قامت معظم البنوك بتقييد السحب بالدولار خارج مصر، كما رفعت عمولة استخدام البطاقات الائتمانية في عمليات الشراء في الخارج من 3% إلى 10%.
وحتى أحد أبرز أنصار النظام، المذيع عمرو أديب الذي يقدم واحدا من أكثر البرامج متابعة في مصر، قال أخيرا بعد تقييد السحب في الخارج “اتركوا على الأقل الناس التي سافرت قبل هذا القرار تسحب بعض النقود لكي تستقل سيارة أجرة إلى المطار لتتمكن من العودة”.
في هذه الأجواء، تنتشر شائعات تتحدث عن استعداد شركات مثل ماكدونالدز وأوبر للانسحاب من السوق المصرية.
صرفت النظر عنه
تحاول الدولة، وهي واحدة من 5 في العالم معرّضة لأن تفقد القدرة على سداد ديونها وفق وكالة موديز، توفير أكبر قدر ممكن من الدولارات.
ويُعَد قرض صندوق النقد الدولي الذي حصلت عليه مصر مؤخرا بقيمة 3 مليارات دولار تسدد على 46 شهرا، ليس إلا قطرة في بحر خصوصا أن حزمة الدين التي يتعين على القاهرة سدادها خلال العام المالي 2022/ 2023 تبلغ 42 مليار دولار.
وقرر وزير النقل كامل الوزير إلزام السياح بسداد ثمن رحلات القطار بالدولار بدءا من يناير/كانون الثاني الجاري، وقال في تصريحات للتلفزيون “أنا بحاجة إلى دولارات لسداد ثمن عربات القطار المستوردة. السياح يمكنهم الدفع بالدولار، وهذا يناسبهم ويناسبني أيضا”.
ولجني مزيد من الدولارات، تعتزم الدولة بيع الكثير من الشركات والأصول للقطاع الخاص إلى حد أن الأمر أثار القلق من فقدان السيادة على قناة السويس.
وقال رئيس هيئة القناة أسامة ربيع أخيرا إن القناة “ليست للبيع”.
وتستعد الحكومة لطرح حصص في 4 شركات مملوكة للدولة في البورصة المصرية، ولديها 8 شركات أخرى قيد الإعداد للطرح في الوقت الذي تتطلع فيه إلى استئناف برنامج الطروحات الحكومية، وفق ما نقلت بلومبرغ الشرق عن التقرير السنوي للبورصة المصرية.
والشركات الجاهزة للطرح هي: بنك القاهرة، ومصر لتأمينات الحياة، وشركة الحفر المصرية، والشركة المصرية لإنتاج الألكيل بنزين الخطي (إيلاب).
والشركات الـ8 الأخرى ستطرح حصة من أسهمها في البورصة بحسب التقرير، وهي: الشركة الهندسية للصناعات البترولية والكيماوية (إنبي)، وشركتا ميدور وأسيوط لتكرير البترول، وشركات البتروكيماويات إيثيدكو وميثانكس ووافكو، وشركة مصر القابضة للتأمين، وبنك الإسكندرية.
وبعيدا عن المدن الجديدة والقطارات الكهربائية السريعة، فإن كل ما تتطلع إليه رحاب هو أن تشتري معطفا لابنتها يقيها من البرد.
وقالت وهي تغالب دموعها “لكني وجدت أن ثمنه ألف جنيه، فصرفت النظر عنه”.