في عدد سابق قدمت «المجتمع» الجولة الأولى من الحوار الذي أجرته مع الداعية الإسلامي فضيلة الشيخ محمد الغزالي، وفي هذا العدد تقدم الجولة الثانية:
- كيف تتصورون مستقبل مصر؛ فكرياً واجتماعياً واقتصادياً وسياسياً؟ كيف تتصورون ذلك كله في ظروف التحدي السافر بين الإسلام والصهيونية، وظروف الهجمة الاستعمارية الجديدة على مصر؟
– لمصر دور تاريخي تقليدي في حماية الإسلام ثقافياً وسياسياً وعسكرياً، وأرى أننا لم نتنكر تماماً لهذا الدور الطبيعي، فإن الشعب المصري متدين ويحب الإسلام حباً جماً، ويحب اللغة العربية وآدابها، وقد حدث أيام جمال عبد الناصر أن وجهت للإسلام إهانات بالغة وأصابته جراحات عميقة، وأذكر أن المرحوم الحاج أمين الحسيني، مفتي فلسطين الأخير، قال: لما سقطت الأستانة بتدبير القوى الشريرة العميلة للاستعمار -وهي قوى كانت منتشرة في الأستانة- انتقلت تلك القوى إلى القاهرة بوصفها المركز الإسلامي الثاني في العالم، ولا أنكر أن الحرب التي تعرض لها الإسلام أيام جمال عبدالناصر وقبله -التي لا تزال تشعلها عناصر ظاهرة ومستورة- قد أثرت في أمتنا، بيد أن من الكذب القول: إنها هزمت الإسلام في ضمائرنا وأفئدتنا وصفوفنا الشعبية، فتربة مصر لا تزال -بحمد الله- تنبت الفتية المؤمنين، والمجتمع المصري دائم الحنين في العودة إلى الإسلام وإقامة شريعته.
ورأيي أن المعركة لا تزال في بدايتها، فإن الكائدين للإسلام لم يقذفوا بقواهم كلها في المعركة، والجبهة الإسلامية لا تزال مبعثرة ومشغولة بما لا يفيد، ومع الأيام المقبلة لم يبق إلا واحد من احتمالين؛ إما أن نعتصم بالإسلام، أو ننسلخ عنه.
لكني كبير الثقة في أن أمتنا لن تنسى دينها ولن تخون رسالتها.
وأود أن أتوقف بعض ثوان لأقول: إن المسلمين في مصر يبلغون ما بين 92 إلى 93% من السكان، وإن الأقلية المسيحية من أسعد الأقليات في العالم في الجوار الإسلامي السمح الطيب، ولست أخاف من مؤامرات استعمارية لتحريك أفراد من الأقلية المسيحية ضد المسلمين، فإن العقلاء يرفضون -بمنطق المصلحة- الاستجابة لإغراء الخيانة الذي يعرضه الصليبيون واليهود والشيوعيون وغيرهم، ومعنى هذا أن الدور الإسلامي لمصر سوف يبقى ولن يعترض بشيء ذي بال.
أمام مصر الآن مسؤوليات ثقال؛ أمامها -من الناحية الإقليمية- أن تحرر ترابها الوطني، وهو جهد له مغارمه التي يجب أن تحسب، وأمامها -وأمام غيرها من الشعوب الإسلامية- أن تعيد الفلسطينيين إلى وطنهم، ولا بد من لفت النظر إلى خطأ لا يزال يرتكب، وهو أن قضية فلسطين عربية أولاً وآخراً.
هذا مفهوم خاطئ يجب أن يصحَّح حتى يعرف الصديق والعدو أن فلسطين قضية إسلامية أولاً وآخراً، والعرب المنسلخون عن الإسلام أقل وأذل من أن يحرروا فلسطين، إنما يحرر فلسطين الإسلام القائم في مصر والشام -حين مواقع المواجهة- بالاشتراك مع كافة المسلمين كعمق شعبي وجبهة إسناد إستراتيجي ضروري.
وأي القطرين يصحو بالإسلام ويحيا له، فإن من أيسر الأمور عليه أن يرد الحق لأهله، فكيف إذا قامت نهضة إسلامية حقيقية في القطرين معاً، وحين نقول الإسلام لا نعني الشعار المنفصل عن الواقع، ولا نعني الانتساب المجرد، وإنما نعني الالتزام الصادق بالإسلام في كافة شؤون الحياة؛ الفردية والجماعية.
إنني لا أزال عند رأيي أن ضرب الإسلام في مصر مخطط عقائدي سياسي رهيب رسمته أصابع الصهيونية، وإذا لم يكن الذين ضربوا الإسلام عملاء موظفين في المخابرات الاستعمارية الصهيونية فقد قاموا بدور العملاء، وأدوه أداءً كاملاً، وجنت مصر والشام أمر الثمرات من أعمالهم الخائنة.
إن مستقبل مصر في المجالات التي ذكرت يحتاج -لكي يكون التحول إلى مستوى أفضل- إلى:
1- قيادة فكرية تنسخ المناهج المناهضة للإسلام في التعليم والتثقيف والإعلام، وتقود الأمة إلى أفق إسلامي جديد في التربية والتوجيه.
2- حرية وطيدة القواعد والأعراف موفورة الضمانات.
3- توازن اقتصادي يعتمد -أصلاً- على رکيزتين؛ الإنتاج الذاتي، والتوزيع العادل.
4- سياسة اجتماعية وأخلاقية تعين الناس بشتى الوسائل على الاستقامة والسمو، لا أن تغريهم بالانحراف والسقوط.