ما هدي الإسلام في الحروب؟ وهل يجوز التمثيل بقتلى الأعداء كما يمثلون بقتلى المسلمين؟
– الحرب ضرورة تفرضها طبيعة الاجتماع البشري، وطبيعة التدافع الواقع بين البشر الذي ذكره القرآن الكريم: (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً) (الحج: 40)، (وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَـكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ) (البقرة: 251).
لكن ضرورة الحرب لا تعني الخضوع لغرائز الغضب، والحمية الجاهلية، وإشباع نوازع الحقد، والقسوة والأنانية.
وإذا كان لا بد من الحرب، فلتكن حرباً تضبطها الأخلاق، ولا تسيرها الشهوات، لتكن ضد الطغاة والمعتدين لا ضد البرآء والمسالمين، قال تعالى: (وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ) (البقرة: 190)، (وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (المائدة: 2).
فإذا كان لا بد من الحرب فلتكن في سبيل الله، وهو السبيل الذي تعلو به كلمة الحق، والخير، لا في سبيل الطاغوت الذي تعلو به كلمة الشر، والباطل، قال سبحانه: (الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً) (النساء: 76).
لتكن الحرب من أجل استنقاذ المستضعفين، لا من أجل حماية الأقوياء المتسلطين، يقول عز من قائل: (وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيراً) (النساء: 75).
ولتقييد الحرب بأخلاق الرحمة والسماحة، ولو كانت من أشد الأعداء شنآناً للمسلمين وعتواً عليهم.
وإذا كان كثير من قادة الحروب وفلاسفة القوة لا يبالون في أثناء الحرب بشيء إلا التنكيل بالعدو، وتدميره، وإن أصاب هذا التنكيل من لا ناقة له في الحرب، ولا جمل! فإن الإسلام يوصي بألا يُقتل إلا من يقاتِل، ويحذّر من الغدر، والتمثيل بالجثث، وقطع الأشجار، وهدم المباني، وقتل النساء والأطفال والشيوخ والرهبان المنقطعين للعبادة، والمزارعين المنقطعين لحراثة الأرض.
وفي هذا جاءت آيات القرآن الكريم، ووصايا الرسول الكريم، وخلفائه الراشدين، ففي القرآن قوله تعالى: (وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ) (البقرة: 190).
وفي السُّنة كان النبي صلى الله عليه وسلم يوصي أصحابه إذا توجهوا للقتال بقوله: “اغزوا باسم الله، وفي سبيل الله، وقاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغلوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليداً..”.
وكذلك كان الخلفاء الراشدون المهديون من بعده يوصون قوادهم: ألا يقتلوا شيخاً، ولا صبياً، ولا امرأة، وألا يقطعوا شجراً، ولا يهدموا بناء.
بل نهوهم عن أن يتعرضوا للرهبان في صوامعهم، وأمروهم بأن يدعوهم وما فرغوا أنفسهم له من العبادة.
يذكر المؤرخون أن الخليفة الأول أبا بكر الصديق رضي الله عنه في المعارك الكبرى التي دارت بين المسلمين والإمبراطوريتين العتيدتين فارس والروم، أرسل إليه رأس أحد قادة الأعداء من قلب المعركة إلى المدينة عاصمة الدولة الإسلامية، وكان القائد يظن أنه يسر بذلك الخليفة، لكن الخليفة غضب لهذه الفعلة لما فيها من المثلة، والمساس بكرامة الإنسان، فقالوا له: “إنهم يفعلون ذلك برجالنا”، فقال الخليفة في استنكار: “أستنان بفارس والروم؟ لا يحمل إليَّ رأس بعد اليوم”.
وبعد أن تضع الحرب أوزارها، يجب ألا ينسى كذلك الجانب الإنساني والأخلاقي في معاملة الأسرى، ضحايا الحرب.
يقول الله تعالى في وصف الأبرار من عباده: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً {8} إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُوراً) (الإنسان).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
العدد (1407)، ص57 – 2 ربيع الآخر 1421ه – 4/7/2000م.